هناك نوعان من أعداء المرأة فى بلادنا.. النوع الأول هو المكفرون والظلاميون من الإخوان والسلفيين وفقهاء التحريم والتجريم الذين مازالوا- رغم اندحار حكم الإخوان- ينتشرون فى وسائل الإعلام مواصلين رسالتهم المقدسة بتكفير.. وازدراء المرأة واعتبارها عورة من رأسها حتى أخمص قدميها حتى أن أحدهم أفتى أن وجهها مثل فرجها عورة.. ويسعى لحرمانها من حقها فى التعليم والعمل.. ومازالوا يروجون لزواج القاصرات ومشروعية الختان. وهناك أيضا نوع آخر من أعداء المرأة من الأدباء.. والمفكرين فى الماضى والحاضر.. والأسماء الشهيرة منهم تشمل «توفيق الحكيم» و«عباس العقاد» و«أنيس منصور».. و«أحمد رجب». وهى عداوة لم تكن تستهدف سوى جذب اهتمام النساء وإثارة فضولهن لقراءة أعمال الكاتب الذى يناصبهن العداء.. أما الآن فإن أعداء المرأة شرسون.. عداوتهم نابعة من نظرة عنصرية بغيضة ترى أن الطبيعة حبت الرجل بمميزات تجعله أفضل من المرأة.. وبناء عليه فإن عداوة بعض الأدباء للمرأة كانت عداوة من النوع الرقيق المسالم. فهل ينطبق مثل هذا الكلام على المفكر الكبير «عباس العقاد» وهل السبب الذى عرف عنه بعداوته للمرأة مرجعه هو عزوفه عن الزواج طيلة حياته بالإضافة إلى بعض التجارب السلبية مع المرأة.. وخاصة تلك التى سجلها فى رواية «سارة».. أم أن تلك العداوة هى محصلة رؤيته الفكرية وقناعاته الثقافية وآراه التى تحمل تصورا عنصريا متعصبا.. والتى نستبعد أن تكون مجرد مداعبة رقيقة مسالمة تنتج أدبا مشاكسا ساخرا.. فليس هناك اختلاف كبير بين رؤيته للمرأة ورؤية المتشددين والمحافظين والسلفيين.. اللهم أنه لا يقحم الأمور الدينية والفقيه فى تدعيم منهجه.. بالإضافة إلى اعتماده على الاستقراء والاستيطان وعلم المنطق عموما لتوضيح وجهة نظره التى يدعمها بضرب الأمثلة الحية. فهو يرى مثلا فى كتبه المهمة مثل «اليوميات» و«بين الكتب والناس» و«هذه الشجرة» وغيرهم أن الفوارق بين الجنسين حقيقة لا تنقضى بانقضاء زمن من الأزمان وليس الخطأ فى إدراك هذه الفوارق مجرد خطأ عرضى فى مسألة من المسائل العقلية.. ولكنه هو خطأ البداهة التى ألزم للإنسان من التفكير.. فنحن لا نخال أن الإنسانية تشقى هذا الشقاء الذى ابتليت به اليوم لولا أنها فقدت البداهة الهادية وظهر فقدانها لها فى انحرافها بالمرأة عن مركزها الصحيح.. أى أن «العقاد» يرى أننا لا نحتقر المرأة حينما نقول إن بينها وبين الرجل فوارق فى الأخلاق وفى التفكير حينما نقول إن لها وظيفة مستقلة تغنيها عن الاشتغال بوظيفة الرجل فى جميع أعماله.. فهى عندهم لا شىء ما لم تكن كالرجل فى كل شىء.. والاختلاف بين الرجل والمرأة فى الأخلاق لا يقتضينا أن نزعم أنها أرحم منه أو أقصى، وأنها أسلم منه أو أسوأ، وأنها أصلح منه أو أفسد، ولكننا نقرر الواقع حينما نقول إن أخلاقها تغلب فيها «الغريزة» على «الإرادة».. وأن أخلاق الرجل تغلب عليه «الإرادة» على «الغريزة».. ومن هنا تبلغ المرأة غاية الرحمة كما تبلغ غاية القسوة مع «الغريزة» المتغلبة