مثلما من يحفر قبره بيده، هكذا وقع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى المصيدة، وخطا الخطوة الأولى فى مسار خروج تركيا من حلف شمال الأطلسى «الناتو»، بتمسكه بصفقة أنظمة الدفاع الجوى الروسية، وأقحم بلاده فى تحد لن تقوى على عواقبه، الأمر الذى سيضطرها إلى التقرب من حلفاء ينتمون إلى الجانب الشرقى المتمثل فى روسيا والصين وإيران، والذين وصفهم ب «الحلفاء غير مأمونين العواقب». لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، ولكن أردوغان لا يتعظ وسيلدغ من نفس الجحر مئات المرات، فلم تنفك بلاده تتخلص من الويلات الاقتصادية التى فرضها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على تركيا على خلفية قضايا عدة، من بينها زعم تركيا بتخاذل الاتحاد الأوروبى تجاه أزمة الانقلاب، واستمرار الدعم الأمريكى للأكراد فى سوريا، وقضية القس الأمريكى برونسون الذى تحتجزه تركيا، إذ إن شراء تركيا منظومة صواريخ «إس 400»، من شأنه أن يحدث عواقب أكثر خطورة مما قبلها، بالعلاقات التركية- الأمريكية والعلاقات التركية- الأوروبية. أسباب الاعتراض الأمريكى امتلاك تركيا منظومة «إس 400»، يثير الحفيظة الأمريكية لعدد من الأسباب منها، أولا : إن أمريكا لن تسلم تركيا منظومة المقاتلات «إف-35»، لأنها بذلك ستصبح الدولة الوحيدة فى العالم التى تقتنى أحدث منظومة دفاع جوى وأحدث منظومة طائرات، وهو ما لن تسمح الولاياتالمتحدة به. ثانيا: تركيا باعتبارها عضوا فى حلف الناتو، تمتلك الآن منظومة الدفاع الجوى الغربية التابعة للحلف، ونظرا لضرورة الربط والتكامل بين الأنظمة الدفاعية للدولة وفقًا للعلوم العسكرية، فإن الفنيين والخبراء الروس التابعين للمنظومة الروسية سيطلعون بالضرورة على نظام القيادة والسيطرة فى المنظومة الغربية، ما يشكل تهديدا واضحا بنقل تقنيات وأسرار مقاتلات «إف-35» للجانب الروسى وبالتالى يمكن أن تصنع مثيلتها. عواقب خطيرة سيل من التهديدات أمطر بها أمريكا أردوغان فى الساعات الماضية، فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية تشارلز سامرز، أن تركيا قد تواجه عواقب وخيمة على العلاقات التركية- الأمريكية بشكل عام والعسكرية بشكل خاص فى حال اشترت المنظومة الروسية المضادة للصواريخ إس-400. أردوغان بين فكى ترامب وبوتين وفى هذه الحالة لن يكون بإمكان تركيا الحصول على طائرات إف-35 وصواريخ باتريوت الصاروخى الأمريكى الذى تنتجه شركة رايثيون فى صفقة بقيمة 3.5 مليار دولار، إذ لا يمكنها حيازة النظامين معا، وسينتهى العرض الرسمى لهذه الصفقة بنهاية الشهر الجاري. لكن أردوغان استبعد إلغاء الصفقة مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والتى تبنى محطة للطاقة النووية فى تركيا وخط أنابيب لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر الأراضى التركية، فضلا عن سعى لإبرام اتفاق لشراء نظام إس-500 من موسكو لاحقا. وهكذا وقع أردوغان بين فكى ترامب وبوتين، ما بين نار التهديدات الأمريكية وإلغاء صفقات مقاتلات إف-35، ونار الحليف الروسى الذى لا يمكن للرئيس التركى التخلى عنه فى سوريا وفى صفقات تجارية ضخمة. الصحافة العالمية تجلد الديكتاتور «تركيا طالما كانت رجلا غريبا فى الناتو» هذا ما قالته صحيفة «التايمز» البريطانية عن الخلاف بين الناتو وتركيا بسبب صفقة الأسلحة الروسية التى تنوى أنقرة الحصول عليها. ازدواجية أردوغان تساءلت عنها الصحيفة، موجهة سؤالها لحلف الناتو: «ليس فقط بسبب غزوها لقبرص عام 1974، كيف تتعاملون مع تركيا التى تخضع الآن لسيطرة رجل يبدو معارضا لوجود الحلف من الأساس وفى نفس الوقت هو جزء منه؟ وأضافت «التايمز»: إن تركيا تهدد أمن حلفائها فى الناتو، وحذرت أردوغان من إشعال غضب أمريكا، بميلها إلى موسكو يعني، وترى «التايمز»، أن الشعب التركى هو الخاسر فى القضية، وأن ميل أردوغان إلى الكرملين سياسة غريبة فتركيا كانت تاريخيا دائما مرتابة من روسيا لأسباب موضوعية، ويعود تحالف تركيا مع الولاياتالمتحدة إلى عام 1946 عندما كانت لستالين أطماع فى الأراضى التركية.