التآلف والانسجام بين الأشخاص..صعب في حالات كثيرة، إنما التآلف والانسجام الفكري قد يحدث بنسبة ما، لكن حين مناقشة هذه الظاهرة علي مستوي الفن التشكيلي، لابد من وقفة لأسباب عديدة أهمها أن الفن التشكيلي هو فن ذاتي تماما والفنان يكون مسئولا مسئولية كاملة عن عمله الفني، بالتالي مشروعه الفني ورؤيته يخصه هو في ذاته، لذلك حالة التكامل والتآلف التي سيعيشها كل متلق بمعرض "جدلية الإنسان والأرض" للفنانتين رانيا الحكيم ووفاء النشاشيبي الذي افتتح مؤخرا بقاعة إيزيس بمتحف محمود مختار، حتما ستصيبه بالدهشة! أولي علامات التآلف بين هذه الأعمال الفنية تشابه الباليتة اللونية فيما بين الفنانتين، حيث وازنت كلتاهما ما بين الألوان الدافئة والباردة بأعمالهما، لتعطي إحساسا بالحميمية لدي المتلقي، مما يحقق راحة بصرية له وإضفاء روح وحالة عامة علي المعرض. التكامل لديهما أيضا يبرز في التناول للعمل الفني، فالحكيم تتناول العناصر والكتل الهندسية في محاولة منها للاقتراب من الشكل التجريدي للعمل، فتتعامل مع المسطح الأبيض ذي الأبعاد المربعة أحيانا والمستطيلة أحيانا أخري كجملة ناقصة، تستكملها هي بأشكال هندسية أخري بمساحات لونية صريحة في الأغلب، وأحيانا ما تحاول اللعب بملمس اللوحة، قد تكون مساقط أفقية للكرة الأرضية من أعلي وقد تكون لقطة مقربة من جزء ما بالأرض، أما النشاشيبي فهي تتناول العناصر والكتل العضوية والتي تشخصها كأشخاص كاملة أو بورتريهات، لكنها تتعمد تمويه ملامحها لمزيد من الحرية للمتلقي في التعامل معها كما يريدها، دون أن تفرض عليه أشخاصا بعينها قد لا يهتم بالتعرف إليها. عن بداية فكرة التعاون بينهما تقول الحكيم: "بدأت هذه الفكرة بالصدفة، وتم العمل عليها كمشروع لتطويرها واختبار إمكانياتها الفنية في شكل فني معاصر، الصدفة حينما كنا نعمل سويا في مرسم واحد، نستعرض بعض لوحاتنا التي أنجزتها كل واحدة منا علي حدة، واندهشنا لمدي التقائنا الحسي العام المتكامل، رغم اختلاف عالمنا التصويري ومفرداته لكلتينا، فبدا لنا وكأنه حوار نريد استكماله ليكون شيئا واحدا أو وحدة واحدة، كعلاقة الإنسان والأرض". وأضافت: "الشيء الجديد لنا بالنسبة لنا في هذه التجربة أنها أتاحت لكل منا فرصة التخلي عن فكرة الأنا الذاتية، لكن يبقي لكل منا شخصيته وفرديته في نسيج واحد". عن رؤيتها لعلاقة الإنسان والأرض تقول النشاشيبي: "إن العلاقة بين الإنسان والأرض هي علاقة أزلية، ولقد تطورا معا وتغلبا علي كل الصعاب، مما جعل تحالفهما وحدة لا يمكن تفكيكها مما حفزني للتعبير عن هذه العلاقة، فكلما أمسكت بالفرشاة لأخط علي الكانفاس أجدني أمام مرآة تعكس الوجود الكبير، وأحاول أن أجد مكانا للكثيرين والكثيرين ممن شغلوا خاطري، ممن يملؤهم الحلم بتحقيق الاكتمال الداخلي والخارجي فكانوا متجذرين بالأرض كالأشجار معبرين عن جميع أشكال التماسك والصمود، واستمر الوجود بتحالف الإنسان والأرض".