اليوم.. فتح باب تقليل الاغتراب لطلاب الثانوية العامة    الوادي الجديد تختتم أنشطة المبادرة الوطنية لتمكين الفتيات "دوّي"    قرار جمهوري بإنشاء حساب المشروعات ب10 ملايين يورو مع البنك الأوروبي.. تفاصيل    ارتفاع الجمبري.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    ارتفاع الأسمنت.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    "بالم هيلز" تستهدف إطلاق مشروعها الجديد في أبو ظبي بمبيعات متوقعة 300 مليار جنيه    إجراء 3 قرعات علنية للتسكين بأراضي توفيق الأوضاع بالعبور الجديدة.. الإثنين المقبل    بالفيديو.. "الغرف التجارية" تكشف خطة الحكومة لتخفيض الأسعار    قانون الإيجار القديم 2025.. إخلاء الوحدات بالتراضى أصبح ممكنًا بشروط    رئيس هيئة الدواء المصرية يبحث مع سفير ناميبيا لدى مصر تعزيز التعاون فى قطاع الدواء    "عربية النواب" تدين تصريحات نتنياهو عن "إسرائيل الكبرى" وتثمن الموقف المصري    100 منظمة دولية: إسرائيل رفضت طلباتنا لإدخال المساعدات إلى غزة    زوجة "بيليه فلسطين" توجه نداءً عاجلاً إلى محمد صلاح    اليونان تشهد تحسنا طفيفا في حرائق الغابات.. وحريق خيوس لا يزال الخطر الأكبر    الاحتلال يطرح 6 عطاءات لبناء نحو 4 آلاف وحدة استعمارية في سلفيت والقدس    الموعد والقناة الناقلة لمباراة مصر وإسبانيا في بطولة العالم لكرة اليد للشباب    ريبيرو يستقر على بديل ياسر إبراهيم أمام فاركو    خوان جارسيا: لم أتردد لحظة في التوقيع لبرشلونة    موعد مباراة منتخب مصر وإثيوبيا فى تصفيات أفريقيا المؤهلة لمونديال 26    فراعنة اليد في مواجهة نارية أمام إسبانيا بربع نهائي مونديال للشباب    إغلاق حركة الملاحة النهرية بأسوان وأبو سمبل بسبب تقلبات الطقس    "بعد فيديو ال 3 سيارات".. التحقيق مع المتهمين بمطاردة فتاتين بطريق الواحات    خلافات أسرية بين زوجين وسلاح مرخّص.. "الداخلية" تكشف حقيقة فيديو الاعتداء على سيدة بالإسكندرية    اليوم.. جنايات القاهرة تنظر محاكمة عاطلين لحيازتهما الآيس بالوايلي    انطلاق امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة السبت المقبل    النيابة تحقق فى مطاردة 3 طلاب سيارة فتيات بطريق الواحات    فيديو.. أحمد سلامة ينتقد تصريحات بدرية طلبة الأخيرة: النقابة بتعرف تاخد أوي حق الممثل والعضو    غدا.. المركز القومي للسينما يعرض أربعة أفلام في احتفاله بوفاء النيل    تطورات الحالة الصحية ل«أنغام»    غدًا .. انطلاق أولى فعاليات مهرجان القلعة فى دورته الجديدة    بعد تعرضها لحادث سير.. ليلى علوي تتصدر تريند "جوجل"    خالد الجندي: حببوا الشباب في صلاة الجمعة وهذه الآية رسالة لكل شيخ وداعية    تقرير دولي يشيد بخطوات مصر في صناعة الدواء.. والصحة تعلّق    تبلغ ذروتها اليوم.. 