ارتفاع أسعار الذهب اليوم الخميس 13 نوفمبر في بداية تعاملات البورصة العالمية    "عقبة رئيسية" تؤخر حسم مصير مقاتلي حماس المحتجزين في أنفاق رفح    ترامب: الشعب الأمريكي لن ينسى ما فعله الديمقراطيون    صدام وشيك بين الأهلي واتحاد الكرة بسبب عقوبات مباراة السوبر    السيطرة على حريق شقة سكنية في فيصل    مهرجان القاهرة السينمائي يتوهج بروح الإنسان المصري ويؤكد ريادة مصر الفنية    المهن التمثيلية تصدر بيانا شديد اللهجة بشأن الفنان محمد صبحي    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    عوض تاج الدين: الاستثمار في الرعاية الصحية أساسي لتطوير الإنسان والاقتصاد المصري    مصمم أزياء حفل افتتاح المتحف المصري الكبير: صُنعت في مصر من الألف للياء    مسلم يتحدث عن عودته ل «ليارا تامر» وأحدث أعماله الفنية في برنامج «نزار الفارس»    تراجع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في أسواق الشرقية الخميس 13-11-2025    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    مجلس النواب الأمريكي يقر مشروع قانون إنهاء الإغلاق الحكومي ويحوّله للرئيس ترامب للتوقيع    مؤتمر حاشد لدعم مرشحي القائمة الوطنية في انتخابات النواب بالقنطرة غرب الإسماعيلية (صور)    عباس شراقي: تجارب توربينات سد النهضة غير مكتملة    الولايات المتحدة تُنهي سك عملة "السنت" رسميًا بعد أكثر من قرنين من التداول    استخراج الشهادات بالمحافظات.. تسهيلات «التجنيد والتعبئة» تربط أصحاب الهمم بالوطن    فائدة تصل ل 21.25%.. تفاصيل أعلى شهادات البنك الأهلي المصري    أمطار تضرب بقوة هذه الأماكن.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    حبس المتهمين بسرقة معدات تصوير من شركة في عابدين    قانون يكرّس الدولة البوليسية .."الإجراءات الجنائية": تقنين القمع باسم العدالة وبدائل شكلية للحبس الاحتياطي    نجم الزمالك السابق: «لو مكان مرتجي هقول ل زيزو عيب».. وأيمن عبدالعزيز يرد: «ميقدرش يعمل كده»    مؤتمر المناخ COP30.. العالم يجتمع في قلب «الأمازون» لإنقاذ كوكب الأرض    احسب إجازاتك.. تعرف على موعد العطلات الدينية والرسمية في 2026    من «رأس الحكمة» إلى «علم الروم».. مصر قبلة الاستثمار    حبس المتهم بقتل زوجته فى المنوفية بسبب خلافات زوجية    إعلام: زيلينسكي وأجهزة مكافحة الفساد الأوكرانية على شفا الحرب    التفاف على توصيات الأمم المتحدة .. السيسي يصدّق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    القيادة المركزية الأمريكية: نفذنا 22 عملية أمنية ضد "داعش" طوال الشهر الماضي    فرصة مميزة للمعلمين 2025.. التقديم الآن علي اعتماد المراكز التدريبية لدى الأكاديمية المهنية    بدء نوة المكنسة بالإسكندرية.. أمطار متوسطة ورعدية تضرب عدة مناطق    قرارات جديدة