كتبت الكاتبة السورية أنيسة عبود الشعر والرواية والقصة فامتازت بالأسلوب الأنثوي حيث عبرت عن أدق مشاعر الأنثي تري أن الشعر يجعلها أكثر هدوءاً بينما توترها الرواية. ومع ذلك تكتبها لأن الرواية كتاب الحياة. كما تمارس الكتابة الصحفية.صدر لها ديوانان شعريان "مشكاة الكلام" وقميص الأسئلة ومجموعتان قصصيتان هما"حين تنزع الأقنعة "و"حريق في سنابل الذاكرة "بالإضافة لرواية النعنع البري، وباب الحيرة وركام الزمن، ورصاصة إلي الأبد. ألتقينا بها فكان هذا الحوار: كيف ترين المشهد العربي الإبداعي بصفة عامة والسوري بصفة خاصة؟من الصعب إعطاء الحكم النهائي للمشهد الإبداعي العربي لأنه محكوم بالظروف العربية والعالمية التي تحيط بالمشهد الإبداعي.. إذ لا يكون هناك إبداع محلي خالص أو إقليمي خالص في التأثر والتأثير بالمشهد الإبداعي السائد بحكم العولمة و بحكم سهولة الاتصال والانتشار . ولكن نستطيع أن نجد في الإبداع العربي بعض الخصوصية التي تخص القضايا و المشاكل و المعوقات المترسبة في الذهنية العربية الذهنية الذكورية السائدة. وبالإجمال الإبداع العربي سريع حاليا بعد الفورة الشديدة التي سادت لسنوات عشر أو أكثر .أثبت المبدع العربي أنه موجود ولا يستهان بوجوده .أما المشهد السوري فهو جزء من المشهد العربي.. يحمل في سرده وهيكله وأفكاره ما يحمله الإبداع العربي لأنه وليد اختلاف بعض التفاصيل الصغيرة.. وعموما المشهد الإبداعي العربي بخير. قدمت الرواية فما الذي تحتاجه كي تصل للقارئ بسهولة ؟ وهل لدينا ما يمكن وصفه برواية ناضجة مستوفية الشروط الفنية والسردية ؟الرواية العربية رواية ناضجة. وهي مستوفية .برأيي معظم الشروط الفنية والسردية و الدليل انتشارها وترجمتها ونيلها الجوائز ولكن ربما تحتاج إلي أمة قارئة. أي إلي شعب قارئ يقدر الإبداع ويقدر الكتاب وليس شعباً تنتشر فيه الأمية و الجهل والفقر..لتصبح لقمة العيش هي السيف المسلط علي الرقاب.وقد نحتاج إلي الإعلام أو دعاية أكبر للكتاب.. لأننا نلاحظ زيادة عدد القراء تتناسب طردا مع شهرة الكتاب التي قد تفوق أهمية ونوعية الكتاب.. ولكن معايير هذا الزمن الاستهلاكي تختلف عن المعايير الحقيقية , ولن أزيد علي ما قاله جابر عصفور بأن الشهرة والانتشار لا تعني الجودة والأصالة فالأصيل شيء والرائج شيء آخر.. ازداد عدد كتَّاب الرواية في الفترة الأخيرة والبعض يكتبها في شهرين فما السبب في هذه الظاهرة وهل هذا استسهال لفن جاد ؟ازدياد عدد الكتَّاب لا يرتبط أبدا بالزمن الذي تكتب فيه الرواية. فهناك فارق كبير.لأن لكتَّاب الرواية عادات و طقوس وطباع بعضهم يكتب يوميا.وبعضهم يكتب بين فترة وأخري..والزمن الذي تستغرقه الرواية لا يعني بالضرورة التأثير علي أهمية وجودة الكتابة..الإبداع يكون أولا يكون سواء طال الزمن أو قصر.. أما زيادة عدد كتَّاب الرواية فهذا صحيح..لأن البعض يتخيل أنه بمجرد أن يكتب مئات الصفحات و يتذكر ماضيه ومدرسته وأحبته يصنع رواية..وبالتالي سيجد الكثير من دور النشر التي تتلقفه طالما أن الكاتب يدفع ويمول ما يهذي به.. مع ذلك هذه ظاهرة صحيحةلأن الزمن سيقوم علي فرز الجيد من الرديء ولو أنه في الفترة الأخيرة السلعة الرديئة انتشرت وذلك بفضل بعض النقاد الرديئين وبفضل بعض دور النشر التجارية .