8 نصائح مهمة من الصحة لتفادي مضاعفات الموجة الحارة    «100 يوم صحة» تُقدم 45 مليونًا و470 ألف خدمة طبية مجانية في 29 يومًا    بسبب أمم أفريقيا.. الأهلي السعودي يسعى للتعاقد مع حارس مرمى جديد    إعلام عبري: الجدول الزمني بشأن خطة العمليات في غزة لا يلبي توقعات نتنياهو    بالأسماء.. حركة محلية جديدة تتضمن 12 قيادة في 10 محافظات    مواعيد مباريات الخميس 14 أغسطس 2025.. 4 مواجهات بالدوري ومنتخب السلة واليد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 14 أغسطس 2025    أدعية مستجابة للأحبة وقت الفجر    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    شقيقة زعيم كوريا الشمالية تنفي إزالة مكبرات الصوت على الحدود وتنتقد آمال سيول باستئناف الحوار    ياسين السقا يروي كواليس لقائه الأول مع محمد صلاح وأول تواصل بينهم    طريقة عمل مكرونة بالبشاميل، لسفرة غداء مميزة    ناهد السباعي عن انتهاء تصوير «السادة الأفاضل»: زعلانة    في ميزان حسنات الدكتور علي المصيلحي    الأحزاب السياسية تواصل استعداداتها لانتخابات «النواب» خلال أسابيع    الصين تفتتح أول مستشفى بالذكاء الاصطناعي.. هل سينتهي دور الأطباء؟ (جمال شعبان يجيب)    أصيب بغيبوبة سكر.. وفاة شخص أثناء رقصه داخل حفل زفاف عروسين في قنا    كمال درويش: لست الرئيس الأفضل في تاريخ الزمالك.. وكنت أول متخصص يقود النادي    تحذير بسبب إهمال صحتك.. حظ برج الدلو اليوم 14 أغسطس    المركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي للعمل الإنساني تحت شعار "صوت الإنسانية"    البحيرة: ضبط المتهمين بقتل شخصين أخذا بالثأر في الدلنجات    الجامعة البريطانية في مصر تستقبل الملحق الثقافي والأكاديمي بالسفارة الليبية لتعزيز التعاون المشترك    تداول طلب منسوب ل برلمانية بقنا بترخيص ملهى ليلي.. والنائبة تنفي    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة الآن ( 4‏)
الطريق إلي‏25‏ يناير‏..‏اعتذار لكل مصري
نشر في الأهرام المسائي يوم 12 - 05 - 2011

إلي شهداء ثورة‏25‏ يناير‏2011‏ إلي أبطال السويس‏,‏المدينة التي حافظت علي شعلة الثورة حتي جمعة الغضب‏.‏ إلي عبد الوهاب المسيري‏,‏ وجمال حمدان‏,‏ ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس‏,‏ ومحمد عفيفي مطر‏,‏ ومحيي الدين اللباد‏,‏ وفاروق عبد القادر‏,‏ ومحمد عودة ومحمد السيد سعيد‏,‏ وغيرهم ممن انتظروا طويلا هذه الولادة الجديدة لمصر‏.‏