بشأن مصرع وإصابة 7 في حادث منشأة القناطر    مرور الإسكندرية يواصل حملاته لضبط المخالفات بجميع أنحاء المحافظة    وزير المالية السابق: 2026 سيكون عام شعور المواطن باستقرار الأسعار والانخفاض التدريجي    بتروجت: اتفاق ثلاثي مع الزمالك وحمدان لانتقاله في يناير ولكن.. وحقيقة عرض الأهلي    أبو ريدة: سنخوض مباريات قوية في مارس استعدادا لكأس العالم    الإنتاج الحربي يلتقي أسوان في الجولة ال 12 بدوري المحترفين    انطلاق معسكر فيفا لحكام الدوري الممتاز بمشروع الهدف 15 نوفمبر    وزير الإسكان: بدء التسجيل عبر منصة "مصر العقارية" لطرح 25 ألف وحدة سكنية    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    المستشار بنداري: أشكر وسائل الإعلام على صدق تغطية انتخابات نواب 2025    الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسلة اقتحامات وعمليات نسف في الضفة الغربية وقطاع غزة    يقضي على ذاكرتك.. أهم أضرار استخدام الشاشات لفترات طويلة    عقار تجريبي جديد من نوفارتيس يُظهر فعالية واعدة ضد الملاريا    حيثيات حبس البلوجر «سوزي الأردنية»: «الحرية لا تعني الانفلات»    تعرف على ملاعب يورو 2028 بعد إعلان اللجنة المنظمة رسميا    محمود فوزي ل"من مصر": قانون الإجراءات الجنائية زوّد بدائل الحبس الاحتياطي    تأكيد لليوم السابع.. اتحاد الكرة يعلن حرية انتقال اللاعبين الهواة بدون قيود    «يتميز بالانضباط التكتيكي».. نجم الأهلي السابق يتغنى ب طاهر محمد طاهر    النيابة العامة تخصص جزء من رسوم خدماتها الرقمية لصالح مستشفى سرطان الأطفال    إذا قالت صدقت.. كيف تتمسك مصر بملفات أمنها القومي وحماية استقرار المنطقة؟.. من سرت والجفرة خط أحمر إلى إفشال محاولات تفكيك السودان وتهجير أهالي غزة .. دور القاهرة حاسم في ضبط التوازنات الإقليمية    قد يؤدي إلى العمى.. أعراض وأسباب التراكوما بعد القضاء على المرض في مصر    مقرمش جدا من بره.. أفضل طريقة لقلي السمك بدون نقطة زيت    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة الآن 5
سنوات المخاض
نشر في الأهرام المسائي يوم 13 - 05 - 2011

إلي شهداء ثورة‏25‏ يناير‏2011‏ إلي أبطال السويس‏,‏المدينة التي حافظت علي شعلة الثورة حتي جمعة الغضب‏.‏ إلي عبد الوهاب المسيري‏,‏ وجمال حمدان‏,‏ ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس‏,‏ ومحمد عفيفي مطر‏,‏ ومحيي الدين اللباد‏,‏ وفاروق عبد القادر‏,‏ ومحمد عودة ومحمد السيد سعيد‏,‏ وغيرهم ممن انتظروا طويلا هذه الولادة الجديدة لمصر‏.‏ إلي الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي بدأ مقاتلا وانتهي قاتلا‏.‏ لولا عنادك‏,‏ وانتهاجك سياسة الملل لفقدت الثورة كثيرا من روعتها‏.‏