رواية السير الذاتية كيف ترين انتشار رواية السير الذاتية مؤخراً رغم أن متذوقيها محدودين ؟وإلي أي مدي يمكن للأنثي أن تكتب سيرتها ؟انتشار رواية السير الذاتية مؤخرا كان بسبب انتشار نوع من الكتابة الجديدة علي يد المرأة الكاتبة حيث تري في ذلك نوعا من التحدي والمواجهة والرفض. وأحيانا الندب..ولكن موجة الندب والتفجع والشكوي آن لها أن تغير مسارهاوذلك لأن ما يحدث الآن في المنطقة العربية وفي العالم من حروب وعطش وتحولات مناخية وتحولات أخلاقية ونفسية وتغير في العادات والتقاليد والجغرافيا يتطلب كتابة جديدة خارجة عن السائد والثابت والمألوف . والمرأة الكاتبة لم تنقصها الجرأة في كتابة سيرتها.. ولقد ضمت هذه السيرة في رواياتها وقصصها وأفكارها وهذا النوع من إثبات الوجود ومواجهة للكتابة الذكورية إنه صراخ جديد.ولكن آن له أن يأخذ منحي آخر .كتابة المرأة كيف ترين كتابة المرأة اليوم ولماذا ينظر لتلك الكتابة علي أنها سيرة ذاتية لها؟كتابة المرأة الآن تراوح مكانها عند بعض الكاتبات اللواتي لمعن في فترة معينة..خاصة كاتبات - رواية الجسد والسيرة الذاتية والقضايا النسائية البحتة وكأن المرأة لا قضية لها ولا هم سوي هم الجسد مع الاحترام الشديد للجسد ومع التأكيد علي دوره في تحرير الذات والفكر.. ولكن للمرأة هموم أخري وتلخيص كل همومها في الجسد وحده ..تلخيصا لوجود المرأة وتهميش لدورها الإنساني والوجودي والأخلاقي وكتابة الجسد هي التي أعطت المرأة هذا الانطباع، خاصة في مجتمع ذكوري يجب أن يقف وراء الأبواب إلي المرأة ويلغي عليها سردياتها , وأي منها وإليها وبالتالي يحرمها حق التخيل والابتكار. وفي ذلك ظلم للمرأة ولإبداعها .تمرد الأنثي تتصف كتابة الأنثي بالتمرد فعلام هذا التمرد ؟طبيعي أن تتمرد المرأة علي واقع طال فيه تهميشها وقمعها وإلغاؤها فهي تشبه السلع المحبوبة بالنسبة لرجل تحميه القوانين الذكورية السائدة وتحميه التقاليد وتعطيه الحق كل التشريعات السادية لذلك.. كان لابد من انتفاضة المرأة عبر الكتابة أي عبر الحروف التي حولت المرأة من كائن صامت إلي كائن موجود.. له تحقق وجوده و تفاعله مع مجتمع ذكوري, وهذا التفاعل والانخراط أدي إلي فتح الأبواب السرية التي كانت تنغلق علي الدين والجنس والسياسة ...وكم من النساء حوكمن وسجن. وطوردن بسبب فتح هذه الملفات وهذا كان ضرورة بالتأكيد . لتكون المبدعة في محل الطموح الذي يليق بهذا العصر . كيف ترين حركة الترجمة خاصة أن هناك من يكتب وعينه علي الترجمة؟للأسف.. حركة الترجمة لا تلبي طموحات المبدع العربي.. وهي تقتصر علي بعض المستشرقين وبعض دور النشر العربية.. والتي تأخذ غالبا لأسماء معينة من التراث ولبعض الأسماء التي ترسخت و تحولت إلي أسماء سلطوية .لها علاقاتها و شبكاتها و اتصالاتها.. وبهذه الحالة نجد الكتَّاب خاصة من جيل مابعد 1990 تحتاج إلي مؤسسات الدولة لتدعم مشروع الترجمة من العربي إلي اللغات الأخري .. كي يسمع الآخرون صوتنا.