إلي الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي بدأ مقاتلا وانتهي قاتلا‏.‏ لولا عنادك‏,‏ وانتهاجك سياسة الملل لفقدت الثورة كثيرا من روعتها‏.‏ يوم‏2010/12/17,‏أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه‏.‏
كانت شرطية تونسية يقال لها فادية حمدي قد أستأسدت عليه‏,‏ وقيل إنها صفعته في الشارع‏,‏ وصادرت عربة خضار لا يملك غيرها‏,‏ وعليها بعض الموز والفلفل‏.‏
صفعة لم تكن الأولي للبوليس‏,‏ ولكنها ربما كانت الأخيرة لأحرار حمل الشاب من غير قصد لواءهم‏,‏ وأعلنوا أنهم سيعيشون بكرامة‏,‏ أو ينتحرون‏.‏
لم يتابع أحد هذيان الشاب‏,‏ أو لجوءه الي بناية رسمية‏,‏ قبل أن يفعلها‏.‏ مشاهد مسروقة لو أتيح لأحد أن يسجلها لكان له ملء الأرض ذهبا‏.‏
هل سب البوعزيزي البلاد ومن عليها؟ أم أنه خص بالسباب ذلك الشخص وحده؟ ألم يكن في الشرفات المطلة‏,‏ أو السيارات المتهادية‏,‏ أحد يعبث بتليفونه مصادفة‏,‏ والتقط ذلك المشهد؟ طار الشاب بجناحيه‏,‏ وصرخ‏,‏ ومالبث الأذان بالثورة أن ردده ملايين التواقين الي الحرية‏.‏
قفز الشاب في غير ماء‏,‏ وجعلت له الأرض بحرا تتصادي أمواجه شرقا وغربا‏,‏فتتصدع عروش الطغاة‏.‏
ظل الشاب بالمستشفي سجين جسده وسريره‏,‏ لكن روحه حلقت وطافت سماء البلاد‏,‏ من أقصاها لأقصاها‏,‏ علي مدي‏28‏ يوما مصحوبة بشعلة نار اكتسبت قدسية من روح طاردت دكتاتورية زين العابدين بن علي‏,‏ وكان القدر علي موعد مع نور أحال تونس الي نار موقدة أبت إلا أن تطهر البلاد من احتلال محلي‏.‏
لم يجد بن علي يوم‏2011/1/14,‏ إلا الفرار‏,‏ حاملا عاره معه‏,‏ وطافت طائرته في سماء ضاقت عليه بما رحبت وأدار له أصدقاء الأمس ظهورهم‏,‏ مامن أحد يريد أن يقاسمه الخطيئة‏,‏ حتي هبطت طائرته في جدة في حين ارتفعت صورة الشهيد واسمه في الشوارع والساحات‏.‏
سنوات الكفاح
يحلو للبعض القول إن نجاح الثورة التونسية‏,‏ شجع مصر علي الثورة يوم‏25‏ يناير‏.‏
النجاح التونسي كان إلهاما‏,‏ هذا صحيح‏,‏ ولكنه تبسيط يهدر حقيقة أن الاحتجاجات‏,‏ والمظاهرات‏,‏ والانتفاضات‏,‏ والثورات الصغيرة‏,‏ بدأت عام‏2004,‏ وتعززت بالإعلان عن الحركة المصرية من أجل التغيير‏(‏ كفاية‏)‏ يوم‏2004/12/12‏ وقد رفعت‏(‏ كفاية‏)‏ سقف المطالب السياسية‏,‏دفعة واحدة ومن دون مواربة أو مجازات‏,‏ واحتمت بالفضائيات والشارع‏,‏ بعيدا عن أحزاب تدعمها الحكومة‏,‏ ويعمل رؤساؤها مندوبين للنظام‏,‏ أو ممثلين لأجهزته السرية‏.‏
‏(‏كفاية‏)‏ كلمة دالة اخترعها جورج إسحق الذي شغل منصب المنسق العام لها‏,‏ واتخذت شعارا له بلاغةالإيجاز‏:(‏ لا للتمديد لا للتوريث‏)‏ فماذا كنا نريد أكثر؟