كان مبارك يخونه ذكاء معاوية‏,‏ فيحول بين الناس وبين ألسنتهم‏.‏ طارد عبد الحليم قنديل من صحيفة لصحيفة‏,‏ في مصر والعالم العربي‏.‏ ولم يحتمل مبارك أن يقول له المواطن المصري علي مختار الق‏5‏طان اتق الله ياريس‏,‏وكان الظالم والمظلوم بين يدي الله عام‏1992,‏ في بيت الله الحرام‏,‏ يؤديان شعائر العمرة‏,‏والمصادفة جاءت بالرئيس أمام الرجل‏,‏ إذ لاحظ حرسا شدادا‏,‏ وإجراءات غير مألوفة‏,‏ فتأكد له أن شخصية سيادية في الحرم‏,‏ ودفعه الفضول لرؤية هذا السيد‏,‏ وفوجيء بمبارك‏..‏ ظل الرجل وراء الشمس‏,‏ علي الرغم من حصوله علي أكثر من‏50‏ قرار إفراج من القضاء‏,‏ ولكن وزارة الداخلية رفضت بحجة خطورة الرجل علي الأمن العام‏,‏ وأن جهة سيادية تريده معتقلا‏.‏
في السنوات ماقبل الأخيرة‏,‏ كان اللافت أن يوجه مظلومون وأصحاب حقوق‏,‏ نداءات واستغاثات في صورة إعلانات مدفوعة في الصحف‏,‏ الي الرئيس الدستوري مبارك‏,‏ لتنفيذ حكم قضائي‏,‏ وفي السنوات الأخيرة‏,‏ كانت النداءات والاستغاثات تتجه إلي الرئيس الفعلي جمال مبارك‏,‏ وفي كلتا الحالتين يتأكد أن العدالة لم تعد تكفي هناك يد أقوي‏,‏ لديها القدرة علي وقف تنفيذ أحكام لم تعد عنوان الحقيقة‏.‏ وكان علي الرئيس المنتظر أن يتزوج‏,‏ استكمالا للإطار الرئاسي الشكلي‏.‏
وانتشرت قصيدة‏(‏ عريس الدولة‏)‏ لأحمد فؤاد نجم‏,‏ حين كتبها بمناسبة عقد قران جمال علي خديجة الجمال في ابريل‏2007,‏ تمهيدا للزفاف يوم‏2007/5/4‏ في عيد الميلاد رقم‏79‏ للأب البركة‏:‏
مبروك ياعريسنا
يا ابو شنة ورنة
يا واخدنا وراثة
اطلب وتمني
واخرج من جنة
وادخل علي جنة
مش فارقة معانا
ولاهارية بدنا
ياعريس الدولة
افرح وتهني
ما احنش كارهينك
لكن هارشينك
ح تكمل دينك
وتطلع دينا‏.‏
في عام‏2004,‏ صدر لحسنين كشك كتاب‏(‏ إفقار الفلاحين‏..‏الآليات وسبل المواجهة‏),‏ وفيه رصد للتكيف مع الفقر‏,‏ ووسائل الإفقار باستخدام القهر البوليسي والقضائي والديني‏(‏ الرسمي والإخواني معا‏)‏ حتي بلغ عدد من هم تحت خط الفقر‏13,67‏ مليون فرد في تقديرات عامي‏1995‏ و‏1996.‏ وكان طبيعيا أن يشهد عام‏2005‏ احتجاجات سلمية غير محدودة‏,‏ لأسباب اقتصادية وسياسية‏:‏ انتفاضة القضاة‏,‏مظاهرات صامتة في وقت واحد أمام المحاكم في‏14‏ مدينة‏.‏
حشد من نساء متشحات بملابس الحداد يتظاهرن علي سلم نقابة الصحفيين بالقاهرة‏.‏
مظاهرات للفلاحين اعتدي فيها علي حمدين صباحي‏.‏
المثقف والسلطة‏97‏
وفي عام‏1997‏ اعتقل عز الدين نجيب‏,‏ بتهمة طبع منشورات تحرض الفلاحين علي معارضة قانون العلاقة بين المالك والمستأجر للأراضي الزراعية‏,‏ تجربة اعتقال قصيرة أخري‏,22‏ يوما زادته صلابة ولوحات وكتاب‏(‏ موسم السجن والأزهار‏..‏ المثقف والسلطة‏97).‏ ثم قابلته في ميدان التحرير‏,‏ بصحبة ابنته‏,‏ بعد أيام من بدء ثورة‏25‏ يناير‏,‏ وكان صخب إذاعات الميدان عاليا‏,‏ ونسيت أن أقول له إن شيئا لا يذهب أبدا مع الريح‏,‏ بل ينتظر اللحظة المناسبة للخروج‏.‏
