تعتبر الجغرافيا جزءا لا يتجزأ من حضارة وثقافة الأمم ولأن مصر مليئة بالكثير من المدن والمحافظات التى تحوى بين طياتها حضارات وعوالم مختلفة كانت مدينة الأقصر عاصمة الثقافة العربية لعام 2017_2018 بعد ان تسلمت الشعلة من مدينة صفاقسبتونس العام الماضي، واليوم سلمت الأقصر شعلة ثقافتها لمدينة وجدة بدولة المغرب، لم تكن هذه المدينة الأثرية فقط عاصمة للثقافة بل كانت فى يوم ما عاصمة لمصر بالعصر الفرعونى ايام كانت تدعى «طيبة»، هذه البلدة الصغيرة التى تشعرك بأنك تسير بين أركان معبد أو متحف كبير كانت شاهدا على احتفالات ضخمة أقيمت بين ساحتها ومعابدها الأثرية، فداخل هذا المعبد الكبير أقامت وزارة الثقافة احتفالاتها على مدار سبعة ايام متواصلة احتفالا بختام فعاليات الأقصر عاصمة للثقافة. ساحة أبو الحجاج ومعبد الأقصر توسعت الاحتفالات فى ختام هذا الحدث الكبير ليشمل جميع اركان المدينة، وتعمدت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة والمخرج خالد جلال إشراك أهل المدينة أجواء هذا الحدث والاحتفالات الضخمة ، فأقامت الوزارة مسرحا مقابل لمعبد الأقصر وساحة أبو الحجاج فبدت العروض والراقصين وكأنهم فراعنة خرجوا أحياء من بين أعمدة المعبد وحققت الوزارة بهذا العمل هدفا فنيا وسياحيا، قدمت فرق الفنون الشعبية بمختلف خلفياتها الثقافية عروضها الراقصة منها فرق الأقصر للفنون والآلات الشعبية، وقناوسوهاج وامتدت العروض للمراكز التابعة للمحافظة حيث قدمت التذوق بالاسكندرية عرضاً فى الطارف، الوادى الجديد فى ارمنت، اسوان فى الطود، وكذلك فرق التذوق للفنون الشعبية، سوهاج للفنون الشعبية، الوادى الجديد، قنا، الإسماعيلية، عرضت هذه الفرق بساحة ابو الحجاج، ميدان التجارة، موقف الأقاليم، كما كان لها انطلاقة جديدة فى تقديم مجموعة من الأغانى الدعائية لحملة الانتخابات الرئاسية قدمت فرقة الأقصر اغنية بعنوان «انزل شارك» للمطرب ياسر فتحي، وكذلك أكد الدكتور أحمد عواض رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة أن هناك ستة اعمال قدمت من محافظات مختلفة للدعاية لحملة الانتخابات الرئاسية منها فرق مطروح، بورسعيد، أسوان، الواحات، السويس، والأقصر. مراكب النيل والحناطير تطلق مراسم تسليم الشعلة امتدت الاحتفالات لتشمل استغلالا حقيقيا لجغرافيا المكان ومدينة الأقصر بالكامل، فقرر المخرج المسرحى خالد جلال أن يخرج الختام هذه المرة مختلف وغير تقليدى يحمل مذاق وروح المدينة التى تحويه، بدأت مراسم تسليم الشعلة يوم الختام منذ الساعة الرابعة ظهرا بشوارع المدينة، واستعاد كورنيش الاقصر ذكرياته من خلال تجسيد احد مشاهد السينما فقدمت مجموعة من عربات الحنطور المشهد الشهير لاغنية «الاقصر بلدنا» من فيلم «غرام فى الكرنك» ولفت الانظار التفاصيل التى تمت استعارتها من المشهد الاصلى كان منها الاداء الحركى والملابس والاصابة فى ذراع المطرب الكبير صاحب الاغنية محمد العزبى، بعدها نزل الضيوف والمدعوين إلى المراكب وشهدوا مسيرة بنهر النيل بالمراكب التى استبدلت اشرعتها التقليدية باعلام الدول العربية وارتدى من عليها الملابس التراثية لكل دولة، وشهدت هذه المسيرة مجموعة من الاغانى الحماسية الوطنية كان منها وقف الخلق، الوطن الاكبر، بالاحضان، يا اغلى اسم فى الوجود، وبلدى احببتك، وقدم الراقصون على مراكبهم رقصات متنوعة على هذه الأعمال الغنائية، وفى مساء هذا اليوم الختامى الكبير شهد معبد