في وصفه لأحوال مصر قبل نحو‏700‏ عام‏,‏ قال الرحالة المغربي الأشهر شمس الدين محمد بن عبد الله الطنجي المعروف بابن بطوطة‏:‏ يستبد العسكر‏,‏ والشعب يئن تحت وطأة الحكم‏,‏ ولايهتم الأقوياء بذلك‏,‏ والعجلة تدور‏.‏
وقد ظلت العجلة تدور‏,‏ بإيقاعها نفسه حتي أيام مبارك الأخيرة‏,‏ فهل كانت القبضة البوليسيةاقوي من خيالنا؟
لم نكن أقل جسارة‏,‏ كان ماينقصنا هو الخيال‏,‏ فانتظرنا نضج الشرط التاريخي‏,‏ وقد نضج في يناير‏2011,‏ واكتشفنا أننا لم نكن نعي تماما أننا بهذه القوة‏,‏ وهذا يدعوني الي تقديم اعتذار لكل مصري‏,‏ نيابة عن كل من تساءل‏:‏ لماذا لانثور؟ومتي نثور؟
في بداية يناير‏2011,‏ جمعتنا جلسة تكررت كثيرا‏,‏ في كافتريا المجلس الأعلي للثقافة في دار الأوبرا‏,‏ كان المطر يبلل ثيابنا ورءوسنا‏,‏ وشوقي جلال يتحدث عن المجتمع المدني‏,‏ وسنوات طويلة من التوعية‏,‏ للوصول بالناس الي مستوي يدفعهم للإصرار علي المطالبة بحقوقهم‏,‏ وعبد العزيز جمال الدين قد اصدر عددا جديدا من مجلته‏(‏ المصري الليبرالي‏),‏ ويراهن علي الدولة المدنية‏,‏ وتأخر علينا في ذلك اللقاء أحمد محمود‏,‏ واستأذن عبد الرازق عيد لأن ابنته‏(‏ شهد‏)‏ لا تحتمل المطر‏,‏ ورفعت السيد علي أبدي قلقه‏,‏ فعدد قوات الشرطة نحو‏1,8‏ مليون جندي‏,‏ وامتيازات كبار ضباط الشرطة من دون حدود‏,‏ولن يضحوا بها في سبيل حرية شعب لم يسع الي انتزاعها‏.‏
لم يبق إذن‏,‏بعد انتقاد مبارك والعائلة‏,‏ إلا العصيان المدني‏,‏ أو تدخل الجيش لإزاحته‏,‏ ونبدأ مسلسل الانقلابات‏.‏
تذكرت يناير‏2005.‏
أحصيت في معرض القاهرة للكتاب‏21‏ سيارة مصفحة للشرطة‏,‏ يهبط منها مئات الجنود ليحاصروا متظاهرين مسجونين داخل أسوار أرض المعارض‏,‏ ولايملكون إلا حناجر تنادي‏:‏ يسقط يسقط حسني مبارك ويا جمال قل لأبوك‏:‏ شعب مصر بيكرهوكهتافات لاتبلغ شارع صلاح سالم‏,‏ ولاتصل إلي بوابة المعرض‏,‏ لكننا نخاطب أنفسنا‏,‏ والنظام المرعوب لايسمح بأية مخاطرة‏,‏ ويعمد لإطفاء الشرارة قبل اشتعالها‏.‏
ودخل فتحي إمبابي خيمة المقهي الثقافي ليستريح فقالت لي صديقة شقراء‏,‏ إنها سمعت موظفا في هيئة الكتاب‏,‏ يشارك في تنظيم أنشطة المعرض‏,‏ ويشغل منصبا في إحدي مجلات الهيئة‏,‏ يعد اثنين من ضباط الأمن يرتديان ملابس مدنية‏,‏ بتسليم فتحي إمبابي إليهما‏.‏
هي سمعت ولم تلتفت‏,‏ وهم تأملوها وظنوها أجنبية‏,‏ وأرجأوا القبض عليه في حضورها أبلغت فتحي بالخديعة‏,‏وأعددنا خطة سريعة أن يخرج بصحبتي وصحبتها‏,‏ ولن يقتربوا منه في وجود أوروبية شقراء وفي الطريق الي شارع صلاح سالم ظلوا يراقبوننا‏,‏ حتي تجاوزنا البوابة‏,‏ واستقل فتحي حافلة صغيرة‏(‏ ميني باص‏)‏ ثم عدنا الي المعرض‏.‏