يسجل ريتشارد ترومكا رئيس اتحاد العمال الأمريكي‏(‏ تجمع الصناعات الأمريكية‏)‏ في مقدمة كتاب‏(‏ النضال من أجل حقوق العمال في مصر‏)‏ أن مصر لعبت دورا مهما في تاريخ العمال‏,‏ إذ كان الاعتصام الذي قام به بناة الأهرام لمدة ثلاثة أيام‏..‏ من أجل التظلم من الأجور هو أول إضراب موثق عرفه العالم‏,‏ ويقول الكتاب الذي أعده مركز التضامن العمالي الدولي‏:‏ إن أكثر من‏1,7‏ مليون عامل شاركوا في أكثر من‏1900‏ إضراب واحتجاج بين عامي‏2004‏ و‏2008,‏ تأتي موجة الاحتجاجات الراهنة من أكبر حركة اجتماعية شهدتها مصر منذ أكثر من نصف قرن تقريبا‏.‏
هذا الطوفان من الاحتجاجات‏,‏ في الشركات والمصانع‏,‏ والهيئات الحكومية‏,‏ وأمام مجلس الوزراء والبرلمان‏,‏ كان وقودا لثورة مستحقة‏,‏ وكان نجاح ثورة تونس في خلع البن علي يوم‏2011/1/14,‏ بعد‏28‏ يوما‏,‏ شرارة أوقدت روح الثقة فينا‏,‏ قلنا إن آخرين عملوها ونفعت‏,‏ ونحن أقدر علي إنجاح ثورة مصرية‏,‏ بخسائر أقل‏,‏ وفي وقت أقصر‏.‏
صورة المسيري
يبقي من كل إنسان صورة‏.‏ جيفارا بالبيريه‏,‏ أم كلثوم بمنديلها‏,‏ والمنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير‏(‏ كفاية‏)‏ عبد الوهاب المسيري حين دفعه جنود الشرطة‏,‏ في مارس‏2007,‏ وكاد يقع ويصاب‏,‏ لولا أن أحاط به المتظاهرون‏.‏ ثم قاد المسيري في يناير‏2008‏ مظاهرة أخري‏,‏ فحملوه مع كثيرين في سيارة مصفحة‏,‏ ثم تركوهم في الصحراء‏.‏ لم أكن حاضرا‏,‏ وسألته فضحك قائلا إن هذه طريقة‏,‏ مصرية خالصة‏,‏ في تفريق المظاهرات‏.‏ وكان قد دعاني ذات ليلة رمضانية‏,‏ في خريف‏2006,‏ وكنت أعرف بيته وأتردد عليه‏,‏ وفي هذه المرة قابلني عمار علي حسن في أول الشارع‏,‏ كان مدعوا لأول مرة‏.‏ ظننته سيشارك في موسوعة‏(‏ اليهود والصهيونية وإسرائيل‏),‏ وكان المسيري أخبرني بالشروع فيها‏,‏ بالتعاون مع باحثين مصريين وفلسطينيين‏,‏ وقد استهلكت السهرة في نقاش عن سحابة التوريث التي لا تغادر سماء مصر‏.‏ ومستقبل البلاد في ظل سيناريوهات نري ترتيبات خاصة بأحدها‏,‏ علي الرغم من انكار سدنة النظام أو تجاهلهم‏.‏
ولكن النظام الاسفنجي المصري تمكن من امتصاص هذا الغضب‏,‏ وخيل له انه استوعبه‏,‏ وحين أقدم البعض علي الانتحار‏,‏ علي طريقة محمد البوعزيزي‏,‏ سخر المسئولون‏,‏ وجندوا الدين في خدمة الفساد السياسي‏,‏ وقالوا نحن لسنا تونس‏.‏ كان البوعزيزي صادقا‏,‏ هو يقدم جسده قربانا لميلاد لم يشهده‏,‏ كان يائسا‏,‏ ولم يظن أن جسده النحيل سيكون ثقبا يستنزف روح النظام البوليسي‏,‏ ويقضي عليه‏.‏ أما الذين قلدوه من المصريين‏,‏ خلال أيام سبقت قيام ثورة‏25‏ يناير‏,‏ فكانوا يراهنون علي أمل أن يروا حصاد القربان‏,‏ ولم يتأخر الرهان كثيرا‏.‏
يجب أن يحاكم لا أن يحكم