ألم يذكر أحد الحكماء (تكلم يا هذا كي أعرفك ) يجب أن يعرفنا الغرب من خلال إبداعنا الحقيقي الذي هو مرآتنا . ما السؤال الملح الذي ينبغي أن يثيره الإبداع الحالي؟للإبداع الخيار الحر في أن يثير أسئلة لا تنتهي ..وكل سؤال مهم . مهما يكن ..طالما يسأل .إذن السؤال حراك و زعزعة للسائد لكن الأسئلة تختلف باختلاف المبدع ..في ورقتي لمؤتمر الرواية الأخيربالقاهرة.. ذكرت بعض هذه الأسئلة التي أراها أنا.منها ..سؤال الهوية .. سؤال اللغة .. سؤال البيئة وسؤال الوجود أي الأسئلة التي تواجه الإلغاء والذوبان في ثقافة وهوية الآخر . هل أثر النت سلبا أم ايجابيا علي الإبداع ؟-النت سلاح ذو حدين و الجواب عليه متضمن في المدونات إلا أن أهم إيجابية للنت هو السرعة في ايصال المعلومة والسرعة في التواصل مع الآخر و بالتالي كسر الرقابة وكسر الحدود وفتح الأبواب المغلقة علي كل الآداب العالمية .. الإنترنت ساعد علي أن يتبادل الكتَّاب نتاجهم و علي أن يتلقي الكاتب هذا النتاج سواء كان رديئا أو جيدا أو كان ماحيا ولاغيا للكثير من المعتقدات و الرموز لكل مجتمع . كيف ترين الجوائز العربية وهل كثرتها مؤشر حقيقي علي وجود حركة إبداعية؟بعض الجوائز خطرة لأنها تخدم مشروعا معينا . ولها غايات محدودة ومحاولة الإلتواء بالمسارات القومية والوطنية. وبعضها مهم جدا لأنه يساهم في رعاية المبدع والإبداع وتقدير التميز وخلق الجو التنافسي. بعد أكثر من نصف قرن هل اكتسبت قصيدة النثر شرعيتها؟قصيدة النثر موجودة ..وفاعلة ومقروءة .. وهي متصالحة مع نفسها وقرائها وعصرها وأنا من محبي قصيدة النثر حتي لو لم نلق عليها تسمية قصيدة . هي كتابة جميلة تحفر في الخيال و الفكرة والصورة .. وفيها الجيد وفيها الرديء لماذا اخترت الشعر كلون للتعبير عن إبداعك في البداية وهل الشعر يرسم ملامح صاحبه ؟الشعر صديقي لم أختره هو الذي اختارني فنشرت ديوانين (مشكاة الكلام) و (قميص الأسئلة) وسأنشر الثالث قريبا. إذن كيف كان التحول من الشعر إلي القصة ثم الرواية ؟لم أتحول عن الشعر مازلت أكتبه و لدي أكثر من ديوان مطبوع الآن لأنه بالنسبة لي يجمل حياتي و يجعلني أكثر هدوءا بينما الروايه تجعلني أكثر توترا.أنا ألوذ بالقصيدة والجأ إليها عندما تضيق السماء ويصير البحر كوب ماء علي طاولتي، أما الرواية فهي بريتي الواسعة التي أركض فيها فأبعثر بين منحنياتها الأسئلة الجارحة التي لا أقدر أن أطرحها إلا عبر شخصيات أخلقها لأروضها أو لأنتقم منها . في ظل تصدر الرواية للمشهد الأدبي هل انتهي زمن الشعر؟الشعر لا ينتهي.. طالما المخيلة موجودة والدهشة موجودة . هل علي الأديب أن يتمتع برؤية مستقبلية ؟علي الأديب أن يمتلك الرؤية والرؤي .. والمشروع الخاص به حتي يكون مبتكرا و مجددا ومتسائلا . أخيراً ما الذي يدفعك للكتابة والإبداع ؟لا أكتب كغيري بشكل يومي.. أنا لا أجبر الحروف لتملأ الورق ولا ألوي عنق المخيلة.. أنا أكتب عندما تلطمني الفكرة وترفع بي إلي الكتابة أو الغضب أو البكاء .. وتنهمر الحروف وحدها علي البياض..أشعر أن ثقلا في رأسي وعلي صدري ولا يذهب هذا الثقل إلا إذا حملته الحروف عني.