عندما خلق الله الدنيا، أسسها علي محوري الجميل والجليل، ومعهما حدود لكليهما لا يمكن تجاوزها ولا التعدي عليها، مع مراعاة أن هناك مساحات لا بأس بها من نسبية التناول لأي منهما، ولا شك أن الفن يسكن حيز الجمال منذ أن شيد الله الكون واستوي علي عرشه، فنفخ في الأشياء من روحه نفحات من البهاء الإلهي، ورغم هذا فقد أتاح لنا التواؤم مع تلك التجليات الجمالية بآليات تتنوع بين الثبات والتغير من زمان لآخر.. أما الجليل فيصدره الجانب العقائدي كأحد صروح الحياة الإنسانية علي الجسر القائم بين الأرض والسماء.. وتعد مكانة الشهيد من المنازل رفيعة المقام في فضاء العقيدة التي تربطنا بالخالق، حيث جعله ندًا للصديقين ورفيقًا للأنبياء في سبيلهم نحو جنة الخلد.. لذا فعندما تناولت بالرفض مشاركة مصر في بينالي فينيسيا بالشكل الهزيل الذي ظهرت به، كان من فرط غضبي من التلاعب بمكانة الشهيد وليس تقليلاً من شأن الفنان أحمد بسيوني، بل كان للفصل بين مقامي الفن والشهادة لأن لكل منهما ملمحه الخاص، وبناء علي هذا فقد انتابتني الدهشة حين طالعت التحقيق الذي نشر في جريدتكم المحترمة للزميلة سوزي شكري عن ذات الموضوع بتاريخ 7 يوليو 2011م حيث جمعت فيه تصريحات لأساتذة وزملاء أعزاء مليئة بالمغالطات، كرد فعل لما نشرته سالفًا بجريدة الأهرام المسائي وعلي صفحتي بالفيس بوك اضافة إلي حواري مع الزميلة رهام محمود في جريدة روزاليوسف أيضا بتاريخ 23 يونيو 2011م وقد ركز معظم كلام الأساتذة في الهجوم علي شخصي، دون حرص علي جوهر الحقيقة، وهم من لهم هيبتهم التي يجب أن يصونوها أمام الأجيال، لهذا فليسمح لي السيد الفاضل رئيس التحرير بالتعقيب في النقاط المحددة التالية: أولاً: لم أكن وحدي الذي رفض تشويه عمل الشهيد الفنان أحمد بسيوني، كما صور التحقيق الصحفي، بل كانت هناك آراء أخري كثيرة جدًا تجسد نفس الرفض، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر للناقد الكبير كمال الجويلي (عضو لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلي للثقافة؟!) والذي أعلن رأيه صراحة لبعض الصحف والمواقع الإليكترونية، وأيضا للفنان الكبير د. رضا شحاتة الأستاذ بكلية التربية الفنية، والذي كتب مقالا منهجيًا علميًا كشف فيه عن عملية تدمير العمل الأصلي لبسيوني علي يد فريق عمل جناح مصر في بينالي فينيسيا، اضافة إلي العديد من الفنانين الذين يصعب حصرهم هنا، وليس كما ذكر الفنان عادل السيوي بتهكم أن من اعترض علي العمل شخص أو شخصان. ثانيًا: ما تناولته عن عمل أحمد بسيوني لم يكن تحليلاً نقديًا مفصلاً كما اعتدت أن أفعل، ولكنه كان شهادة علي حالة تبديل لملامح عمله الأصلي من قبل فريق العمل الذي تولي إعادة صياغته وتجهيزه للعرض في بينالي فينيسيا بقيادة الفنان شادي النشوقاتي الذي حاول بدوره إلباس العمل طاقية الثورة بطريقة مفتعلة (راجع حوار شادي مع السيدة فاطمة علي بجريدة القاهرة في 29 مارس 2011م - انظر الصورة الضوئية المصاحبة) رغم انقطاع صلته بها طبقًا لشهادتي عن مهرجان «ليه لأ» الذي عرض فيه العمل من قبل، وكنت أنا مسئولاً عن الجانب التنظيري فيه مع الزميلة د. أمل نصر، وطبقًا لتصريحات شادي نفسه بأن عمل بسيوني لا علاقة له بالثورة ، وبسبب هذا الافتعال جاء العمل مفككًا علي المستوي الفني، بصريًا وفكريًا. ثالثًا: لم ترد علي لساني اطلاقًا