مر الاقتصاد المصرى بعدة مراحل خلال السنوات الأخيرة كان آخرها خلال الفترة التى تلت الأزمة المالية العالمية عام 2008، والتى استطاع أن يصمد خلالها ويتجنب آثارها السلبية إلى حد كبير. فى عام 2009/2010 ارتفع معدل النمو الحقيقى للناتج المحلى الإجمالى إلى 5.2٪ بدلا من 4.7٪ خلال عام 2008/2009. وعلى صعيد مستوى الأسعار استقر معدل التضخم السنوى خلال شهر نوفمبر 2010 عند 10.2٪ مقارنة ب11٪ فى أكتوبر 2010. ولكن بالرغم من ارتفاع المؤشرات الاقتصادية إلا أن ذلك لم ينعكس على حياة المصريين ولم يكن هناك توزيع عادل لناتج التنمية على أنحاء الجمهورية: أكثر من ثلثى الموازنة العامة للدولة موجه للأجور والدعم وخدمة الدين، مما أثر على قدرة الدولة على الإنفاق على مشاريع البنية التحتية وتطوير الخدمات المقدمة إلى المواطنين مثل التعليم والخدمات الصحية. ولم تقم الدولة فى تلك الفترة بإجراءات حقيقية لضبط الانفاق وإعادة هيكلة منظومة الدعم والاجور خوفا من رد الفعل الشعبى فى ذلك الوقت فكان رغيف العيش المدعوم يتم إهداره وإلقاؤه للدواجن والماشية والوقود الذى يتم دعمه من الدولة يتم استهلاكه دون وعى. كما تضخم الجهاز الإدارى للدولة ليصل إلى ما يقرب من 7 ملايين موظف نتيجة لأسلوب توظيف غير رشيد. وكان الاثر الأكبر على الصناعة المصرية التى تدهورت نتيجة عدم وجود محفزات قوية لرأس المال المحلى والأجنبى أو خطة فعالة لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة. كما أدى تثبيت سعر صرف الجنيه المصرى بأعلى من قيمته الحقيقية، إلى إغلاق العديد من المصانع واتجه رجال الأعمال إلى الاستيراد لأنه اقل تكلفة من التصنيع والإنتاج، ومع الوقت أصبحت مصر دولة تستورد أكثر مما تصدر بثلاثة أضعاف. وتعرضت مصر لحالة من الإضراب السياسى والاجتماعى والأمني، الأمر الذى أثر بدوره على الأداء الاقتصادى. تباطأت مؤشرات النمو ليصل متوسط معدل النمو الاقتصادى الحقيقى المقيم بسعر السوق فى الفترة بين عامى 2011 و2014 إلى 3.2٪. ارتفع العجز المزمن فى الموازنة العامة بسبب زيادة النفقات العامة وانخفاض الإيرادات حيث ارتفعت فاتورة الدعم من 93.6 مليار جنيه بنهاية عام 2009/2010 إلى نحو 188 مليار جنيه خلال العام المالى 2013/2014. اتبعه زيادة كبيرة فى قيمة الاجور نتيجة العديد من المطالبات الفئوية.. وزيادة نسبة الدين العام المحلى إلى نسب غير مسبوقة، حيث بلغ خلال الثلاثة أعوام التى تلت ثورة يناير قيمة قدرها 534.7 مليار الجنيه وارتفع الدين العام الخارجى خلال نفس الفترة بنحو 11.7 مليار دولار. تم استنزاف الاحتياطى من النقد الأجنبى حيث تم استخدامه لدعم قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الاجنبية خوفا من ارتفاع أسعار السلع والخدمات فانخفض من 35.2 مليار دولار عام 2009/2010 إلى 14.9 مليار دولار فى عام 2012/2013. ارتفاع معدلات التضخم نتيجة السياسات النقدية غير الرشيدة التى تم اتباعها لفترات طويلة من الزمن فباستثناء عام 2011/2012 تراوح معدل التضخم بين 10 و12٪ سنويا خلال الفترة بين عامى 2008/2009 و2014/2015. تراجعت معدلات الاستثمار بنسبة 2.4٪ فى الفترة بين عامى 2011/2012 و2013/2014 بسبب تحول الاستثمارات الجديدة لوجهات أخرى، وخفض الاستثمارات