الكرنك مراسم تسليم الشعلة لدولة المغرب قبل بدء حفل الفنان محمد منير، حيث القت الدكتورة ايناس عبد الدايم كلمتها التى اكدت بها.. ان شعلة الثقافة العربية ولدت فى مصر مع انطلاق الفكرة عام 1969 وطافت العديد من البلدان العربية الى ان عادت لارض مصر مرة اخرى عام 2017 واضافت انه منذ وصول الشعلة الى بلاد طيبة فى شهر مارس الماضى باتت الأقصر منارة ثقافية حيث تم تنظيم 100 فعالية تنوعت مابين الفن التشكيلى والشعر والمسرح والأدب انصهرت خلالها الثقافات العربية فى بوتقة واحدة واختتمت كلمتها مؤكدة ان انتقال الشعلة من أمام معبد الكرنك الى وجدة أقصى مدن المغرب يضيف بعداً جديداً للثقافة العربية، بعدها تمت مراسم تسليم شعلة الثقافة العربية فى مشهد رمزى حيث ظهرت على خشبة المسرح فتاة ترتدى الزى الفرعونى لتسلم الشعلة الى نظيرتها بالزى التقليدى المغربى معلنة انتقالها الى مدينة وجدة المغربية لتواصل رحلتها فى ارجاء الوطن العربى، فى حضور وزير الثقافة المغربى محمد الاعرج ومحمد بدر محافظ الاقصر وسعود هلال الحربى مدير منظمة الالسكو وحشد من السفراء والوزراء العرب والافارقة والشخصيات العامة منهم وزير ثقافة جنوب السودان وسفراء المغرب، موريتانيا، اليمن، الكويت، تونس المستشارين الثقافيين الفلسطينى والاردنى ومن الفنانين الهام شاهين، هالة صدقى، كندة علوش، محمود حميدة، واحتشد معبد الكرنك بالجماهير الغفيرة استعدادا لاستقبال النجم محمد منير الذى قدم التحية لابطال الجيش والشرطة فور صعوده خشبة المسرح مؤكداً ان الحرب على الارهاب تحمى الثقافة من الفكر المتطرف وكان من نتائجها لقائنا فى مدينة الشمس وشكر الحضور من ابناء الاقصر وضيوفها وقال ان طيبة تعد اقدم مدينة فى العالم مشيراً الى ان الموسيقى لغة تجمع وتوحد الشعوب وابدى سعادته للمشاركة فى حفل ختام الفعاليات بعدها ارتفع صوته ليمتزج بسحر المكان وتغنى ب عروسة النيل، بلاد طيبة، على صوتك، الكون كله بيدور، قلبى مساكن شعبية، سو يا سو، شمندورة، يونس، تعالو نلضم اسامينا، الدنيا ريشة ف هوا، اشكى لمين ودعى المطربة المغربية سميرة القادرى لمشاركته فى اداء اغنيتى اه يالاللى، لما بدا يتثنى التى قالت تعيش مصر واختتم الاحتفال باداء السلام الوطنى الذى ردده معه الحضور، كما شاركت المطربة ريهام عبد الحكيم مع مجموعة من مطربى الموسيقى العربية بالأوبرا بحفل فنى ايضا بمعبد الكرنك قبل انطلاق فعاليات الختام بيوم، شاركتها الغناء المطربة سميرة القادرى من المغرب. «سلم نفسك» وفعاليات الختام لم تقتصر الاحتفالات عند عروض الفنون الشعبية وحفل محمد منير بل تنوع الاحتفال ليشمل عروض مسرح وفنا تشكيليا وندوة شعرية ضمت نخبة من شعراء المصريين والمغاربة فى قاعة الاحتفالات حتحور لتدور مباراة فى حب مصر والمغرب بين الشاعر الكبير احمد عبد المعطى حجازى «مصر» ، نبيل منصر - عزيز ازغاى - نسيمة الراوى «المغرب» وقدمها الدكتور حاتم ربيع أمين عام المجلس الاعلى للثقافة وتضمنت تجليات ابداعية للضيوف تخللها فقرات موسيقية لعازف العود المغربى رشيد البرومى، كما كان للمسرح حضور خاص ضمن هذه الفعاليات والذى بدأ بعرض «سلم نفسك» للمخرج خالد جلال وبطولة مجموعة من الدفعة الثالثة من استوديو ورشة مركز الإبداع الفنى وشهد العرض حضورا جماهيريا كبيرا بقصر ثقافة مدينة الأقصر كما رحب المحافظ محمد بدر بالعمل المسرحى وأكد على ضرورة استضافته للمرة الثانية بمحافظة الأقصر حتى