كلمتا «الخيانة» و«الرشوة» اللتان تكررتا في التحقيق الصحفي علي لسان معظم الأساتذة الفنانين، فأنا لم أخن الفنان شادي النشوقاتي ولا فريق العمل، ولم أتهم أيا منهم بالرشوة، ولم أتعمد التشهير بأحد، وهو ما يندرج قانونًا تحت مظلة التشويه والترويع لشخصي، لذا فإنني أحتفظ هنا بحقي القانوني في مقاضاة كل من ألصق بي فعلا لم ارتكبه. رابعًا: ثابت من حواري مع الزميلة رهام محمود أنني فقط كنت أطالب بالتحقيق كحق مشروع مع كل من شارك في اتمام جناح مصر في بينالي فينيسيا بهذه الصورة، بداية من وزير الثقافة د. عماد أبو غازي، ومرورًا بالفنان د. صبري منصور رئيس لجنة الفنون التشكيلية، ود. أشرف رضا رئيس قطاع الفنون التشكيلية، ونهاية بالفنان شادي النشوقاتي، لأنه أثير في كثير من المواقع الإليكترونية وبعض الصحف ومنها جريدة القاهرة أن شادي قد تقاضي مبلغاً ماليا من الجامعة الأمريكية كمساهمة في مشاركة مصر تكريمه وعرض عمله علي نفقتها وليس علي نفقة أمريكا، وفي هذا السياق اعترف شادي في بيانه الذي بثه علي صفحات الفيس بوك أنه بالفعل حصل من الجامعة الأمريكية علي مبلغ من الدولارات لشراء أجهزة العرض بموافقة رئيس القطاع الذي أنكر هذا في المؤتمر الصحفي الذي عقد بنقابة التشكيليين يوم 2011/6/14م، مؤكدا أن شادي هو الذي أصر علي جلب المعونة من الجامعة الأمريكية، رغم قدرة القطاع علي توفير كل الإمكانيات للجناح المصري، وعاد شادي ليؤكد في بيانه أنه أخذ المعونة الأمريكية واشتري بها الأجهزة بموافقة القطاع الذي شحنها بدوره إلي فينيسيا.. فأين الحقيقة؟ وهل هذا يليق بمكانة مصر يا أبناء مصر؟.. وفي هذا المقام أكرر ثانية مطالبتي بالتحقيق في هذا الشأن علي ضوء ما ذكره شادي في بيانه وما ذكره رئيس القطاع في المؤتمر الصحفي، تبعًا للتوجهات الجديدة للمجلس العسكري والحكومة المصرية بقيادة د. عصام شرف الذي شكل مؤخرًا لجنة تقصي حقائق لدراسة وفحص كل تدفقات التمويل الأجنبي، فمصر لم تعد تحتمل ركوعًا وإذلالاً مرة أخري. خامسًا: إذا كانت لجنة المعارض بالفعل قد رأت المادة الخام للعرض، ورأت المادة البصرية النهائية وأقرتها، فلماذا لم تعرض النتيجة علي اللجنة الأم، خاصة أن أحد أعضائها وهو الناقد كمال الجويلي كان رافضًا لمشاركة عمل بسيوني، في حين صرحت الزميلة د. أمل نصر في التحقيق الصحفي المشار إليه، وهي عضو اللجنة الأم أيضًا، أنها لا تعرف شيئًا عن هذا العمل، ولم تشاهده في أي مرحلة من مراحله، علاوة علي رأيها المدون علي صفحتي بالفيس بوك بأن العمل ليس له علاقة بالثورة، لأن الشهيد بسيوني قدمه بوضوح في وثيقته المقدمة لمهرجان «ليه لأ»، وفيما عدا هذا من محاولات لربطه بموضوع الثورة هو محض تلفيق أو إسقاط شخصي أو محاولة لاستنطاق العمل بما ليس فيه - علي حد تعبيرها - وهو ما يثبت أن العمل تم تمريره من وراء ظهر اللجنة الأم، بالمخالفة لما اتفق عليه في هذه المواقف، سيما في أمر استثنائي حساس كمشاركة شهيد في بينالي دولي. سادسًا: زاد عجبي عندما كذبني الفنان حسن خان، بأنني نقلت كلامه الوارد في حواره بجريدة القاهرة يوم 2011/6/14م، عبر تحريف لم يكن يقصده، حيث قال «ولكن المحزن فعلاً أنه غالبًا لم يكن ممكنًا لمثل هذه المشاركة لشاب في هذه السن بمثل هذه الآراء والأعمال لولا استشهاده».. ماذا تفهمون أيها السادة العارفون بأسرار اللغة