دائماً ما يحب الكاتب ياسر قطامش، أن يأخذنا عبر آلة الزمن إلي "أيام زمان" في رفض منه لزمننا المتجه نحو الحداثة والمادية باندفاع شديد، لكن قطامش يتميز باختيارات منمقة ومميزة لقطوف من تلك الأيام، لذلك يطالعنا في كتبه بأسلوب فيه نوع من السخرية، مع تركيزه علي الناحية الاجتماعية في أسلوب الحياة وأسلوب التخاطب وأشهر المصطلحات أو الكلمات المتداولة وقتها، التي من خلالها نستنبط كيف كانت الحياة علي كل المستويات السياسية والاقتصادية وكذلك العلمية والثقافية، يأخذنا قطامش عبر كتابه الجديد "وحوي يا وحوي.. رمضان صور و حكايات" الصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية في جولة بشوارع وأحياء المحروسة لنتعرف علي مظاهر عيد الفطر المبارك في عشرينيات القرن الماضي ليتوقف بنا عند فترة السبعينيات. يتعرض قطامش لأشهر أغنية عن العيد قدمتها السيدة أم كلثوم عام 1939 وهي "ياليلة العيد آنستينا.. وجددتي الأمل فينا" للشاعر أحمد رامي وألحان رياض السنباطي، والتي تم تصويرها ضمن مشاهد فيلم "دنانير" عام 1940، لتظل هذه الأغنية عبر الزمن هي علامة العيد لدي العرب جميعا، وفي أغسطس 1944 تغنت بها أم كلثوم في حفلة النادي الأهلي ليلة العيد، فأنعم عليها الملك فاروق بنيشان الكمال الذي لايمنح إلا لأميرات البيوت الملكية، مما أثار زوبعة عاصفة علي الملك قامت بها بعض أميرات العائلة المالكة، لكن الملك لم يبال وقال :" إن أم كلثوم لا تقل عنهن فهي ملكة الغناء والطرب". "كل سنة وانت طيب يا نجيب" كان هتاف الجموع الغفيرة من الشعب التي استقبلت مجلس قيادة الثورة بزعامة أول رئيس لمصر اللواء محمد نجيب، وهم ذاهبون لقضاء صلاة عيد الفطر عام 1953 هو أول عيد بعد زوال الملكية وقيام الجمهورية بمسجد الأزهر، وقتها أيضا نشرت جريدة الأهرام عددا من الأخبار عن بزة العيد وقيمتها 110 قروش فقط!..أما حلويات العيد أما عن أفلام العيد فكان وقتها فيلم "حضرة المحترم" لزهرة العلا وكارم محمود، ولفاتن حمامة وفريد الأطرش كان يعرض فيلم "لحن الخلود"، أما نجيب الريحاني فكان يقدم مسرحيته"ابن مين بسلامته". يعتبر ميدان العتبة من أشهر الميادين بالقاهرة وتم تخطيطه بصورته المألوفة في عهد الخديو إسماعيل، ومنه تتفرع عدة شوارع مهمة : شارع الجيش، الأزهر، عبدالعزيز، وبالقرب منه نجد سوق الموسكي المشتهر بتوافر كافة البضائع والملابس بأسعار زهيدة. في هذا الميدان كان يوجد قصر طاهر باشا ناظر الجمارك في القرن التاسع عشر، وكانت عتبة القصر زرقاء!.. لكن حينما آلت ملكية القصر للخديو عباس الأول في عشرينيات القرن الماضي، ولأنه يتشاءم من اللون الأزرق، قام بهدم هذه العتبة الزرقاء ليقيم العتبة الخضراء!.. ليتغير اسم الميدان بالتالي من ميدان العتبة الزرقاء إلي الخضراء، معروف عن هذا الميدان ارتدائه للزينات الملونة بالعيد وتتوافد عليه العائلات المتوسطة والفقيرة لشراء الحلوي من محال "الخواجة ويلسن" آنذاك، وكان من المألوف أن نجد بائعا يحمل عودا طويلا علقت عليه طرابيش للبيع بالعيد..واللي ما يشتري يتفرج. ويعرض الكتاب لعدد من الصور لمظاهر العيد منها سورة عن سوق "سوق الكانتو" وهو من أشهر أسواق زمان، حيث بيع الملابس المستعملة بأرخص الأثمان للغلابة كي "يعيدوا وينبسطوا"، هذه الصورة التقطت في 1953 لأحد الباعة هناك الذي يعرض بضاعته علي الأقفاص. ومن أطرف المواقف التي يتعرض لها الكتاب، أن اشتري أحدهم بدلة ليجد بجيبها ورقة مكتوب فيها "وداعا أيتها الحياة، سأعيش في جنة الخلد"، فعلم أن صاحبها انتحر، فتشاءم منها ورماها، وآخر وجد بجيب بدلة ورقة كتب فيها صاحبها " لازمتني هذه البدلة في كثير من المناسبات السعيدة، لكنني اضطررت لبيعها بسبب القمار لعنة الله عليه"، كانت الشكوي الدائمة من الباعة بسوق الكانتو من مصلحة الضرائب التي "تكبس" عليهم وتغالي في تقدير الضرائب..يعني الضرائب ورانا ورانا. الفاخرة فإن محال حجازي الحلواني بطنطا يرسلها في طرد بالبريد ب100 قرش فقط.