في وسط واشنطن يقع مبني صندوق النقد الدولي ومن وسط القاهرة جاء القرار (لا نريد القروض ولا نوافق علي تنفيذ رغباتكم.. ولو أننا لا زلنا نشكركم علي المساعدة) هكذا ردت مصر علي لسان وزير ماليتها الجديد سمير رضوان علي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مما دفع وسائل الإعلام الأمريكية لتقول: "عودة عبد الناصر 1956" أما الإسرائيلية فوصفته ب: "عودة روح السد العالي للقاهرة" وفي إطار الخبر نفسه نشرت مجلة الأعمال الإسرائيلية صورة لأبو الهول وخلفه الهرم الأكبر وبجانبها عنوان: لأول مرة منذ سقوط مبارك مصر ترفض القروض". جاء قرار القاهرة برفض الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الرسالة التي حملها وزير المالية سمير رضوان لم يصدر بهذا الشكل إلا بعد اجتماع سمير رضوان مع المشير طنطاوي الذي اتخذ القراربعد مشاورة المجلس الاعلي للقوات المسلحة. يذكر ان صندوق النقد الدولي تدخل في فترات سابقة إبان حكم مبارك ونظامة الفاسد فأملي علي مبارك الخصخصة فضاعت شركات مصر الوطنية ونصح حكمه بتعويم الجنيه فضاعت هيبة وقيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية وأملي عليه المعاش المبكر فزادت أعباء الدولة من المدفوعات، وأملي عليه تقليل الدعم فارتفعت أسعار السلع الأساسية مما هدد بثورات من نوع آخر وسياسات أخري دفعت مصر للمزيد من الاقتراض الذي غرف منه رجالات مبارك الذين مثلهم في إدارة الصندوق بواشنطن وزير المالية الأسبق والمطلوب للعدالة حاليا يوسف بطرس غالي الذي استقال من الصندوق في 5 فبراير 2011 عندما تهاوي نظام مبارك، وربما لا نزال نذكر يوم 23 نوفمبر الماضي 2010 قبل سقوط نظام مبارك عندما كانت آخر توصيات صندوق النقد الدولي لحكومة نظيف بخفض الدعم وزيادة عائدات الضرائب والبقية والتوابع يمكن أن تفهم فقد جربها كل المصريين. مجلس الوزراء المصري وافق في الأول من يونيو 2011 علي ميزانية العام 2011 - 2012 حيث زاد الإنفاق بمقدار الربع بغرض استحداث وظائف ومساعدة الفقراء بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك يوم 11 فبراير الماضي بعد ثلاثة عقود في السلطة بلا عقل أو ضمير في حين قدر صندوق النقد الدولي عجز التمويل المصري الخارجي والمالي بين حوالي تسعة مليارات دولار و12 مليار دولار للعام المالي 2011 - 2012.. وطبعا نتساءل حول المليارات التي نهبت ولماذا لم يتنازلواعن جزء منها لدفع ديون مصر؟ في وقت سابق طلبت الحكومة بواسطة وزير ماليتها قرضا من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار أمريكي في محاولة لإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية التي هددت البناء عقب الثورة غير أنهم بعد دراسات واستعانه بالخبرة المصرية الخالصة خفضوا طلب القرض في 6 يونيو الجاري إلي 3 مليار دولار، وأن صندوق النقد الدولي علي عكس الاجراءات المتبعة وبواسطة المدير الحالي بالإنابة جون ليبسكي وافق في ذات اليوم علي القرض وأبلغ القاهرة بالموافقة وطلب من الحكومة المصرية تحديد موعد للتوقيع علي القرض، وكان هذا القرض وقصته قد تحول في الواقع لسابقة تاريخية لم تحدث من قبل، فالطلب والموافقة كان بينهما ساعات وهو ما أقلق المشير طنطاوي فدعا الحكومة التي أدركت المخاوف وأعادت التفكير. وفي نفس السياق توصلت حكومة الدكتور عصام شرف للاستغناء من الآن عن منطق القروض الذي أدمنه نظام مبارك والعمل علي بناء مصر بمواردها وهي الفكرة التي آمن بها الجيش المصري طيلة الوقت وهي تلك التي طالما حلم بها المصريون فكان قرار رفض القرض. وفي أول رد فعل عالمي سارعت صحيفة الفاينانشيال تايمز ورحبت بالفكرة المصرية التي انتهت بقرار واضح بالرفض وكشفت في خبر بارز لها صباح السبت 25 يونيو عن أن القرض مع انه كان بفائدة 1.5 % سنويا إلا أنه كان سيبتلع 11 % من حجم الناتج المحلي المصري وأن متخذ هذا القرار لا بد أن يحسب القرار له تاريخيا، لأنه أنقذ مصر من مزيد من الفقر ونقص الخدمات الصحية ونقص الوظائف وتزايد الضرائب، وذهبت الصحيفة مؤكدة أنه حتي لو كان قد وافق علي الاقتراض فربما كان من حقه بسبب ما تمر به بلاده وهو ما يضاعف الدور الذي لعبه، ثم عادت الصحيفة وشددت