القائمة خاصة الاجنبية نتيجة ارتفاع المخاطر المصاحبة للاستثمار فى عدد كبير من القطاعات الاقتصادية. خفض التصنيف الائتمانى لمصر من قبل مؤسسات التصنيف العالمية نظرا لحالة عدم الاستقرار الامنى والسياسى التى شهدتها البلاد خلال تلك الفترة. أيقنت الدولة المصرية بعد ثورة الثلاثين من يونيو أن اقتصادها لن يقوى على الصمود دون إجراء إصلاح شامل يقتلع الآفات والمشكلات المزمنة التى طالما عانى منها من جذورها. وكان عام 2014 بداية لمرحلة جديدة بدأت الحكومة المصرية خلالها تنفيذ أولى خطوات الاصلاح الرامى إلى تفعيل دور مصر الاقليمى واستعادة مكانتها على الساحة الدولية والاقليمية. أولا: تشدين مشروعات وطنية عملاقة تهدف الى تطوير البنية التحتية وخلق فرص العمل وجذب المزيد من الاستثمارات مثل مشروع تنمية محور قناة السويس، والمشروعات القومية للطرق والإسكان والاستزراع السمكى ومشروع المليون ونصف المليون فدان وغيرها من المشروعات. ثانيا: تطوير القطاع الصناعى من خلال عدة إجراءات كان منها: مبادرة البنك المركزى لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتى تهدف الى تحقيق انتشار أفقى فى المناطق المحورية، وتوفير مدخلات بسيطة فى مختلف مراحل العملية التصنيعية بما يوفر العملات الصعبة وينهض بالمناطق المهمشة والاكثر احتياجا. دعم مشروعات التنمية الصناعية والزراعية باعتبارهما جناحا التنمية الاقتصادية وإحدى دعائم الاقتصاد الحقيقى. انعكست خطة الاصلاح على عدد من المؤشرات الاقتصادية الكلية التى تقيس مدى استجابة الاقتصاد المصرى لتلك الاصلاحات ونجاحه فى التغلب على التحديات التى يواجهها ولعل من أبرزها: تحسن معدل النمو الحقيقى للناتج المحلى الاجمالى فى عام 2014/2015 ليصل إلى 4.4٪ عقب أربع سنوات من النمو الضعيف. بدأت الدولة تعظيم الايرادات العامة، من خلال إصلاح منظومة الضرائب واقرار قانون ضريبة القيمة المضافة الذى يهدف الى توسيع الشريحة الضريبية. وترشيد الانفاق الحكومى فتم اصدار قانون الخدمة المدنية والذى يهدف الى ضبط الاجور ونظام التعيين والترقى داخل الجهاز الادارى للدولة. ووضع خطة جادة وطموحة لاعادة هيكلة منظومة الدعم لتحقيق أقصى استفادة منه فمن المعروف أن النسبة الاكبر من الدعم تذهب الى غير المستحقين. وانعكست الاصلاحات على عدد من المؤشرات الاقتصادية الكلية ومنها: انخفاض عجز الموازنة العامة الى 11.5٪ من الناتج المحلى الاجمالى خلال العام المالى 2014/2015. كان ارتفاع إجمالى المصروفات بنسبة 16.6٪ بمثابة المحرك الرئيسى لرفع عجز الموازنة مرة أخرى خلال العام المالى 2015/2016 إلا أنه أخذ فى التراجع مرة أخرى بنسبة 1.9٪ خلال الربع الاول من عام 2017 مقابل 2.2٪ فى الربع المقابل من العام المالى الماضى. وبالتوازى مع خطة الاصلاح قامت الدولة بتنفيذ حزمة من إجراءات الحماية الاجتماعية: زيادة الدعم التموينى من 21 الى 50 جنيهاً للفرد. زيادة المعاشات بنسبة 15٪ بحد ادنى 150 بدلا من 130 جنيهاً شهريا. وقف العمل بضريبة الاطيان الزراعية لمدة ثلاث سنوات. اقرار خصم ضريبى تنازلى على الدخل لمدة عام يسمح للمواطنين أصحاب الدخل الاقل بخصم ضريبى أكبر يبدأ من 80٪ من الضريبة المستحقة. إنشاء برنامج تكافل وكرامة الذى يغطى نحو 1.73 مليون أسرة.