مات فاروق عبد القادر‏2009‏ هو يحلم‏.‏ لم يفقد الأمل في الغد‏,‏ علي الرغم من تواري الأمل في كتاباته‏,‏ وبخاصة كتابه‏(‏ غروب شمس الحلم‏),‏ كثيرا ماكان يقول في جلسته الأسبوعية علي قهوة سوق الحميدية‏:‏ أنا متفائل تاريخي‏.‏ كنا نحن الأحدث سنا نتعجل النتائج‏,‏ ونريد ثمرة سريعة‏.‏ سألت حسن نافعة‏,‏ وكنا في مطار القاهرة في مارس‏2009,‏ هل يري أملا‏,‏ فما أكثر الكتب والمقالات والمظاهرات والاحتجاجات‏,‏ ولا شيء يتغير‏,‏ والنظام الحاكم فاجر وفاقد الإحساس‏,‏ فقال‏:‏ يجب ألا نشعر باليأس‏,‏ علي من ييأس أن يلزم بيته‏.‏ ولم أكن أعرف مصدر ثقة عبد الحليم قنديل‏,‏ وهو يردد‏:‏ نظام مبارك يجب أن يحاكم لا أن يحكم‏.‏
وكان محمد طعيمة يتراوح أملا ويأسا‏,‏ وسيظل كتابه‏(‏ جمهوركية آل مبارك‏),‏ بالمقدمة الثابتة التي كتبها صنع الله ابراهيم لطبعاته المتوالية‏,‏ سجلا تاريخيا لصعود جمال مبارك‏.(‏ الجمهوركية‏)‏ نحت لغوي مبتكر‏,‏ يجمع الجمهورية والملكية معا‏,‏ ويؤكد اختلاط المفاهيم والمصطلحات‏,‏ وتحول الجمهورية إلي حكم ملكي يتوارثه الأبناء‏.‏ في عام‏2009,‏ أهداني الطبعة الثالثة‏,‏ وقد حملت عنوانا فرعيا هو‏(‏ صعود سيناريو التوريث‏),‏ وأورد فيه قول باحثة أمريكية إن مبارك يواصل إعداد جمال رغم استياء جنرالاته‏,‏ ولكنه في الطبعة الخامسة‏(‏ نهاية‏2010)‏ حذف العنوان الفرعي‏,‏ وتفاءلت‏.‏ كان سؤالي الأول‏,‏ وربما الوحيد‏,‏ حين زارني حاملا الطبعة الجديدة‏:‏
مشروع توريث الولد انتهي؟
فأجاب بالإيجاب‏:‏
الجيش مصر علي الرفض‏!‏
قلت لنفسي‏:‏ الجيش؟ متي يخلصنا منه‏,‏ فيريح ونستريح‏.‏
لم يكن هناك رهان قريب علي الشعب‏,‏ وهذا يوجب الاعتذار‏.‏
كنا متفائلين‏,‏ أما اليائسون فهم أعمدة النظام وإن انتموا إلي المعارضة‏.‏ كان رئيس حزب الأمة أحمد الصباحي في نحو التسعين‏,‏ وترشح لانتخابات الرئاسة عام‏2005‏ وقبض المنحة المخصصة للمرشح رئيسا‏..‏ لم يخف الصباحي المرشح للرئاسة‏,‏ أنه سيختار الرئيس مبارك‏.‏ وفي نهاية‏2010,‏ قال رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي في مقابلة مع مصطفي عبادة في مجلة‏(‏ الأهرام العربي‏)‏ كلاما يدعو لليأس‏,‏ يكفي أن نقرأ العنوان تداول السلطة وهم‏.‏
قبل قيام الثورة بأسبوع‏,‏ بدأت تجارب إطلاق الشرارة‏,‏ ولمس السلك العاري‏,‏ ففي يوم‏17‏ يناير‏,‏ بعد شهر من محاولة محمد البوعزيزي‏,‏ حاول رجل حرق نفسه أمام مجلس الشعب‏,‏ وفي اليوم التالي تجاوزت المحاولة حدود الرمز إلي الفعل‏,‏ إذ توفي رجل في الإسكندرية مصابا بحروقه‏,‏ بعد أن أشعل النار في نفسه‏,‏ اعتراضا علي بطالته‏,‏ وفي اليوم نفسه حاول محام إشعال النار في نفسه أمام مجلس الوزراء بالقاهرة‏,‏ وفي الأيام التالية تكررت المحاولات التي سخر منها رجال مبارك‏.‏