‏..‏والسكة مش طويلة
في الأيام التالية فبراير‏2005‏ كان سلم نقابة الصحفيين يشهد مظاهرات دائمة‏.‏
العشرات من المتظاهرين في الأعلي‏,‏ وفي الأسفل مئات من جنود الشرطة‏,‏ وعشرات من الضباط‏,‏ وبعض القناصة ومصوري وزارة الداخلية في شرفات وأسطح البنايات المواجهة للنقابة‏.‏
لدي ورقة سجلت فيها بعض هتافات تلك الأيام‏,‏ بعضها ظل صالحا لثورة‏25‏ يناير‏2011,‏ والبعض تجاوزته المرحلة‏:‏
لن يحكمنا ابن سوزان‏.‏
حسني مبارك يامفلسنا‏..‏انت بتعمل ايه بفلوسنا
باسم‏7‏ مليون عاطل‏..‏ ترشيحك يا مبارك باطل وكان موعد ترشحه لانتخابات‏2005‏ يقترب‏.‏
فاضل علي حسني زقة‏..‏ والسكة مش طويلة‏..‏وهنخلص منه في ليلة‏..‏لو كلنا قلنا لأه وتتعالي الصيحة‏:‏ لأه لأه‏.‏
في يناير‏2003‏ تلقيت دعوة لكتابة الصفحة الأخيرة في صحيفة‏(‏ العربي الناصري‏)‏ الأسبوعية‏,‏ كانت المنطقة تقف علي أطراف الأصابع‏,‏ والأعصاب مستنفرة‏,‏ مع توقع حرب أمريكية علي العراق‏,‏ ولم يكن سهلا تجاهل الهم العراقي في مقالي‏(‏ البلد بلد ستين عتريس‏),‏ وعتريس هو الطاغية بطل الفيلم المصري‏(‏ شيء من الخوف‏)‏ سخرت في المقال من شعار‏(‏ فكر جديد‏)‏ الذي تبناه آنذاك جمال مبارك لتسويق نفسه‏,‏ وقلت إننا نتجه الي قاع القاع‏,‏ فلا يمكن وقف الكرة المتدحرجة في منتصف المنحدر‏,‏ لسرعتها وقوة الدفع الذاتي‏,‏ ويبقي الأمل في قوة الانفجار الناتج عن الارتطام بالصخرة الأخيرة بعد الهبوط وذلك عبر زمن يستهلك فيه الفساد المستتر والفاجر معا‏,‏ كما يستهلك حكام اليوم وورثة العروش من الأبناء الأقل خبرة بالسياسة والمؤامرات‏,‏بما يمكن الشعوب من استعادة الثقة التي هي بداية فعل الإزاحة‏,‏ بعد التأكد من أن عتريس شاخ‏,‏ وأن البدلاء لايصلحون للقيام بالدور‏(2003/1/12)‏
المقبرة باتساع الوطن
وتحت يدي الآن مقال آخر‏,‏ وضعت له عنوان‏(‏ حين تصبح المقبرة باتساع الوطن‏),‏ وأضافوا إليه في الصحيفة عنوانا ثانيا‏(‏ سعد القرش يحدثكم عن زمن بلا خيال‏),‏ علقت فيه علي العدد الأول من نشرة معرض القاهرة الدولي للكتاب‏,‏ وفيه موضوع لا علاقة له بالمعرض‏,‏ لكنه احتل ثلاث صفحات كاملة بثلاث صور مختلفة لجمال مبارك أمين السياسات بالحزب الوطني من إعداد إلهام عيسي‏,‏ والعناوين من الكلام الكبير عن‏:‏ مشاركة فعالة لأمانة شباب وخطة متكاملة للنهوض بالعمل الشبابي في مصر وانجازات شباب الحزب الوطني‏...‏ ولا أتصور أن يوافق الدكتور سمير سرحان‏(‏ رئيس هيئة الكتاب‏)‏ علي إدراج هذا الموضوع الحزبي في نشرة عن معرض للكتاب‏,‏ اللهم إلا إذا وافق الدكتور فوزي فهمي رئيس المهرجان الدولي للمسرح التجريبي علي إدراجه في نشرة‏(‏ التجريبي‏)‏ أو أن يأمر شريف الشوباشي بنشره في نشرة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي‏.(2003/2/9).‏
