أكثر من 3 ملايين ونصف المليون مشاهدة لأغنية «القاهرة» لعمرو دياب ومحمد منير، منذ إطلاقها قبل نحو شهر من الآن، وفق ما سجله موقع اليوتيوب كمشاهدات من كل أنحاء ليس فقط الوطن العربى بل كل العالم، فهل تليق هذه المشاهدات بالعالميين «الهضبة» و«الكنج»؟ تعمدنا ألا نتحدث عن الأغنية أو تفنيدها - كمواطنين عاشوا وتربوا وولدوا فى عاصمة أم الدنيا – طوال الفترة السابقة ومنحناها وقتها للحكم عليها، لا نستطيع أن نتخيلها كفيديو كليب صور بأحد فنادقها على الكورنيش، فقط يُظهر جزءا من نهر النيل وبرج القاهرة ودار الأوبرا المصرية وبعض الفنادق، فهل هذه القاهرة التى نعرفها بأغانيها ومواويلها وتهواها ما تنساها؟! لا ننكر مدى إعجابنا بالنجمين دياب ومنير، وما نكنه لهما كثير، لكن هل حققت «قاهرتهما» الهدف؟ هل روجت لعاصمة العرب وقبلة المثقفين ومنبع الحضارات «قاهرة المعز»؟ هل حقا من يتابع قاهرتكم سيتذكرها؟ هل أظهرت التمازج الثقافى، الحضارى والعقائدى بين سكانها؟ لا نتحدث عن القاهرة القديمة أو الفاطمية، نتحدث عن قاهرتنا الحديثة أيضا، أين أشهر شوارعها وحدائقها؟ أين قلعة صلاح الدين كشاهدة على شموخها ومسجد محمد على كشاهد على تراثها؟ أين مدينة الأديان ومجمعها فى مارجرجس بكنيسته المعلقة؟ أين مسجد عمرو بن العاص بساحته؟ أين شوارع الأزهر والغورية والحسين وخان الخليلى والمعز وشوارع حى الجمالية بمقاهيها ومطاعمها وسهراتها على «الفيشاوى» و«نجيب محفوظ» و«ولى النعم»، على وجبة من الدهان الكبابجى وفرحات وفطاطرى الحسين وغيرهم؟ هذه ليست دعاية لأحد، إننا نتحدث عن مكان تفوح منه رائحة ذكريات تعيش داخل كل مصرى وعربى وشرقى وغربى. أين المتحف المصرى من قاهرتكم بكل ما فيه؟ أين شجرة السيدة مريم العذراء بحى المطرية من قاهرتكم؟ أو تعلمون أن عاصمة مصر القديمة كانت «عين شمس»؟ أو تعلمون أن هناك آثارا مازالت واقفة شامخة كانت تستحق لقطة من قاهرتكم فى هذا الحي؟ قاهرتنا ليست عتيقة شعبية فقط، وإن كانت فليس من حق أحد أن يدفن جمال ماضيه، قاهرتنا فيها ذكريات، فهنا فى حى مصر الجديدة أو هليوبولس كما يطلق عليه سكانه القدامى والتى تعنى مدينة الشمس باليوناني، نجد قصر البارون إمبان المبنى قبل أكثر من 100 عام على طراز لن تجد مثله فى قاهرتكم، ستجد سينما روكسي، نورماندي، هليوبولس و«الحمراء» بشوارع وتراث معمارى بذوق عالٍ ولا ننسى الكوربة بمقاهيها ومطاعمها وممراتها ومحلاتها. قاهرتنا فيها حديقة الميرلاند، لو تعلمان كيف أصبحت وأن لقطة لها فى أغنيتكما كانت لربما تعيد لها الحياة. قاهرتنا مليئة بالمراكز التجارية «المولات»، كانت تحتاج للقطات بسيطة لنعرف روعتها ومدى قربها من القاهريين وغيرهم واسألوا حى مدينة نصر. قاهرتنا فيها حى المقطم، فقدتم الكثير من إبهار المنظر لعدم تصوير تفاصيل القاهرة من أعلاه، وذكريات كل قاهرى بحفلات الشواء على صخوره، أين قاهرتكم من هذه اللقطات؟ هل فكرتم فى لقطات لطريق المطار ومترو الأنفاق؟ التاكسى الأبيض، لقطات ولو ثانية بثانية، تناغم يستعرض مكونات المصريين فى عاصمتهم وخدماتهم. أين عسكرى المرور فى قاهرتكم؟ أين سايس انتظار السيارات؟ أين الحالة المصرية فى شوارع القاهرة؟ وأين المآذن فى مدينة الألف مأذنة؟ نعلم أنه كلما زادت الوجهات والمواقع التى نذهب ونصور بها، كلما زادت المصروفات وربما غضب المنتج، لكن عليه أن يعلم أن عملا كهذا يستحق، لأنه توثيق لأجيال قادمة. أين قاهرتكم من عرض مجمعات تسويقية على أعلى المستويات كال «داون تاون» و«كايرو فستيفال سيتي» و«إيكيا العالمية» فى القاهرة الجديدة، أوليست هذه لقطات كانت تستحق أن تظهر فى قاهرتكم؟ أو ليست لقطات مسوقة وجاذبة؟ أين قاهرتكم من الأندية وجمهورها، أو ليست حالة قاهرية كانت تستحق لقطة فى قاهرتكم؟ قاهرتنا يعيش فيها أكثر من 10 ملايين مصرى على مساحة 453 كم مربع - ضعف مساحة واشنطن عاصمة أمريكا مرتين تقريبا، قاهرتنا تضم 37 حيّا، قاهرتنا فيها الغنى والفقير ومتوسط الحال، قاهرتنا لم تكن لتؤذيكم لو صورتم فى شوارعها، كانت ستؤمنكم بأبنائها قبل رجال أمنها، فقط تمنينا لو سعيتم لإعادة اكتشافها. قاهرتكم شاهدناها فى 5 دقائق، لو أن كل 20 ثانية فيها قسمت لمكان من القاهرة سواء القديمة أو الحديثة، لنجحتم فى إبراز جمالها والترويج لها، القاهرة بشوارعها وأحيائها «القديمة والجديدة» تستحق أوبريتا يضم مطربين من أبناء القاهرة لتسترجع معهم ذكرياتك بألوان مختلفة ونكهة أصيلة نحتاجها بإلحاح هذه الأيام وليس مجرد أغنية بمشهدين. اعذرونا، فالقاهرة ليست جناحا فى فندق «كمبينيسكي» على النيل، وليست نيلا وبرجا وأوبرا أمام كاميرا لا تلتقط غيرها، القاهرة ليست «داى يوز» فى فندق يا سادة.