يعرض بشكل موسع وتتاح فرصة مشاهدته لأهل المدينة بالكامل، ووجه دعوة للمخرج خالد جلال وفريقه بالحضور إلى محافظة الأقصر مرة أخرى لإعادة العرض ثم كرم المحافظ جلال وفريقه ومنح المخرج خالد جلال درع المحافظة ، جدير بالذكر أن عرض «سلم نفسك» شهد نجاحا جماهيريا كبيرا وعرضا على اوسع نطاق حيث حرص رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى على مشاهدته مع ولى العهد السعودي، يتناول العرض نقدا لأحوال المجتمع بشكل كوميدى موسيقى ساخر. «خريف» المغرب ان من الذكاء حرص وزارة الثقافة ايضا على استضافة العرض المغربى «خريف» للمخرجة اسماء الهورى وهو العرض الحائز على جائزة السلطان القاسمى بمهرجان الهيئة العربية للمسرح لعام 2017، ويعتبر من بين الأعمال العربية المميزة الذى قدم خلال مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبي، وكذلك ضمن فعاليات ايام قرطاج المسرحية، يتناول العرض قصة أو مونولوج حكى لإمرأة قهرتها الإصابة بمرض سرطان الثدي، وتروى ألمها وأوجاعها خاصة بعد أن تخلى عنها زوجها بسبب فقدها لصحتها وأنوثتها، اعتمد العرض على شكلين فى التناول الفنى التمثيل والحكى وآخر للتعبير الحركى وكأن الراقصة كانت لسان حال جسد الممثلة بالتعبير عن أوجاعها وآلمها بحركات فنية وأداء حركى موحى عما تشكو منه نظيرتها المتحدثة، لم يقتصر العمل فقط على الرواية بالكلام والتعبير الحركى بل امتد إلى استخدام رموز تنسج بها الممثلة قصتها حتى تكتمل الرواية فى غياب العناصر الأخرى، فلم يكن هناك حضور للرجل بالعرض بينما استخدمت سترته عوضا عنه، وكذلك لم تروى حكايتها وذكريتها معه بل اكتفت بعدد من القصاصات الصغيرة الملونة وكأنها كومة الذكريات الجميلة بينهما والتى ذهبت هباء مع ذهاب صحتها وانوثتها والقت بها على ارضية المسرح، لتخرج فى مشهد النهاية حاملة معها هذه القصاصات وتاركة سترته وحدها على كرسى صغير ففى نهاية العمل دخلت السيدة بدولابها أو إن شئت اعتباره تابوتها التى دفنت نفسها وذكرياتها داخله تاركة هذا الرجل وحيدا بعد أن خان ثقتها، برغم عمق وحساسية القضية التى تناولها العرض إلا أن الكلام المرسل والرواية على لسان الممثلة كان اضعف من الشكل الفنى أو الشق الحركى والموسيقى الذى اعتمد عليه العمل فى رواية أحداثه ، فكانت الموسيقى الحية للعازفين رشيد البارومى وأسامة بورواين أشد وأقوى أثرا على الجمهور من الكلام وكذلك التشكيل والتعبير الحركى بالأوضاع الجسدية التى اتخذتها الراقصة فحمل العرض صناعة فنية متقنة بالتعبير الحركى والسينوغرافيا والرموز الموحية التى حملت معانى أكثر وأشد حساسية فنية من تفاصيل خيانة زوجها لها فحكى القصة بتناثر قصاقيصها على المسرح وخروجها من دولاب صغير ثم دخولها فيه من جديد تحمل هذه القصاصات وهى تفاصيل حياتها وذكريتها التى قررت الاحتفاظ بها حتى النهاية كانت هذه المشاهد اقوى واعمق وأكثر تعبيرا عن مدى حزن وأسى هذه المرأة ، لكنه فى النهاية عمل مسرحى متكامل ومختلف تناول نسج هذه القضية وغزلها بمفردات فنية عالية شديدة العمق والحساسية بدءا من الموسيقى ونهاية بالتعبير الحركى فكان جديرا بتسلم شعلة الثقافة من مصر للمغرب بعام 2018، شارك فى بطولة العرض فريدة بوعزاوي، سليمة مومني، زينب الناجم، فاطمة الزهراء لهويتر، هند بنجبارة، هاجر كريكع، شيماء اجبيري، موسيقى رشيد البرومى، اضاءة رضا العبدلاوى، ملابس امينة البحراوى وتصوير اليس دوفور فيرونس.