أكد أن كتابه السابق "في كل أسبوع يوم جمعة" ليس تنبؤًا بأي شيء، سوي أنه يري أن يوم "الجمعة" يوم متميز "أبيض علي كل مظلوم وأسود علي كل ظالم"، ولم يكن يعلم أن "الجمعة" تحديدا سيكون يوما أسود علي النظام الظالم يتجمع فيه الشعب ليصرخ في وجهه "ارحل"، في ثورة أذهلت العالم، ومثلت لملايين المصريين تجربة لن تنسي، تحمل ذكريات ومشاعر تملأ ملايين الكتب، لدرجة أنه قرر في كتابه الجديد الصادر عن مؤسسة "أخبار اليوم" "لكل أرض ميلاد .. أيام التحرير" أن كل منا يملك كتابا غير منشور عن الثورة. إنه الأديب إبراهيم عبد المجيد، الذي نقرأ معه في هذا الحوار فصول كتابه، وذكرياته حول الثورة، ونشاهد لقطات ومشاهد رصدها في الفترة التي كتب فيها الشعب المصري تاريخه بيده منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتي لحظة التنحي. أكدت في أكثر من تصريح أن الوقت مبكرللكتابة عن الثورة أدبياً وإبداعياً، ثم فاجأتنا بإصدار كتابك "لكل ارض ميلاد .. أيام التحرير"؟ -الثورة أعادت لنا روح الكتابة، وكتابي ليس رواية، وليس مبكراً، فالفعل الإبداعي يحتاج وقتا، ولكن إذا كان الكاتب متمكنا من أدواته ورؤيته وصياغاته فليكتب، ويحكم عليه القارئ بعد القراءة. فقد رصدت مشاعر حميمة اعترتني من طوال فترة تواجدي في الميدان، وما تعرضت له أنا وزوجتي وأولادي، والشباب الذين تعرفت عليهم وتحاورت معهم وشاركتهم الهتاف والحماس، وكل يوم يزيد فيه إصرار الشعب علي مطلبه يزدني انفعالاً للكتابة. وكنت كلما فكرت في الكتابة أجد سؤالا يراودني: كيف أكتب عن أعظم ثورة في تاريخ شعب مصر؟ ولكن ما رأيته منذ "جمعة الغضب" وحتي "تنحي مبارك" كان مفارقا لكل واقع، وأعظم من كل إحساس ، فالميدان بالنسبة لي كان بركاناً بالنهار، وفي الليل حالة أخري بها مفردات الفن بأنواعه التشكيلي والشعر والموسيقي والبكاء أيضا، فالتحرير هو نموذج المدينة الفاضلة، بعدما أزاح المصريون حاجز الخوف، وكل السحب السوداء عن سماء مصر، وما كتبته كان مجرد حكي وشهادة علي ما رأيت من قسوة وجمال، ومازلت أري أنه لا أحد يستطيع أن يكتب كل شيء عن الثورة. وكان كتابي رصدا لكل مظاهر الاحتجاجات التي عاصرتها، منذ آخر مظاهرة حضرتها وهي انتفاضة يناير 1977وصولاً إلي 25 يناير، الحركات الاحتجاجية في كل مؤسسات الدولة ومظاهرات الجماعات، وتابعت جروب "كلنا خالد سعيد"، وابتكار طرق جديدة للاحتجاج، إلي أن أحرق "عبده عبد المنعم" نفسه أمام مجلس الشعب وكرر آخرون فعلته، كل هذه احتجاجات اعتبرها أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير، كما ذكرت في الكتاب كل الكتاب والإعلاميين والفنانين والممثلين، الذين التقيت بهم في الميدان وماحدث لهم ولنا. فالكتاب يمكن اعتباره سيرة مكان كما رأيتها أنا وأقول: الثورة المصرية تحتاج إلي ملايين من الكتب، لذلك أنهيت الكتاب بمقولة: كل منا يملك كتابا غير منشور عن الثورة. لماذا رصدت تعليقات الشباب علي "فيس بوك" عن فترة ما قبل التنحي، وماذا أضاف ذلك؟ - قبل الثورة كان لي رواية اسمها "في كل أسبوع يوم جمعة" موجودة علي الإنترنت، وهي عبارة عن "جروب" يضم مجموعة من الشباب، نتحاور ونتناقش، وأصبح يوم "الجمعة" يومًا مقدسًا، ولم يكن هذا تنبؤًا بأي شيء، فيوم الجمعة في الرواية يوم "مصيري"، كما يقال: أبيض علي كل مظلوم وأسود علي كل ظالم، وعندما عادت خدمة الإنترنت التي تم قطعها يوم "جمعة الغضب" عن مصر، كتب الشباب انطباعاتهم واقتراحاتهم وانفعالاتهم، ورأيت أنه من الضروري رصد هذه التعليقات، فقررت توثيق تعليقات الشباب ووضعتها في الكتاب، أكثر من 100 شخصية وتعليق، لأن الثورة ليلا كانت علي "فيس بوك"، الذي مثّل شكلاً من أشكال الشعور الجمعي للشعب المصري، خصوصاً بعد خطاب مبارك الثاني العاطفي، وما تبعه من تأثيرات علي الشباب، ثم موقعة الجمل التي تبعته في اليوم التالي مباشرة. هل كل ما يصدر من كتابات أدبية عن الثورة يعد توثيقاً علي اعتبار أنه شاهد علي ما لا يراه الكل؟ - التوثيق يختلف عما يكتبه الأدباء، الذين يرصدون ما تم معها شخصياً، وأغلبه إنسانياً، أما توثيق الثورة فيحتاج إلي لجان كبيرة من الكتاب والمفكرين وقد يستمر سنوات، والصور الفوتوغرافية سجلت أحداثاً ولقطات مهمة جدا، لا يمكن عمل كتاب واحد فقط عن ثورة 25 يناير صعب جدا، لكن التوثيق ضروري أن يضم مستندات مثل مستندات توثيق تحقيقات موقعة الجمل، وخطابات الرئيس، وظهور الأحزاب السياسية بأنواعها ودورها وغيرها. هل دعوتك لإلغاء وزارة الثقافة تعني أنك لا تري لها دورا؟ - من قبل الثورة كتبت كثيرا في مقالاتي أنا ومثقفون آخرون عن إلغاء وزارتي الإعلام والثقافة، فالإعلام المصري اليوم يمثل منْ؟ أكبر خطاً أن أعدنا وزيرا للإعلام، أما بالنسبة لوزارة الثقافة، فلم تنتج مبدعين، والإبداع الأدبي والفني بتنوعاته إنتاج المجتمع المدني، وليس إبداع وزارة الثقافة، ومهما قدمت أي وزارة، ستتهم في النهاية بأنها تنفذ تعليمات رسمية، وتقسم المثقفين لتابعين للدولة "الحظيرة" ومستقلين، لابد من التخلص من كل ما يحمل كلمة "وزارة"، يمكن أن يكون لدينا بديل لوزارة الثقافة، ويباع كل ما تملكه وزارة الثقافة ويصبح قطاعا خاصا، وتصبح مستقلة والمسرح يعود لأصحابه، الإعلام أيضا يباع ويعمل بنفس الموظفين، وتخرج الوزارات من عباءتها الرسمية، لأنها سوف تظل محل انتقاد بشكل مستمر ولا جدوي من استمرارها، وكم من مبدعين وفنانين خرجوا علينا من الميدان شعراء وتشكيليين هؤلاء يشكلون مستقبل الفن والثقافة في مصر، ويمكن أن نستغل مباني الحزب الوطني وتعطي للشباب لممارسة أنشطتهم الثقافية. ما رأيك في جوائز الدولة لهذا العام، خصوصا بعد الانتقادات العديدة التي وجهت لها؟ - دائما جوائز الدولة كل عام محل انتقاد ورفض، ولا يرضي عنها سواء الذين حصلوا عليها، ورغم ذلك أنا أهنئ كل من حصل علي جائزة، وإن كنت أري أن المعايير التي يتم علي أساسها الاختيار لابد أن تتغير، ولا يكون للموظفين حق التصويت فيها، وأعجبني جدا الدكتور أحمد مجاهد حين قال: "طلعونا من الجوائز"، حتي لا يكون محل انتقاد، فمن الأفضل تشكيل لجنة من خمسة من الحاصلين علي "جائزة النيل" "مبارك" سابقا، ويكون لهم حق الاختيار. بصفتك مشاركا وشاهداً علي الميدان هل توافق علي استمرار الاعتصامات إلي الآن؟ - نعم مع استمرار الاعتصام في الميدان، لحين تنفيذ مطالب الثورة، وما يقال عن عرقلة الثوار لعجلة الإنتاج اعتبره تشهيرا بالثورة والثوار، ويحزنني أن يروج الإعلام لهذا الفكر ويخلط بين الثوار والبلطجية، فكيف نصدق أن الثوار أصبحوا بلطجية؟ ومن يقول هذا الكلام أعتبره خائنا وصاحب مصالح شخصية، ولكن مهما قالوا ستكتمل الثورة وتنجح، وما حدث حين أغلق بعض الثوار "مجمع التحرير"، أعتبرها حالة استثنائية من بعض الشباب المتحمسين، وهو نوع من الضغط علي المجلس العسكري، ولا يمكن أن يمنع أي مواطن مصري سير "قناة السويس" لا يمكن حدوث هذا، فتضخيم الأحداث يزيد من احتقان الشعب.