علي رأيها في أنه دور تاريخي مشيرة إلي أن قرار الرفض يشمل كذلك رفض قرض من البنك الدولي قدره 2.2 مليار دولار كانت حكومة مصر قد طلبته من البنك الدولي علي أن يسدد علي عامين بعد حساب فوائده، غير أننا ومع أن كل ذلك يدعو للطمأنينة وبالتأكيد الفخر بالقيادة الجديدة لكننا لمسنا مع كل جملة من التقرير الإنجليزي للفاينانشيال تايمز هجوما خفيا علي صندوق النقد الدولي والدور الحقيقي الذي يلعبه في مصر. يذكر ان صندوق النقد الدولي وكالة متخصصة خرجت من اجتماع (بريتون وودز) وهو اسم المكان الذي انعقد فيه المؤتمر أول مرة من 1 إلي 22 يوليو 1944 عقب الحرب العالمية الثانية في غابات بريتون في نيوهامبشير بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد أنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1945 دعت للعمل علي تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي ويقع مقر الصندوق في واشنطن العاصمة الأمريكية ويديره أعضاؤه الذين يشملون جميع بلدان العالم تقريبا بعددهم البالغ 186 بلدا. حينها اجتمع أعضاء وفود 44 بلدًا لإنشاء مؤسستين تحكمان العلاقات الاقتصادية الدولية وكان تركيزهما منصبا علي تجنب تكرار الإخفاقات التي مني بها مؤتمر باريس للسلام الذي وضع نهاية للحرب العالمية الأولي، فرؤوا أن تأسيس بنك دولي للإنشاء والتعمير من شأنه العمل علي استعادة النشاط الاقتصادي وأن إقامة صندوق نقد دولي من شأنه المساعدة في استعادة قابلية تحويل العملات والنشاط التجاري متعدد الأطراف، وبالنسبة لكل من جون ماينارد كينز، رجل الاقتصاد الذي ترأس وفد بريطانيا، وهاري ديكستر وايت، صاحب الإسهام الأكبر في صياغة اتفاقية تأسيس الصندوق ممثلا للوفد الأمريكي، كان المبدأ الحافز لإنشاء الصندوق هو تحقيق النمو الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية بإنشاء مؤسسة تحول دون الانعكاس إلي هوة الانغلاق والحماية، وليس فقط تجنب تكرار الكساد الكبير الذي حدث بسبب الحرب. ويتحدد دورالصندوق في كونه المؤسسة المركزية في النظام النقدي الدولي- أي نظام المدفوعات الدولية وأسعار صرف العملات الذي يسمح بإجراء المعاملات التجارية بين البلدان المختلفة. ويستهدف الصندوق منع وقوع الأزمات في النظام عن طريق تشجيع البلدان المختلفة علي اعتماد سياسات اقتصادية سليمة، كما أنه - كما يتضح من اسمه - صندوق يمكن أن يستفيد من موارده الأعضاء الذين يحتاجون إلي التمويل المؤقت لمعالجة ما يتعرضون له من مشكلات في ميزان المدفوعات، تتضمن الأهداف القانونية لصندوق النقد الدولي تيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية، وتحقيق استقرار أسعار الصرف، وتجنب التخفيض التنافسي لقيم العملات، وإجراء تصحيح منظم لاختلالات موازين المدفوعات التي تتعرض لها البلدان. ولتحقيق هذه الأهداف، يقوم الصندوق بما يلي: • مراقبة التطورات والسياسات الاقتصادية والمالية في البلدان الأعضاء وعلي المستوي العالمي، وتقديم المشورة بشأن السياسات لأعضائه استناداً إلي الخبرة التي اكتسبها منذ تأسيسه. • إقراض البلدان الأعضاء التي تمر بمشكلات في موازين مدفوعاتها، ليس فقط لإمدادها بالتمويل المؤقت وإنما أيضاً لدعم سياسات التصحيح والإصلاح الرامية إلي حل مشكلاتها الأساسية. • تقديم المساعدة الفنية والتدريب في مجالات خبرة الصندوق إلي حكومات البلدان الأعضاء وبنوكها المركزية. ومن مجمل مهام صندوق النقد الدولي التي يختلف عليها الخبراء إشرافه علي السياسات الاقتصادية للبلدان الأعضاء بأداء الاقتصاد ككل - وهو ما يشار إليه في الغالب بأداء الاقتصاد الكلي ويشمل هذا الأداء.. الإنفاق الكلي (وعناصره الأساسية مثل الإنفاق الاستهلاكي واستثمارات الأعمال) والناتج وتوظيف العمالة والتضخم، وكذلك ميزان المدفوعات في البلد المعني- أي ميزان معاملاته مع بقية العالم. ويركز الصندوق أساساً علي السياسات الاقتصادية الكلية للبلدان - أي السياسات المتعلقة بميزان الحكومة، وإدارة النقد والائتمان وسعر الصرف - وسياسات القطاع المالي بما في ذلك تنظيم البنوك والمؤسسات المالية الأخري والرقابة عليها، وإضافة إلي ذلك يوجه صندوق النقد الدولي اهتماماً كافياً للسياسات