استكمالا لخطة الاصلاح الشامل ومعالجة المشكلات الاقتصادية بشكل فعال قرر البنك المركزى المصرى فى نوفمبر 2016 تحرير سعر صرف الجنيه المصرى، للتغلب على عدم الاستقرار والتذبذب التى عانت منها سوق الصرف الاجنبية فى مصر بسبب ازدواجية أسعار صرف العملات ووجود فجوة بين السعر الرسمى المعلن والسعر الذى يتم تداوله فى الاسواق مما أدى لارتفاع المخاطر وانتشار حالة من عدم التأكد لدى المستثمرين مما أثر بشكل سلبى على تدفقات الاستثمار الاجنبى المباشر. كما أدى اتباع نظم صرف غير مرنة لسنوات طويلة الى استنزاف احتياطيات مصر من النقد الاجنبى لدعمها قيمة الجنيه المصرى مقابل العملات الاجنبية ليصل إلى 15 مليار دولار بعد أن كان 35 مليار دولار فى 2011، فى حين أن القيمة العادلة كانت اقل بكثير من القيمة المعلنة مما أعطى العملة الوطنية قوة مزيفة لا أساس لها من الصحة وبالتالى انعكس ذلك على تدهور الاوضاع الاقتصادية فى مصر. وكنتيجة لذلك القرار ارتفع صافى الاحتياطات الدولية الى ما يزيد على 36 مليار دولار أمريكى بعد أن كان نحو 15.2 مليار دولار قبل قرار تحرير سعر الصرف وهو ما يعد أعلى احتياطى استطاعت مصر تأمينه على مدار تاريخها. وفى سبيل مواجهة ارتفاع معدل التضخم اتخذت الدولة عدداً من الاجراءات لكبح جماح التضخم وحماية المواطنين الاولى بالرعاية ومنها: قرار البنك المركزى فى مايو 2017 برفع سعر الفائدة 2٪ ثم رفعه مرة أخرى بنسبة 2٪ فى يوليو من نفس العام بهدف امتصاص فائض السيولة قصير الاجل، وتقليل المعروض النقدى وزيادة الشمول المالى والحد من ظاهرة الدولرة وبالتالى السيطرة على الأرقام القياسية لأسعار المستهلك وخفض معدل التضخم.
استهدفت خطة الاصلاح الاقتصادى والترشيد والاحلال محل الواردات وتشديد الرقابة الجمركية وزيادة التعريفة المعروضة على بعض المنتجات وتشجيع ودعم الصناعات المحلية المخصصة للتصدير. انعكس قرار تحرير سعر الصرف وسياسات تشجيع الصادرات وترشيد الواردات على مؤشرات التجارة الخارجية حيث حقق الميزان الكلى أعلى فائض له منذ ست سنوات وذلك بنحو 7 مليارت دولار خلال النصف الاول من العام المالى 2016/2017 وذلك نتيجة لنمو الصادرات السلعية بنسبة 14.4٪ بعد انخفاض استمر لمدة 3 سنوات متتالية.
نمو صافى الاستثمار الأجنبى المباشر بنسبة 38٪. تراجع العجز فى الميزان التجارى خلال الربع الاول من العام المالى الجارى 2017/2018 بمعدل 5٪ ليقتصر على نحو 8.9 مليار دولار مقابل 9.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالى السابق. انعكست الاصلاحات الاقتصادية على تحسن مناخ الاستثمار فى مصر، وجاء ذلك التحسن نتيجة لعدد من الاجراءات الحكومية الداعمة لجذب المزيد من الاستثمارات ومنها: حزمة الاصلاحات التشريعية والقانونية الجارى تنفيذها لهذا الغرض، والتى تشمل إنشاء المجلس الاعلى للاستثمار واصدار قانون الاستثمار الجديد وتعديل قانون سوق رأس المال وقانون الشركات وقانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص فى مشروعات البنية الاساسية. تعديل الاحكام المنظمة لإدارة البورصة المصرية واعداد مشروع قانون النقل البرى للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات. حيث شهدت تحسناً ملحوظاً فى معدل الاستثمار ليصل الى 15٪ فى عام 2015/2016 وحقق صافى تدفقات الاستثمار الاجنبى المباشر أعلى قيمة له منذ ست سنوات حيث بلغ نحو 6.93 مليار دولار بمعدل نمو بلغ 218٪ مقارنة بالعام المالى 2010/2011. نمو الاستثمارات الكلية خلال التسعة أشهر الاولى من العام المالى 2015/2016 بنسبة 13.7٪ حتى ديسمبر 2016 كانت الاستثمارات نحو 4.2 مليار دولار بزيادة 38٪ مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق. ارتفع صافى تدفقات الاستثمار الاجنبى المباشر لمصر خلال الربع الأخير من العام المالى 2016/2017 مسجلا 1.4 مليار دولار مقارنة ب1.1 مليار فى نفس الفترة من العام المالى السابق عليه.