العربية من هذا الكلام؟! علي أي حال أنا أحيله إلي تصريحه في أحد حواراته الصحفية باللغة الإنجليزية، حيث ذكر أنه كان ضد مشاركة عمل بسيوني بهذا الشكل الذي يتكيء علي حضور الثورة فيه، لأنه يفتح باب استغلاله سياسيًا من قبل المؤسسة الممثلة للنظام السابق الذي لم يسقط بعد، ولكنه تغير شكليًا فقط، ثم أكد رأيه هذا بصورة قاطعة مع د. زينب نور في حواره علي (الآرت شات - جزء 2) عندما ذكر أن العمل ارتكن علي الشرعية الثورية وليس الشرعية الفنية، وأنه قد تم استثماره سياسيًا بشكل عكسي من قبل المؤسسة.. هل كلامك هنا أيضًا مغلوط يا أخ حسن؟! ولمصلحة من تبدل رأيك الآن؟ وهل نحن بالفعل كما قلت نقدم خطابًا تخوينيًا نصنف فيه الفن بهذه السذاجة إلي فن وطني وآخر عالمي؟ وهو الاتهام الذي لا نقبله علي الإطلاق.. وهنا أعتقد أن تصريحاتك المتضاربة هذه لا تليق بك أبدًا كرئيس للجنة تحكيم حدث فني بحجم بينالي فينيسيا. سابعًا: في سياق ذات التحقيق الصحفي حرصت الزميلة د. أمل نصر علي توضيح موقفها من أنها عندما قالت إن وزير الثقافة قد همش لجنة الفنون التشكيلية في المرة الوحيدة التي طرحت فيها المشاركة في هذا البينالي للتسابق، كانت تقصد فاروق حسني وليس عماد أبو غازي، وأنها كانت تري مهازل في هذا الموضوع - علي حد تصريحاتها - وهنا كشفت بتلقائية عن كارثة جديدة لهذه اللجنة الميمونة، بما يستوجب طرح عدة مكاشفات تمتزج بأسئلة أمام الرأي العام.. أولها أن التهميش الذي تقصده د. أمل من قبل فاروق حسني كان لتمرير مشاركة الفنان عادل السيوي في الدورة الماضية، رغم أن السيوي يقدم نفسه دائمًا كأحد المعارضين للنظام؟ وهو من ذكر في التحقيق الصحفي أنه فخور بترشيح بسيوني، وأن المعارضين لهذا هم شخص أو شخصان يخونان الجميع!! وثانيها أنه لماذا لم يكشف عن هذا التهميش للجنة في وجود فاروق حسني علي كرسي الوزارة؟ ولماذا لم تستقل اللجنة برئاسة د. صبري منصور، احتجاجًا علي فرض فاروق حسني للسيوي كممثل لمصر في بينالي فينيسيا السابق، رغم اتهام بعض النقاد له بالسطو علي أعمال الفنان الأرمني الشهير (شانت أفيديسيان)، ونشر ذلك في عدة صحف آنذاك، من بينها ما نشرته الناقدة فاطمة علي في جريدة القاهرة، وهو الاتهام الذي لم يرد عليه عادل السيوي حتي الآن؟!، ورغم ذلك كله فقد استسلمت لجنة الفنون التشكيلية للتهميش وبقي كل أعضائها في مواقعهم حتي انتهاء مدتهم القانونية في أواخر الشهر الماضي، باستثناء الفنان محمد عبلة فقط الذي اعترض في حينه علي موقف فرض السيوي قسرًا واستقال من اللجنة. تاسعًا: أرجو أن يعلم الجميع وأولهم الأخت الفاضلة الفنانة نادية عيد زوجة الشهيد أحمد بسيوني أنني لم ولن أسيء لزوجها الذي تفتخر به مصر كلها، ولكنني فقط قدمت شهادتي حول عمله الذي ناقشته في تفاصيله وجهًا لوجه علي مائدة مهرجان «ليه لأ» ورأيته منفذًا علي أرض الواقع، وهو ما يختلف كليًا عن العمل الذي عرض في بينالي فينيسيا، وقد أكد كلامي هذا الناقد والفنان الكبير د. رضا شحاتة في مقاله الكاشف الذي قرأه الجميع، لذا فقد استكملت أطروحتي في هذا الموضوع شديد الحساسية بتعقيبي هذا، ردًا علي مغالطات أساتذتي وأصدقائي الذين أربأ بهم أن يحيدوا عن درب الحقيقة المحتشد بتلاميذهم ومريديهم، خاصة أن عصر الزيف بات يحتضر، وهو ما يجعلني أقول لهم من قلبي.. صونوا هيبتكم أمام الأجيال.