الهيكلية التي تؤثر علي أداء الاقتصاد الكلي- بما في ذلك سياسات سوق العمل التي تؤثر علي سلوك التوظيف والأجور، ويقدم الصندوق المشورة لكل بلد عضو حول كيفية تحسين سياسته في هذه المجالات، بما يتيح مزيداً من الفاعلية في السعي لبلوغ أهداف مثل ارتفاع معدل توظيف العمالة، وانخفاض التضخم، وتحقيق النمو الاقتصادي القابل للاستمرار- أي النمو الذي يمكن أن يستمر بغير أن يؤدي إلي مصاعب كالتضخم ومشكلات ميزان المدفوعات. يذكر ان صندوق النقد الدولي مسؤول أمام بلدانه الأعضاء، وهي مسؤولية تمثل عنصراً لازماً لتحقيق فاعليته، ويتولي القيام بأعمال الصندوق اليومية مجلس تنفيذي يمثل البلدان الأعضاء البالغ عددها 183 بلداً، وهيئة موظفين دوليين يقودهم المدير العام وثلاثة نواب للمدير العام علماً بأن كل عضو في فريق الإدارة يتم اختياره من منطقة مختلفة من العالم، وتأتي الصلاحيات المفوضة للمجلس التنفيذي في تسيير أعمال الصندوق من مجلس المحافظين، صاحب السلطة الإشرافية العليا. ومجلس المحافظين، الذي يضم ممثلين لكل البلدان الأعضاء، هو صاحب السلطة العليا في إدارة صندوق النقد الدولي، وهو يجتمع في العادة مرة واحدة سنوياً خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ويقوم كل بلد عضو بتعيين محافظ ذ عادة ما يكون هو وزير المالية أو محافظ البنك المركزي في ذلك البلدذ ومحافظ مناوب، ويبت مجلس المحافظين في قضايا السياسات الكبري، ولكنه فوض المجلس التنفيذي في اتخاذ القرارات المتعلقة بأعمال الصندوق اليومية، ويجري النظر في قضايا السياسات الأساسية المتعلقة بالنظام النقدي الدولي مرتين سنوياً في إطار لجنة من المحافظين يطلق عليها اسم اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية ، (وهي التي كانت تعرف باسم اللجنة المؤقتة حتي سبتمبر 1999)، أما لجنة التنمية، هي لجنة مشتركة بين مجلس محافظي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فهي تقدم المشورة إلي المحافظين وترفع إليهم تقاريرها حول سياسات التنمية والمسائل الأخري التي تهم البلدان النامية. ويتألف المجلس التنفيذي من 24 مديراً، ويرأسه المدير العام للصندوق، ويجتمع المجلس التنفيذي عادة ثلاث مرات في الأسبوع في جلسات يستغرق كل منها يوماً كاملاً، ويمكن عقد اجتماعات إضافية إذا لزم الأمر، وذلك في مقر الصندوق في واشنطن العاصمة وتخصص مقاعد مستقلة في المجلس التنفيذي للبلدان المساهمة الخمسة الكبريذ وهي الولاياتالمتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة ذ إلي جانب الصين وروسيا والمملكة العربية السعودية، أما المديرون الستة عشر الآخرون فتتولي انتخابهم مجموعات من البلدان تعرف باسم الدوائر الانتخابية (constituencies) لفترات مدتها عامان. تتجمع موارد صندوق النقد الدولي من اشتراكات الحصص (أو رأس المال) التي تسددها البلدان عند الانضمام إلي عضوية الصندوق أو في أعقاب المراجعات الدورية التي تزاد فيها الحصص. وتدفع البلدان 25% من اشتراكات حصصها بحقوق السحب الخاصة أو بإحدي العملات الرئيسية، مثل دولار الولاياتالمتحدة أو الين الياباني ويمكن للصندوق أن يطلب إتاحة المبلغ المتبقي، الذي يدفعه البلد العضو بعملته الوطنية، لأغراض الإقراض حسب الحاجة وتحدد الحصص ليس فقط مدفوعات الاشتراك المطلوبة من البلد العضو، وإنما أيضاً عدد أصواته وحجم التمويل المتاح له من الصندوق ونصيبه من مخصصات حقوق السحب الخاصة والهدف من الحصص عموماً هو أن تكون بمثابة مرآة لحجم البلد العضو النسبي في الاقتصاد العالمي، فكلما ازداد حجم اقتصاد العضو من حيث الناتج وازداد اتساع تجارته وتنوعها، ازدادت بالمثل حصته في الصندوق والولاياتالمتحدةالأمريكية، أكبر اقتصاد في العالم، تسهم بالنصيب الأكبر في صندوق النقد الدولي حيث تبلغ حصتها 17.6% من إجمالي الحصص. أما سيشيل، أصغر اقتصاد في العالم، فتسهم بحصة مقدارها 0.004% وقد بدأ تنفيذ ما خلصت إليه مراجعة الحصص (الحادية عشرة) في يناير 1999، فازدادت الحصص في صندوق النقد الدولي (لأول مرة منذ عام 1990) بمقدار 45% تقريباً لتبلغ 212 بليون وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 290 بليون دولار أمريكي).