تجربة فنية شديدة الجرأة والإنسانية خاضها المخرج هشام على فى عمله الأخير «أوبرا بنت عربي» على خشبة مسرح السلام إنتاج مسرح الشمس تحت إشراف الفنانة وفاء الحكيم تتمثل خصوصية هذه التجربة بالاهتمام الذى بدأ يمنحه مسرح الشمس لذوى الاحتياجات الخاصة وضرورة إشراكهم فى العملية الفنية باعتبارهم فنانون وليسوا معاقين يمتلكون نفس مهارة الأصحاء فى الغناء والرقص والعزف الموسيقى والتمثيل. «أوبرا بنت عربي» يتناول حكاية أشبه بحواديت «ألف ليلة وليلة» عن الملك نيار الحاكم الظالم المستبد الذى يقوده غروره إلى استبدال ابنته أوبرا بعد علمه بولادتها كفيفة، يقرر أخذ شكيب ابن عربى ليحل محلها والذى سنكتشف فيما بعد أنه أصم؛ من هنا يبدأ الصراع وتتوالى أحداث العرض، الذى سينتهى بنهاية حكم الملك الظالم وزواج أوبرا من شكيب وتمسك والدها الروحى عربى بأبوته لها. اعتمد العرض على توظيف كامل ودقيق لأبطاله من ذوى الهمم ومعهم ممثلون محترفون فى محاولة فريدة لتقديم مواهب شابة ومتنوعة من ذوى الاحتياجات الخاصة بدمجهم مع فنانين أصحاء، وبين الصحة والاكتمال اختفت مواطن النقص أو الضعف فيهم، حيث محيت تمامًا أشكال العجز على اختلافها، جاء جميعهم من خلفيات أو أشكال إعاقة متنوعة منهم الكفيف وآخرون مصابون بالصمم ومنهم مصاب بشلل ومتلازمة داون؛ لكن استطاع المخرج هشام على خلق حالة انسجام غير مسبوقة بين الجميع فانسجموا معًا فى كيان واحد وانتفت مناطق الاختلاف والعجز فلم تلحظ من السليم ومن المعاق بالعرض خاصة فى المشاهد الجماعية التى احتوت على الرقص والغناء. بالرغم من وجود بعض المشاكل التى قد تتمثل فى تكدس الديكور على المسرح مع ضخامة عدد الممثلين مما تسبب فى أزمة أثناء حركة العدد الكبير بالمشهد الواحد أو أدى إلى تشتيت الانتباه بسبب حجم الديكور الضخم وتوزيعه فى كل جوانب المسرح إلا أن الثراء الفنى والفكرى للتجربة قد ينسيك بعض الهنات التى وقع فيها صناع العمل، لأن هذا العمل يحمل رسالة إنسانية سامية فى كيفية قبول الآخر وحرفة دمجه فى الحياة العملية بالمجتمع دون إشعاره بأى نوع من أنواع التمييز حتى ولو على سبيل الشفقة! فى «أوبرا بنت عربي» انتفى منطق الشفقة فى التعامل مع أصحاب الأزمات التى يستعرضها العرض من خلال فكرته الذكية الأشبه بالأساطير القديمة والتى ركزت على ظلم الملك واستبعاد أحد محاربيه الأبطال بعد أن فقد إحدى عينيه فى الحرب وتنصيبه على مملكة العجزة، من هنا انطلقت فكرته التى ساهمت بشكل كبير فى تجريد هؤلاء من كل ما يعيقهم عن حركة الحياة والتداخل والانسجام فيها، باعتبارهم جزء لا يتجزأ منها وبالتالى تعمد المخرج البعد عن تغليف العمل بقالب الشعور بالتعاطف أو الشفقة عليهم واهتم بشدة بالتركيز على إبراز مواهبهم الفنية والتعامل معهم من منطلق الاحتراف وليس من منطلق الاستعطاف، فالراوى مطرب العرض عمر فرحان تمتع بصوت عذب استحوذ على أسماع الجمهور طوال فترة غنائه ولم يلتفت أحد إلى عجزه وهكذا بدا جميع المشاركين من متلازمة داون الذين رقصوا وغنوا وشاركوا بعزف الفلوت وبعض الجالسين على كراسى متحركة وبعض المصابين بالصمم المشاركين بالغناء والاستعراض كل هذه العيوب الجسدية الخارجية حولها المخرج إلى مجرد قشرة ظاهرية غير مرئية أو نزع الصورة الذهنية المثبتة دائمًا عن هذا النوع من الأعمال الفنية التى عادة ما تستجدى التعاطف معهم والشفقة عليهم، فحول الإنتباه بحرفة وذكاء إلى مضمون هؤلاء وتكوينهم الفنى والروحى فأنت أمام تكوين إنسانى متكافئ مع زملائهم الأصحاء جسديًا، لم يكن هناك فارق بين الجميع بل التحموا معًا فى كيان واحد لتقديم عرض مسرحى رفع من قيمة الموهبة الفنية على حساب الهيئة الجسدية لمؤديها، وتعتبر هذه الرسالة الأهم والأسمى فى العمل صرف انتباهك عن أى شخص يحمل إعاقة جسدية فى عمل فنى انسجمت عناصره وابطاله لإعلاء حكمة قبول الآخر والتحامه بالمجتمع. لم يتوقف تحقيق الإنسجام على مهارة مخرج العمل وحده فى خلق توليفة فنية لعمل هذا التكوين الفنى الملتحم، بل كان للأغانى والأشعار التى كتبها الفنان سامح مجاهد دور كبير فى تسهيل هذه المهمة بجانب رواية الفنانة القديرة سميحة ايوب للتعليق على الأحداث بصوتها، انسجمت الأغانى والألحان بشكل كبير مع أجواء العمل وأضفت عليه المزيد من المتعة والثراء فى استكمال ما انتقص من الحكاية، تفوق مجاهد فى كتابة أشعار «بنت عربي» حيث تمتع بحساسية فنية عالية فى وصف وتحفيز هؤلاء على العمل وبث القوة والعزم فى نفوسهم لمواجهة الحياة ومن جانب آخر فى ترسيخ وعى مختلف ومغاير عن المعتاد لقبول الانسجام مع كل ما نراه مختلف ولا يشبهنا، وبالتالى كانت الأغانى الحلقة الأقوى بالعرض، ولها النصيب الأكبر فى حمل لواء رسالته. شارك فى بطولة العرض الفنان علاء قوقة، هانى عبد الحي، نهاد فتحي، ماهر محمود، محمد سعداوي، محمد حبيب، ياسمين فرج، عمر فرحان، شريف غانم، روبى نابار، محمود سعيد، طارق سيف الدين، أحمد عمارة، عبد الرحمن جميل، عبد الله سيد، محمد سعد، يوسف علي، سارة حامد، تأليف ياسمين فرج، ديكور رامة فاروق، أشعار سامح مجاهد، موسيقى والحان أحمد ناصر، شارك فى تصميم الأزياء أميرة صابر، أداء صوتى سيدة المسرح سميحة أيوب.