توضح تقارير منظمة الصحة العالمية حجم المأساة بخصوص أعداد القتلى والمصابين نتيجة حوادث الطرق فى مصر(المحروسة)، إذ يبلغ عدد القتلى سنويا مايتجاوز ال 15 ألف قتيل، أما المصابون فيتجاوز عددهم سنويا 50 ألف مصاب، كما توضح التقارير أن معدل هذه الحوادث أعلى كثيرا من معدلاتها فى دول أخرى شبكة طرقها أكثر سوءا من شبكة الطرق المصرية. برأيى أن المسألة ليست لها علاقة مباشرة بسوء شبكات الطرق أو جودتها، بل بمدى قدرة «الدولة» على تطبيق «قوانين المرور» على الأرض. أتذكر أننى تحاورت مع أحد ضباط المرور وبرفقته مساعده عند ميدان لبنان منذ عامين تقريبًا، لفت نظرهما إلى هذا الكم الهائل من «اليفط الدينية» التى تغطى أجساد السيارات المارة أمامهما وتلك مخالفة قانونية، فما كان جواب «المساعد» إلا أن قال «وإيه مشكلتك انت مع اليفط الدينية؟!». إن عدم جدية وزارة الداخلية فى تفعيل قوانين المرور ومنها حظر «اليفط الدينية» على اجساد السيارات من شأنه ترسيخ التمييز الطائفى بين أبناء الوطن الواحد، فالمسلم يصر على الإعلان عن هويته الدينية - ولو خالف القانون - فيضع يفطاً من قبيل «فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين» أو «الشهادتين» وتحتهما السيف البتار، بينما يعمد المسيحى إلى الرد فيضع يفط «jesus» أو «أم النور» أو «ربنا موجود»، وكل ذلك مخالف لقانون المرور. لكن السؤال الأهم: لماذا لم تفلح تلك اليفط الدينية (الحافظة) فى الحفاظ على حياة المصريين على الطرقات؟ لماذا لم يفلح تشغيل «إذاعة القرآن الكريم» بالميكروباص والمينى باص، بل وبأوتوبيسات هيئة النقل العام، لماذا لم تفلح فى إيقاف نزيف دماء المصريين على الأسفلت؟ أيكون العيب فى هذه النصوص الدينية أنها لا تستطيع الحفاظ على حياة المصريين؟ أم ترى أن العيب فى إذاعة القرآن الكريم التى يشغلها قائدو السيارات ليل نهار لم توفر الحماية لقائدى السيارات ومن معهم من الركاب؟ أظن أن طرح السؤال بهذه الكيفية خطأ، فالمسألة ليست مرتبطة بوضع اليفط الدينية أو إزالتها - وإن كان إزالتها واجبًا قانونيًا على وزارة الداخلية و«الدولة المصرية» - أو تشغيل إذاعة القرآن أو عدم تشغيلها - وإن كان يجب عدم شغل آذان السائق ووعيه عن الانتباه للطريق - إن المسألة مرتبطة بتقاعس وزارة الداخلية عن تطبيق المرور برمته على أرض (المحروسة)، هل تعلم الوزارة أن معظم السيارات التى تسلك طريق المحور من ميدان لبنان إلى مدينة 6 اكتوبر تتجاوز سرعة ال 90، وهى السرعة المقررة قانونا إلى سرعات ال 120 و ال 130 كيلو متر فى الساعة؟ يقينا تعرف الداخلية هذا من «الرادار»، لكن ما فائدة الرادار؟! يقولون تصوير السيارات المخالفة للسرعة! (يا فرحتى)، ما فائدة أن أصور سيارة خالفت السرعة القانونية مما أدى إلى هذا الحادث الذى تسبب فى قتلى ومصابين ولا أعمد إلى منع حدوث الكارثة قبل وقوعها من خلال «موتوسيكلات كمائن» تجرى وراء السيارات المخالفة للسرعة فتوقفها وتوقع عليها المخالفة الواجبة؟ بل وتسحب من قائدها رخصة القيادة فورا؟ إن وضعا كذلك يعطى وزارة الداخلية لقب «وزارة جمع الجثث» لا وزارة الحفاظ على حياة المواطن!. إن صور مخالفة قائدى السيارات لقانون المرور فى مصر متعددة، فهذا يسير عكس الأتجاه، وذلك يشغل فلاشة أو دى جى أو راديو السيارة بصوت يصم الآذان، دون مراعاة لأية قواعد مرورية أو إنسانية، فلربما أكون طالبا يسترجع دروسه قبل دخول الامتحان أو محاميا أضع لمسات مرافعتى بذهنى قبل التوجه للمحكمة أو أكون مسيحيا تسمعنى إذاعة دينية إسلامية مرغما! لقد فقدنا أهم قيم كانت تميزنا قديما قيم الإحساس بالآخر / الواجب / الرحمة / الإخاء / العطف / المحبة. لقد بات الشارع المصرى عذابا يوميا للمارة ولراكبى السيارات، حدث ولا حرج عن فوضى الميكروفونات والديجيهات، عشوائيات الباعة الجائلين، عشوائيات الباعة سارقى الارصفة ويحمى السارق منهم سرقته بتشغيل «إذاعة القرآن الكريم» حتى يخجل من يساءله عن مخالفته وبعد قليل يحصل على لقب «شيخ»، عشوائيات البناء وسرقة الأرض الزراعية إلخ إلخ، حياة المصريين جميعا أصبحت عشوائيات يضرب معظمنا القانون بالحذاء، لأنه ببساطة «من أمن العقوبة أساء الادب». ما الحل؟، الحل أن تعود «الدولة المصرية» لتضع قدميها ثابتتين على الارض، الحل فى تطبيق القانون بصرامة، إن تقاعس الدولة عن تطبيق القانون يفقدها مباشرة لفظ «دولة»، وعندما تفقد الدولة لفظ «دولة» تستطيع ان تنعتها بما تريد، ولقد أحسن الرئيس عبد الفتاح السيسى وصف الدولة المصرية فى مداخلته التليفونية على الهواء لبرنامج «القاهرة اليوم» يوم 1 فبراير 2016 عندما قال بالنص «نحن نعيش فى بقايا دولة» (خبر نشرته جريدة روزاليوسف عدد الاربعاء 3 فبراير 2016). نعم يا سيادة الرئيس، نحن لا نعيش فى دولة بالمعنى العلمى، وصفك صحيح، لكن أتعلم سيدى الرئيس السبب؟ السبب اننا لا نطبق القانون مثلنا مثل أى «دولة حقيقية» بالعالم المتقدم من حولنا، تطبيق القوانين على الجميع بعدالة وصرامة سينقل مصر إلى حالة «الدولة»، وبدون هذا الحل البسيط سنظل نتقافز جميعنا.