وتلقيت اتصالا من أسامة عفيفي‏.‏ أشار وحذر ولم يصرح فأثار قلقي‏.‏ اقترح أن نلتقي‏,‏ هناك كلام لا يصح التصريح به في التليفون‏.‏ قابلته بعد منتصف الليل‏,‏ علي قهوة في شارع الهرم‏,‏ وحذرني بوضوح‏:‏
انتقد مبارك كما تشاء‏,‏ إياك ان تقترب من الولد‏,‏ مجنون في انتقامه‏,‏ والبلد محكوم بالميليشيات‏.‏
حاولت أن أتسلح بالشجاعة‏,‏ والحق أنني خفت‏.‏ ثم اختفي رضا هلال نائب رئيس تحرير الأهرام‏,‏ في أغسطس‏2003,‏ في ظروف غامضة‏,‏ وقيل انه سخر من جمال مبارك‏,‏ في صالة التحرير بالأهرام‏,‏ فتمت تصفيته‏.‏
في تلك الأيام من عام‏2003,‏ كنا نشعر بالمهانة‏,‏ ونتابع اقتراب حاملات الطائرات والقوات الأمريكية من حدود العراق‏,‏ ولكن جابر عصفور بدأ مسيرته في الكتابة لصحيفة‏(‏ الأهرام‏)‏ يوم‏2003/3/3,‏ بمقال عنوانه‏(‏ أجيال وراء أجيال‏),‏ معلومات أرشيفية عن أجيال المبدعين‏,‏ لا نتساهل مع طالب بكالوريوس لو كتب مثل هذا الكلام‏.‏ تجاهل العصفور أن يحلق في السماء‏,‏ حتي لا يري حريقا يوشك أن يبيد العراق‏,‏ لم يفكر في أطفال بلد شقيق ولا نسائه‏,‏ نساء العراق‏,‏ بحكم منصبه في المجلس القومي للمرأة الذي ترأسه سوزان مبارك‏.‏
في ذلك العام‏(2003)‏ كان سمير عبد الباقي علي الضفة الأخري‏,‏ إذ نشر في بعض المواقع الإلكترونية قصيدة‏(‏ فوانيس الأراجوز التعيس في ليل التمديد والتوريث‏),‏ وفيها يخاطب مبارك ساخرا‏:‏
انت النموذج واحنا كلنا أشباه
لو شئت انت نبي ملهم
انت نص إله
قل ما بدا لك‏,‏ واعمل ما بدا لابنك
الكل دبحاه هزيمته بيبكي علي ليلاه
اتنين وعشرين سنة تحبي وما بلغتش
يا اللي انت مصمصتها للعضم مارحمتش
‏.......‏
نص البلد عسكر علي نصها
ودا اللي من بدري قطم وسطها
لو كان بعتهم يزرعوا الصحرا
ما كانش فلاحها شحت قمحها
ولا خرس بين الأمم حسها‏.‏
شمروخ الأراجوز
في ربيع عام‏2006,‏ قابلني سمير عبد الباقي‏,‏ في ميدان طلعت حرب‏,‏ وسألني‏:‏ وصلك العدد الجديد من‏(‏ شمروخ الأراجوز‏)‏؟
كان العدد الثالث والأربعون‏(‏ ربيع الآخر‏/‏ بشنس مايو‏)‏ قد صودر بسبب قصيدة عن مبارك‏,‏ و‏(‏شمروخ الأراجوز‏)‏ ليست مجلة‏,‏ هي‏12‏ صفحة بما في ذلك الغلاف الذي ليس غلافا‏,‏ ولكنه جزء من متن المجلة التي ليست مجلة‏,‏ وتنتمي طباعتها إلي مجلات الماستر في السبعينيات‏,‏ ونحن نحب‏(‏ شمروخ الأراجوز‏),‏ ونعتبره الابن الشقي في العائلة‏,‏ طفلا ذكيا خفيف الظل‏,‏ تربي بيننا في القهاوي والبارات وعلي الأرصفة‏,‏ ويميل حين يتعب‏,‏ إلي حجر أي منا وينام‏.