أميمة عبد الشافى كاتبة مصرية ومصححة لغوية بدأت رحلتها مع الكتابة عام 1998 ونشرت قصصها فى العديد من الدوريات الأدبية المصرية والعربية وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان «بعض ما يعرفه الجميع» عن دار المحروسة. تملك أميمة لغة مميزة تجمع بين جموح الشعر وجزالة السرد، وتخلق حالة جدلية مع النص والقارئ تمنح كتاباتها خصوصية وتفردا. كما تهتم بنشر قصصها وكتابتها على مدونتها الإلكترونية، ومؤخرًا نشرت مجموعة من النصوص التى تستعد لإصدارها فى كتاب بعنوان «كتابة الخيال» عن رحلتها مع الكتابة والخيال دار معها هذا الحوار. = فى ظل نمط الحياة الذى نعيشه، والحضور القوى للصورة والعالم الافتراضى والتطور التكنولوجى الهائل تحول الخيال لمتن رئيسى للحياة، ماذا يعنى الخيال لك؟ - يشغلنى الخيال كمعنى لغوى منذ أعوام كثيرة، كنت دائما أبحث عن هذه القدرة على رسم كلمة ذات صوت ودلالات مثيرة لفتح آفاق بمجرد نطقها، بالطبع عند البحث اللغوى المحض نجد بعض التخريجات المقنعة عن ذلك فى علوم الأصوات والدلالات، لكننى بعد فترة تحول اهتمامى بالخيال كشريك حياتى يومى ذى قدرة على التعبير عن نفسه، هو كجزء آخر من ذاتى لا يراه الكثيرون وأحتاج لأن أسمعهم صوته وأرسمه لهم، ربما أصبحت مفردة الخيال مفردة مجسمة مع تطورات القضية الشهيرة لحبس أحمد ناجى مؤخرا - وهى القضية التى تجعلنا جميعا من كتاب وفنانين فى لحظة مربكة وغير آمنة مطلقا - لكن مع كل هذا الألم والإحساس بالعار من حبس «ناجي» أجد الخيال كمفردة يتجسم فى صورة الشخص/المبدع المرفوض من المجتمع، والذى يحاربه المحافظون والمخدوش حياؤهم لا أحمد ناجي، الذى للأسف الشديد يدفع ضريبة عنا جميعا داخل السجن منذ ما يزيد عن شهرين الآن. - النصوص تمزج بين بناء قصيدة النثر وروح القصة القصيرة ماذا تصنفينها؟ ولماذا اخترت لها هذا البناء تحديدًا؟ أجد نفسى دائما أدفع فكرة كون المجموعة شعرية عنها، أنا بالأساس كاتبة قصة، ومع تغير قناعاتى بفكرة الأنواع الأدبية مؤخرا، وتحررها من كثير مما تبنيته عمرا عن التخصص فى الكتابة؛ كنتيجة لتعاملى مع تجارب مهمة فى الكتابة عبر أكثر من نوع أدبي، وتحقق درجة عالية من الإتقان فيها رغم ذلك؛ كتجربة الشاعر السكندرى الكبير علاء خالد، والصديق الصحفى والكاتب محمد خير وغيرهم كثيرون، أقول أننى لم ألتفت إلى فكرة الكتابة تحت شكل قصيدة النثر، وأظن أنه سينالنى الكثير من التقصير لو حاولت قراءة نصوص كتابة الخيال عبر هذا التصنيف، لقد انطلقت فى البداية مما أعرفه، وهو كتابة القصة القصيرة، والسرد كان جزءا أصيلا من الحكاية، ببساطة لقد كتبت هذه النصوص كقصص بدرجة كبيرة. = رغم أن عنوان النصوص هى «الخيال» لكنها شديدة التماس مع الواقع، كيف ترين هذه الثنائية الواقع والخيال؟ - أقدم الخيال كبطل واقعي، جزء من تفاصيل الحياة اليومية، نمتلك القدرة على الكلام معه أو عنه أو سماع صوته، أو نعيد تدويره بما يتناسب مع المفقودات المتعددة على صعيد حياتنا اليومية، وبالتالى الخيال هو أمر واقعى فى منطق الكتابة، وصوته جزء من حياة معاشة لها تفاصيل إنسانية بشدة. = هناك حالة حوارية «ديالوج» لماذا اخترت هذا البناء؟ وإلى أى مدى يمثل لك الشعر صورة الآخر الذى يمنحنا مساحة الحضور التى نرغبها لا التى تفرض علينا؟ - كما ذكرت سلفا، أنا أستدعى الخيال كجزء غير مرئى من روحي، وأدير معه حوارا فى الغالب، ومن هنا جاءت حالة ال«ديالوج»، أنا كنت مهمومة فعلا بسماع صوته، ومشاركته فيما لا يصلح للمشاركة مع الموجودين بالفعل من حولى! بخصوص الآخر؛ فالكتابة عموما تخلق صورها بحرية جعلتها عرضة للحساب والملاحقة - كما أشرت من قبل - وعليه فالكتابة تتيح مساحات الحضور المناسبة لما تخلقه من آخرين حسب رغبتها المطلقة، التى وإن كانت مبنية على واقع محيط إلا أنها فى لحظة إرادة نادرة، تمتلك فيها المنح والمنع، والزهو أو الموت حسرة على الفرصة فى أحيان ربما. = فى ظل تصدر الرواية للمشهد الثقافى العام، كيف ترين وضع الشعر؟ وهل صارت الرواية هى ديوان العرب الحديث كما كان الشعر سابقًا؟ - فى الحقيقة أى مشهد - حتى الثقافى- له عدة زوايا يمكن النظر من خلالها، فالرواية تتصدر مشهد الجوائز وأفضل المبيعات، كما تتصدر مشهد الكتابات الرديئة الأكثر على الإطلاق فى السنوات الأخيرة، ومن زاويتي، أرى أن النوع الأدبى الذى يناسب التعبير عن الأفكار هو الذى يتصدر المشهد بالنسبة لأى كاتب فى كل لحظة، فالكتابة كفعل إبداعى، وسوق النشر والقراءة يفصل بينهما إيقاع زمنى متفاوت بشدة، فبينما يبدو عمر الكتابة بطيئا حتى أننا مازلنا نكتشف كتابا رحلوا عن عالمنا منذ سنوات بعيدة، نقرأهم ونترجم عنهم الآن بنفس شهية إنتاجنا لنصوصنا الخاصة، تتغير حال سوق القراءة والنشر فى كل عام أو عدة أعوام متقاربة، وتسود «موضات» سريعة تنتهى كما بدأت غالبا. أما عن ديوان العرب فأنا أنظر لهذا التعبير من منطلق لغوى أيضا؛ فالشعر كان ديوان العرب أى جامع كلماتهم وحافظها وصاحب جواز مرورها إلى الآخرين، فى وقت تباعدت فيه المسافات ووسائل الاتصال ومحافل العرض. بينما أرى أن القليل من الأعمال المكتوبة الآن تصلح كديوان للعرب، الذين تفصلهم آلاف الأميال عن اللغة العربية، التى لا تعبر عنهم، ولا تشتمل لغاتهم المحكية إلا على القليل منها، وبالتالى فالتجارب التى تحاول ابتكار لغة مغايرة، أقرب ما تكون للغة الحية التى ننطقها هى التى ستشكل ديوان العرب فعليا، ومنها تجارب غير روائية أهمها قصيدة نثر العامية، وطبعا روايات أظن مصنفى اللغة وحراسها سيقومون باستبعادها عند نظم ديوانهم المقدس كروايات الكاتب والمترجم نائل الطوخى والكاتب أحمد الفخرانى وحتى كرواية استخدام الحياة التى فجرت قضية ناجي!. = تبدو كتاباتك بعيدة عن أسلوب ونمط كتابات الفخرانى ونائل وناجى كيف ترين هذه المقابلة، وهل كونك امرأة وزوجة وأما يفرض قيودا عليك فى الكتابة، وتحديدًا استخدام مفردات لغوية قد تكون صادمة للبعض؟ - كانت إشارتى لكتابات الفخرانى ونائل وناجى بسبب كونها محاولات جادة لصناعة لغة روائية مغايرة وأكثر حياة وحيوية من كتابات أخرى بالعربية، وهناك الكثير من الأسماء مثل يوسف رخا، محمد ربيع، ياسر عبد اللطيف وغيرهم أيضا، لذا أنا لا أبحث عن أنماط متشابهة، أو أساليب للتقارب معها، أظن أن التفكير فى اللغة هم مشترك بين الكثيرين وأنا وكل من ذكرت من أسماء نقع تحت هذه الفئة المشغولة باللغة، وبالطبع الكثيرون غيرهم. بخصوص القيود الاجتماعية وتأثيرها على استخدامات اللغة أجد أن الأمر أبعد من كونى زوجة وأما، وحتى كامرأة، القيود ممتدة من الجذور، جذور النشأة والتعلم، لكننا بالأساس نقاوم هذه القيود، عند منتج اللغة (الكاتب) ومستقبلها (القارئ) وأنا لا أتجنب مفردات بعينها، لكن رؤيتى فى صناعة لغتى تستدعى ما أكتبه دون غيره، ويتدخل فيها رغما عنى معايير عدة، ربما مازلت بحاجة إلى التخلى عن بعضها، لكنه ليس بالأمر السهل. = فى النصوص سؤال متكرر عن ماهية اللغة، وفلسفتها كيف تتعاملين مع اللغة؟ - اللغة هى دراستى المتخصصة، حيث درست اللغة العربية فى جامعة الأزهر، وهى مدخل هام لى لأى قراءة أو كتابة، أنا أحاول غالبا أن استنطقها كما أفعل مع الخيال، هى غير مسموعة جيدا، يراها البعض مجرد «تابو» الفصحى التليد، بكل إشكالياته ومقدساته، ويراها البعض عدوا سخيفا، يعوقهم ويقلقهم، لكننى أتمتع بعلاقة طيبة مع اللغة، ومع الفصحى تحديدا، وأحب أن تثار حولها التساؤلات دائما، وأن تعاد إليها الحياة عبر حيوية النصوص المكتوبة بها، فى بداية مدونتى عن كتابات الخيال تحدثت عن ذلك وقلت «مدونة لكتابات الخيال، كتابات خالية من الحقائق، ومعتوهة ف الغالب، يكتبها الخيال بنفسه، وتكتبها اللغة عن الخيال، معنية بقدر كبير من الوهم والأحلام وكافة الأمور غير الحقيقية، تهتم بالعربية كثيرا، وتعتبرها رفيقة خيالية مبهجة، تكتب أحيانا تزجية للوقت، وتكتب كثيرا لنسج بيوت خيالية صالحة للسكن فيما بعد. كتابة الخيال مسئولية الخيال وحده، وهى ليست قصائد ولا قصصا، هى ما يريده الخيال فقط، كتابة ليلية ساكنة وقادرة على صنع ضجة منخفضة فى دماغ أو أكثر». وعنيت هذا تماما، اللغة والخيال رفيقى فى هذه الرحلة، واللغة هى رفيقتى الدائمة قبلا وبعدا. = كيف كانت تجربتك مع التعليم الأزهري؟ - أنت محق بشأن الصعوبة ومعاداة الخيال فعلا، لكنى على الرغم من هذا أعتبر أن تجربتى مع الدراسة الأزهرية كانت تجربة ثرية، وأنها وفرت لى موارد لم أكن لأقترب منها فى نظام تعليم آخر (طبعا مع قصر الاحتمالات على النظم المحلية) ذلك لأنها شكلت تحدٍ كبير للاختلاف، ووفرت فى هذا الوقت من منتصف الثمانينات وحتى بدايات الألفية آخر إمكانات التعليم المصرى لإنتاج طالب قارئ مع توفير مكتبات داخلية مهمة ولو على مستوى الكتب التراثية فقط، الدراسة الأزهرية أزعجتنى واقتصت كثيرا من حريتى ووقتي، وأورثتنى صراعات نفسية وحياتية كنت فى غنى عنها، لكننى لا أعتبرها تجربة سيئة بالنظر إلى طبيعة الحياة فى مصر، وشكل التعليم الرسمى ومنتجه المؤسف غالبا. = ما هو عملك القادم؟ - أعمل على مجموعة قصصية بعنوان «إسكندرية؛ قصص ورسايل من البحر» وهى مجموعة كتبت منذ أعوام، لكننى أخرجها بشكلها النهائى الآن، كما بدأت كتابة سردية عن الأمومة، لم أحدد لها قالبا أدبيا معينا، وأرجو أن تكتمل قريبا.د