تنتظر مصر والعالم كله طلوع شمس يوم الغد الأربعاء 3 أغسطس حيث ستجري ولأول مرة في تاريخ هذا البلد الممتد علي مدي أكثر من 7000 عام وقائع محاكمة حسني مبارك آخر فرعون حكم مصر بعد أن نجحت ثورة الجماهير في 25 يناير في تقويض دعائم حكمه البوليسي وإسقاط دولته الاستبدادية وإجباره علي ترك السلطة في 11 فبراير بعد مظاهرات واحتجاجات متصلة سقط خلالها أكثر من 840 شهيدا وأكثر من 6500 مصاب من خيرة شباب وبنات مصر. ورغم أنه ليس مؤكدا حتي كتابة هذه السطور حضور الرئيس المخلوع لجلسة المحاكمة الأولي وسعي محاميه لإقناع المحكمة بسوء حالته الصحية كمبرر لغيابه وعدم مثوله أمام المحكمة - إلا إن ما يهمنا التأكيد عليه أن المحاكمة العلنية العادلة للفرعون المخلوع حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ومعهم وزير الداخلية الأسبق اللواء الحبيب العادلي وكبار مساعديه أمام القضاء المصري هي أكبر دليل علي عظمة مصر الشعب والدولة.. وهي أيضًا تأكيد علي عظمة الدور الذي قام به قادة القوات المسلحة المصرية في الحفاظ علي مسار تلك الثورة العظيمة من الجنوح والشطط وسفك الدماء.. حيث كان من الممكن أن يتكرر في مصر ما جري في رومانيا عام 1989 بعد ثورة الشعب الروماني ضد الرئيس شاوشيسكو والذي كان نظام حكمه يطابق نظام حكم مبارك في أوجه كثيرة.. فهنا وهناك كان يوجد حاكم طاغية مستبد مكث في السلطة أكثر من 25 عامًا.. وهنا وهناك كانت توجد زوجة رئيس متسلطة تتدخل في عمل الحكومة واختيار الوزراء.. وكان يوجد أيضًا أبناء متسلطون استغلوا وضع والدهم كرئيس لصنع مكانة ونفوذ وثروة.. وهنا وهناك كان يوجد فساد وفقر وتسلط للأجهزة الأمنية والقمعية.. وكان من الطبيعي أن تتفاعل تلك العوامل معا.. فكانت ثورة الشعب الروماني ضد رئيسه شاوشيسكو.. وعجزت أجهزة الأمن هناك أمام جماهير الثورة عن قمعها.. فأصدر شاوشيسكو أوامره لقائد الجيش بإطلاق النار علي الجماهير الثائرة.. ولكن قائد الجيش رفض تنفيذ الأمر.. فأمر شاوشيسكو ضباطه بقتله لعصيانه الأوامر.. ولكن ضباط الجيش رفضوا تنفيذ أمر شاوشيسكو وانضموا إلي الشعب الثائر وقبضوا علي شاوشيسكو وزوجته آلينا وابنه نيكولاي وانتهي الأمر بمحاكمة سريعة لهم لم تستغرق وقتا.. ثم صدور حكم بإعدامهم جميعًا رميا بالرصاص.. وتم تنفيذ حكم الإعدام بمجرد صدوره. ولكن مصر العظيمة وجيشها الأبي لم يفعلوا مع مبارك وأسرته وعصابة حكمه ما فعله الشعب والجيش الروماني مع شاوشيسكو وأسرته وأركان نظامه.. وانتصرت في ضمير الشعب المصري وفي وجدان قادة قواته المسلحة قيم العدل والرقي الحضاري واحترام الدستور وأحكام القضاء حتي تجاه هذا الحاكم الطاغية مبارك الذي لم يوف بالقسم بالله العظيم علي احترام الدستور والقانون عندما أطلق أيدي مباحث أمن الدولة لترويع أطفال وزوجات المنتمين للتيارات الإسلامية بمهاجمة بيوتهم فجرا ومصادرة أموالهم وغلق شركاتهم وقطع مصادر أرزاقهم.. وعندما سمح الفرعون مبارك بوجود مجموعة إجرامية داخل مباحث أمن الدولة تسمي «القسم السياسي» كان موكل إليها الانتقام من معارضي النظام ومشروع التوريث وهي التي قامت بخطف الدكتور عبدالحليم قنديل وقتل زميلنا الكاتب الصحفي رضا هلال وتلفيق القضايا للدكتور أيمن نور.. ونحن لن ننسي كمواطنين أن الرئيس المخلوع هو الذي سمح ببيع شركات ومصانع القطاع العام بأبخس الأسعار وتسريح مئات الآلاف من العمال.. وسمح أيضًا ببيع الغاز المصري إلي إسرائيل بأسعار مدعمة للمواطن الإسرائيلي في الوقت الذي كان يعاني فيه المواطن المصري مشاكل في الحصول علي الغاز والبوتجاز.. ولن ننسي أبدا ما فعله مبارك عندما أحاط نظامه بقراصنة الأراضي وديناصورات البيزنس وبالمماليك والخدم من الصحفيين الذين كانوا يهاجمون كل معارض ويتوعدون صحفًا مستقلة ومحترمة بالإغلاق في عام 2012 أي بعد أن ينجح مخططهم بتوريث الحكم إلي جمال مبارك.. لقد عاشت مصر في ظل الفرعون مبارك وبطانة حكمه أزهي عصور الفساد والاستبداد والقهر.. وقد انتهي هذا العصر وللأبد.