عليها.. ولا تزال من أجل ذلك عرضة للتناقض الذى جعلها عند بعض الناس لغزا من الألغاز. كما أن المرأة ليس بأسلم جانبا من الرجل لأنها أميل منه إلى الشحناء والشجار، فربما أتفق مائة رجل على الخطب المتفاقم الجسيم، ولم تتفق إمرأتان على الهنة الواهية الطفيفة، وقد أغناها عن أن تكون مجرمة بنفسها أنها تجرم بيد غيرها، لأن أكثر الجرائم إنما يقع بسببها ولأجلها، فهى تدرك ما تشاء من الجريمة دون أن تحتمل تبعتها، وقلما تقع مصيبة كارثة إلا كان وراؤءها وطرا لإمرأة تقضيه بيد المجرم بعيدة عما يتعرض له من العقاب، وهى وإن كانت أقل من الرجل عبثا وإجراما فما هى بأقل منه خطايا وآثاما. أما الفوارق العقلية بين الجنسين فمن المكابرات التى لا تفهم لها معنى أن يقال أن هذه الفوارق لم تثبت بعد لأن المرأة كان محجورا عليها فى القرون الماضية.. فإن الحجر نفسه دليل على التفوق.. وهيهات أن يتفق جميع الرجال أن يحجروا على جميع النساء لو لم يكن بينهن فارق فى قوة العقل والجسد. ويرى «العقاد» أن المرأة لا تبتدع فى صناعة من الصناعات أو فى فن من الفنون وإن طال عملها فيه.. فإذا شاركها الرجل فى الطهى أو الحياكة أو التزيين والتجميل وهى صناعاتها التى داومت على مزاولتها مئات الأحقاب.. كان له السبق بالتجويد واستطاع فى هذه الصناعات نفسها أن يستأثر بإقبال المرأة وثقتها دون أن ينافسه فيه النساء. ومنذ القدم كانت المرأة تنوح وتبكى وتطيل الرثاء والحداد على الأموات ولكنها لم تنظم فى الرثاء قصيدة واحدة تضارع قصائد الفحول من الشعراء. ويرى «العقاد» أن الرجل كائن أخلاقى.. أما المرأة فهى كائن طبيعى يجرى على حكم البيئة الطبيعية.. وليس لها أخلاق بل عادات وشعائر وأحكام. كما يرى أن المرأة ما خلقت فيما مضى ولن تخلق بعد اليوم قانونا خلقيا أو نخوة أدبية تدين لها وتصبر عليها غير ذلك القانون الذى تتلقاه من الرجل.. وتلك النخوة التى تسرى إليه من عقيدته.. ولو ظهرت فى الأرض نبيه بمعزل من دعوة الرجال لما آمنت بها إمرأة واحدة ولا وجدت لها فى طبيعة الأنثى صدى يلبيها إذا دعت إلى التصديق والإيمان.. وإنما المرأة تؤمن بالرجل حين تؤمن بالنبى وبالأله. إن هذه النظرة العنصرية للمرأة لم تمنع «العقاد» أن يقول بعد انتهاء علاقته ب «سارة» أنه يحس إحساسا شديدا أن توديع هذه العاطفة يرادف فى معناه توديع الحياة.. كما لم تمنعه هذه النظرة العنصرية من أن يهيم غراما ب «مى زيادة» - وهى تعتبر من زعيمات الحركة النسائية المطالبات بمساواة المرأة بالرجل فى جميع أمور الحياة.. السافرة فى عصر الحجاب.. بل إنه ألح عليها إلحاحا شديدا فى الزواج بها رغم اختلافهما فى الدين.. ولما تأكدت من شكوكها بخيانته لها مع سارة.. ذهبت إليه فى الجريدة التى كان يعمل بها.. وردت له خطاباته العاطفية إليها.. منهية علاقتها به.. فبكى وهم أن يقبل يدها طالبا المغفرة.. لكنها أبت ذلك وانسحبت من حياته.. ثم وقف أمام قبرها بعد موتها يبكى وينتحب.. ويتلو قصيدته الخالدة فى رثائها.