كان المشهد قبيل‏2011/1/25‏ يشي بحدوث عمل غامض‏,‏ تحول عاصف يغير وجه البلاد‏,‏ أي شيء إلا ثورة بمثل هذه الروعة‏.‏ قال لي مصطفي عبادة إن خطة جمال‏,‏ في الشهور الأولي من عام‏2011,‏ بالتعاون مع رجاله في وسائل الإعلام‏,‏ هي التركيز علي إخفاق سياسات حسني مبارك‏,‏ طوال السنوات العشر الماضية‏,‏ وسيكون هذا السيناريو تمهيدا للمناداة بجمال‏,‏ وجها قادرا علي إصلاح ما أفسده أبوه‏.‏ في الأيام الفاصلة‏,‏ بين نجاح الثورة التونسية‏14‏ يناير وانطلاق الثورة المصرية‏25‏ يناير‏,‏ قال لي مصطفي‏:‏ سنثور بعد السعوديين بمئتي عام‏!‏
فيسبوك
في هذا الكتاب‏,‏ سأعتمد علي موقع التواصل الاجتماعي‏(‏ فيسبوك‏),‏ سأنقل ما كتبته موثقا ومؤرخا في صفحتي‏,‏ فلا يصح ادعاء البطولة بأثر رجعي‏,‏ وكثيرا ما حاول أدعياء أن ينسفوا تاريخهم‏.‏ وبعد خلع مبارك‏,‏ لم أكتب عنه كلمة‏,‏ في حين سارع إلي سبابه كثير ممن لعقوا ما سقط من مائدته‏,‏ مثل مريض يفحش بميت‏.‏ سأعيد تسجيل عبارات سجلتها بالعامية المصرية‏,‏ تمثلني وقت كتابتها‏,‏ في أيام الثورة‏,‏ وتحمل أشواقي ومخاوفي‏.‏
إلي الفيسبوك يعود الفضل في هذا الكتاب‏.‏ منذ انطلاق الثورة‏,‏ حتي نجاحها‏,‏ لم أكتب شيئا‏,‏ وكدت أنسي كثيرا من التفاصيل‏,‏ أو أربطها بسياقها التاريخي‏(‏ اليومي‏),‏ ولكن العودة إلي تعليقات وإشارات سجلتها آنذاك ساعدتني كثيرا في عملية التذكر‏,‏ واستدعاء أشياء ما ظننت أنني سأتذكرها‏,‏ فلتحيا التكنولوجيا‏,‏ وإرادة الإنسان التي هي من إرادة خالقه‏.‏
السبت‏15‏ يناير‏:‏ كتبت في صحفتي‏,‏ تعليقا علي كلمة بن علي‏:‏
فهمتكم‏:‏ كلمة يقولها الغزاة‏,‏ حين يعجزون عن مواجهة الثورة‏.‏ قالها ديجول عام‏1962,‏ حين سلم بوجود دولة اسمها الجزائر‏.‏ وقالها المخلوع بن علي حين أيقن بوجود شعب تونسي‏.‏
السبت‏22‏ يناير‏.‏ كتبت في صفحتي‏:‏
من دون مقدمات ولا ترتيب‏,‏ قطعت اليوم شارع محمد علي‏,‏ وصولا إلي جامع السلطان حسن‏,‏ ثم جامع الرفاعي‏.‏ وقفت أمام قبر الشاه‏,‏ ثم قبور فاروق وأبيه الملك فؤاد وجدته‏.‏
تذكرت مبارك‏..‏ سبحان من له الدوام‏.‏ وكنت قد خرجت من محطة مترو العتبة‏,‏ وبدلا من الذهاب إلي العمل‏,‏ ذهبت لتأمل فلسفة التاريخ ومكره‏,‏ وقرأت الفاتحة لهم‏,‏ هم موتي ونحن ضعاف أمام العظام والرميم‏.‏
الثلاثاء‏25‏ يناير‏.‏ كتبت في صفحتي‏:‏
في دولة هي الأقدم‏,‏ ونظام إداري عمره‏4600‏ سنة‏,‏ يصبح النظام السياسي اسفنجيا‏,‏ يمتص المظاهرات والاحتجاجات‏,‏بدليل أحداث‏1977‏ و‏1986.‏ لدي إقتراح أن يجمع العقلاء‏10‏ ملايين توقيع مثلا مثلا‏,‏ يتعهدون فيها للرئيس بخروج آمن‏,‏ خروج من السطلة لا من البلد‏,‏ خروج لا تتبعه ملاحقة قضائية ولا نكت‏..‏ في فترة حياته علي الأقل‏.‏ حل سهل لعله يخرجنا من هذا المأزق‏.‏
أعترف أنني لم أكن حسن الظن‏,‏ علي نحو كاف‏,‏ بقدرات الشعب المصري‏,‏ المارد الذي ثار‏,‏ لذا وجب الاعتذار‏!‏


إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.