‏ شمروخ‏(‏ شكشكة شعرية غير دورية بالفصحي العامية‏),‏ شعارها‏(‏ لا يحق لنا ما لا يحق لأهلنا‏),‏ وهي‏(‏ نشرة شعرية مصرية علي قد الحال‏.‏ لا جريدة ولا جرنال ولا حتي مجلة‏.‏ ومستقلة عن أي حزب وملة‏.‏ عايشة بنفسكم مش بس بفلوسكم‏.‏ والغاوي ينقط بطاقيته‏.‏ وأهلا وسهلا بالأصدقاء زجالين وفنانين وشعراء‏),‏ وسعر العدد ربع جنيه ومضاعفاته‏,‏ لمن استطاع إلي سبيلا‏,‏ وكثير من المثقفين لا يشترون كتبا‏,‏ وسمير عبد الباقي يعلم ذلك‏,‏ ولهذا يوزعها مجانا‏,‏ ويلجأ في العادة إلي إرسال مئات من النسخ إلي الأصدقاء‏,‏ وهذا العدد لم يصل‏,‏ بسبب قصيدة لعبد الباقي في الصفحة الأولي التي هي الغلاف الذي ليس غلافا‏.‏ وعنوان القصيدة‏(‏ دعاء المغلوبين‏),‏ ويقول مطلعها‏:‏
يعيش مبارك ألف عام
محمي من الموت الزؤام
ومن العته ومن الفصام
ومن الكساح ومن الزكام
ومن الجرب ومن العجز ومن الجذام
عاش مستقيم
ومستديم ومستدام
في ظل ورعاية المدام
لحين يرجع للوطن وجهه لأمام
يغسل له جسده من العفونة والسخام
يوصله لمجده القديم‏,‏ يفك عن بطنه الحزام
يعيش مبارك ألف عام
اشمعني بورقيبة‏,‏ وكيم إيل سونج
والمخفي فرانكو‏,‏ والا أبو الهم السخام
اشمعني هو؟‏!‏ بتنكروا فضله علي حفظ النظام
م البهدلة والحاقدين والمدمنين سقط الكلام
من ربع قرنين أو يزيد شغال تمام
آمون مبارك خطوته‏,‏ مراعي زنقة أزمته
يحميه من السم الخفي في لقمته
يرقيه من الكدب اللي بتدسه الغباوة في كلمته
ينجيه من الغدر اللي في عيون اللي عايزين يورثوه
ومن اللي عايزين بالحيا
في قلة حياء يكفنوه
وينهي عبد الباقي قصيدته الطويلة بالدهشة والسخرية من
سحر وعبقرية القرايب والحبايب والمدام
السهرانين يرتبوا الصدفة
لأولاده وأحفاده
الي يوم القيامة
يعيش مبارك ألف عام‏..‏
في صحة الرئيس
يوم‏2003/12/7‏ استدعاني احد رؤساء التحريروكنت قد نشرت في اليوم نفسه في‏(‏ العربي الناصري‏)‏ مقالا عنوانه‏(‏ عن وهم المونديال وأشياء أخري‏),‏ عن وقوع الرئيس مبارك مغشيا عليه في البرلمان‏,‏ وهو ماسمته وسائل الإعلام الرسمية وعكة صحية طارئة ألمت به‏.‏
كنت أبحث عن معني الدولة‏,‏ عن كيان له مؤسسات راسخة تدار بغض النظر عن الحالة الصحية لرئيس الجمهورية‏,‏ وتساءلت‏:‏ ماذا نفعل لو حدثت هذه الوعكة عام‏2010,‏ أثناء إقامة أربع مباريات في كأس العالم التي نسعي لاستضافتها؟‏(‏ راجع ملاحق الكتاب‏),‏ وفي مواجهة الطغاة‏,‏ حيث لاتكافؤ في القوة يجب اللجوء الي سلاح الاستعباط وسألني عما كتبت؟ قلت‏:‏ لا شيء‏,‏ منذ سنوات وأنا شبه ممنوع من الكتابة وأنت نقلتني قبل أعوام الي قسم الحوادث‏,‏ونفذت التعليمات‏.‏
