يسكن الحاج محمود العربى مخيلة البسطاء، بعد أن تحول إلى نموذج يسعى لتقليده الكثيرون، فقد كشف أن الحلم يمكن تحقيقه هنا فى مصر ليس فقط فى «أرض الأحلام»، فعلى مصطبة صغيرة أمام منزله بقرية أبورقبة مركز أشمون بمحافظة المنوفية، بدأ «شهبندر التجار» رحلته وهو طفل، يبيع ألعابًا نارية وبالونات فى الأعياد، ليكسب 15 قرشًا فى الموسم، وانتقل بعدها وهو فى العاشرة إلى القاهرة للعمل بمصنع روائح وعطور عام 1942، واستمر به لمدة شهر واحد، وتركته لأنه لا يحب الأماكن المغلقة والعمل الروتينى». ■ ■ فى شارع الموسكى كانت الانطلاقة، فهو تاجر بالفطرة، يملك الموهبة وحسن التفكير والأمانة، وهم مفتاح النجاح لأى إنسان، حيث بدأ العمل فى محل براتب 120 قرشًا فى الشهر، واستمر حتى عام 1949، ووصل راتبه إلى 320 قرشًا، بعدها فضل العمل فى «محل جملة» بدلا من المحل «القطاعى»، وكان أول راتب يتقاضاه 4 جنيهات وعمل فيه لمدة 15 عامًا، ارتفع خلالها راتبه إلى 27 جنيهًا، وكان مبلغًا كبيرًا آنذاك، حيث تمكن من دفع تكاليف الزواج. ■ ■ ثم جاءت البداية الحقيقية للتاجر الصغير عام 1963، حينما قرر الاستقلال بنفسه فى التجارة، لكن لم يكن لديه ما يبدأ به، ففكر هو وزميل له بنفس العمل، أن يتشاركا مع شخص ثرى، على أن تكون مساهمته هو وصاحبه بمجهودهما، بينما يسهم الطرف الثانى بأمواله، وكان رأسمال المشروع 5 آلاف جنيه، وهكذا أصبح لديه أول محل بمنطقة «الموسكى» بالقاهرة. ■ ■ ذلك التاجر الصغير الذى يواصل الليل بالنهار عملًا، لم يتحول إلى إمبراطور للإلكترونيات فى العالم العربى كله وليس مصر وحدها بمهارته فى البيع والشراء فقط، بل قبل ذلك أنه إنسان يجعل فى ماله حقًا للسائل والمحروم، فلم يغدر بشريكه المريض، ولمدة عامين، أدار خلالها المحل بمفرده، ونمت تجارته بسرعة كبيرة، فحقق أرباحًا تفوق أرباح 10 محلات مجتمعة. ■ ■ وكما يقول المثل الشعبى «رُب ضارة نافعة»، جاء قرار الحكومة فى الستينيات بصرف المستلزمات المدرسية للتلاميذ بالمجان، وهو ما يعنى أن تجارته لم يعد لها وجود، فكان التحول الذى فتح الطريق أمام رجل الصناعة الوطنية، فاستعاض عن الأدوات المكتبية بتجارة الأجهزة الكهربائية. وفى عام 1974 بدأ شراكة مع مجموعة توشيبا اليابانية، وفى عام 1975 زار مقر الشركة فى اليابان، فطلب إنشاء مصنع للمجموعة على أرض مصر أملًا منه فى رفع اسم مصر كبلد صناعى بعد نصر أكتوبر العظيم، وبالفعل حضر الخبراء وأقروا بصلاحية قطعة الأرض التى يمتلكها على طريق مصر إسكندرية الزراعى، لإنشاء أول مصنع يحمل اسم «العربى» وتحديدًا لتصنيع المراوح الكهربائية من هنا دخل مرحلة جديدة عنوانها التصنيع. ■ ■ وفى عام 1993 وضع محمود العربى حجر الأساس لمصنع التليفزيونات، ثم توالت الإنشاءات ليتحول مصنع بنها إلى مجمع صناعى ضخم لتصنيع مختلف الأجهزة الكهربائية مصنع الشفاط، ثم مراوح السقف، ثم المكواة، والمحركات، حتى أنشأ قلعة صناعية ضخمة تضم أكثر من 10 مصانع على مساحة 36 ألف متر مربع. وفى عام 1998 أنشأ «العربى»، مصنع الغسالات، ثم بدأت المرحلة الصناعية الثانية فى مسيرته، بإنشاء مجمع قويسنا الصناعى الذى تبلغ مساحته أكثر من 250 ألف متر مربع كصرح صناعى ثانٍ، ويضم أيضًا أكثر من 10 مصانع، ليفتح الباب أمام أكثر من 20 ألف فرصة عمل. ■ ■ التوسعات الصناعية للحاج محمود العربى، كانت دائمًا تتم بالتوازى معها توسعات مجتمعية وخيرية بإنشاء المستشفيات والمؤسسات الخيرية، تبرع بأجهزة كهربائية لليتامى والأرامل والمساكين، وأسس أول مدرسة للتكنولوجيا التطبيقية، حيث تقدم العديد من المميزات للطلاب المقبولين بها، كأولوية التعيين للمتميزين بمصانع العربى، والإعفاء من الرسوم المدرسية التى تقدر ب(15) ألف جنيه سنويًا للطالب. قبل أى تحرك اقتصادى يضع مصر أولًا.. ويطرح الحاج محمود العربى على نفسه سؤالًا، ماذا سنقدم كى نحافظ على ثقة المستثمرين والعملاء، فيما ينتج على أرض مصر وبأيدٍ مصرية.. لأجل ذلك وأكثر نمنحه «وسام الاحترام»