ضرب المكتب بيده‏:‏
أتكلم عما كتبته اليوم في العربي الناصري‏,‏ هل هذا معقول؟ عن الرئيس شخصيا؟
وهل مسست الرئيس بشيء؟ هل يمكن أن يفهم ماكتبته خطأ؟
كنت أتسلح بالاستعباط‏,‏ وأصطنع الدهشة‏,‏ فهدأ وتمالك نفسه‏:‏
تريد أن تجنني؟ المقال فهم هكذا بالفعل‏.‏
وعدته بألا أعود للكتابة عن أي وعكة صحية أخري للرئيس الذي لايتوعك‏.‏
في المرة الثانية‏(2005)‏ لم يستدعني رئيس التحرير‏.‏أرسل لي تابعة قفة سألني عن كتاب لعبد الحليم قنديل‏,‏ رئيس تحرير‏(‏ العربي‏)‏ ينتقد فيه مبارك‏.‏
كان قنديل شرسا في مقالات تنتقد مشروع التوريث بوضوح‏,‏ لايهادن ولايعبأ بالتوازنات‏,‏ وتساءل في‏(‏ العربي‏):‏ من هو العبقري المسئول عن تعليق أول ملصق مبايعة لجمال مبارك رئيسا لمصر؟‏!(2003/6/8).‏ ماهو الوضع الدستوري لأدوار حرم الرئيس مبارك؟‏!(2004/7/25)‏ ثم تعرض لأغرب تحرش سياسي واعتداء إرهابي نوعي في تاريخ مصر‏,‏ فجر يوم‏2004/11/2‏ خطفه شياطين مجهولون‏,‏ نسي الملائكة أن يقيدوهم بالسلاسل في شهر رمضان‏,‏ واقتادوه الي صحراء جبل المقطم المشرف علي القاهرة‏,‏ وضربوه وسرقوا تليفونه المحمول‏,‏ وخلعوا ثيابه واختفوا ليتهم نزعوا نظارته وتركوه‏,‏ هذا لو يعلمون عقاب كاف لكنهم أخذوا النظارة أو كسروها‏,‏ والرجل مشي عاريا علي غير هدي‏,‏ لايعرف أين هو‏,‏ ولايري في الظلام شيئا‏,‏ ثم إنه لايستغني عن نظارته الطبية‏,‏ حتي إذا بلغ طريقا‏,‏ رآه جندي فانزعج‏,‏ وطمأنه قنديل‏,‏ ومنحه الجندي ثيابه التي عاد بها الي البيت‏.‏
الأنور الهواري الذي جند مقالاته الإنشائية الزاعقة‏,‏ الأقرب لخطبة جمعة يقدم بها عضو مراهق في‏(‏ الجماعة الإسلامية‏)‏ أوراق اعتماده للأمير‏,‏ في‏(‏ الأهرام المسائي‏)‏ للدفاع عن عبقرية حسني مبارك وجمال مبارك وصفوت الشريف وأحمد شفيق‏,‏ هو نفسه الذي كتب في‏(‏ المصري اليوم‏)‏ وقبل الاستتابة‏,‏ معلقا علي خطف قنديل الآن يمكن القول‏:‏ إن مصر سبقت كل بلاد الدنيا في إنتاج البلطجة المتخصصة‏.‏
إنها البلطجة المتخصصة ضد رؤساء التحرير‏...‏إنها المعركة الأبدية بين الوضوح والخفاء‏,‏ بين الشرف والخسة‏,‏ بين أشرف ما في الإنسان من فضائل وأحط ما في الوحوش من رذائل‏.‏
علي البلطجة المصرية الحديثة أن تعلم أن الرسالة قد وصلت‏,‏ ومن واجبنا أن نرد علي الرسالة بمثلها أو أحسن منها‏(2004/11/6)‏ وتساءل جلال أمين‏:‏ هل هذه صورة نظام ينتحر؟‏..‏النظام لم يكن ينتحر بل كان فقط يشرع في قتل أمة بأسرها
‏(‏العربي‏2004/11/7)‏
الحلقة القادمة‏:‏ سنوات المخاض


إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.