في هذيان الحلم.. عادت بي السنوات إلي زمن جميل.. تخيلت فيه نفسي «توفيق الحكيم» والسيدة حرمي هي «سيادات توفيق الحكيم» تلك الحسناء التي تزوجته مرحبة بشروطه «الخمسة عشر» القاسية.. ومنها ألا يستقبل ضيوفاً في بيته.. لا من الرجال ولا من النساء.. وألا يصحبها إلي نزهة أو رحلة ولو حتي إلي الإسكندرية.. وأن يعطيها كل شهر مائتي جنيه تدفع منها إيجار البيت ومصاريف الطعام، ولا تتجاوز هذا المبلغ بمليم واحد.. كما أنه ليس مسئولاً عن مشاكل البيت والأولاد.. فهي أمور من صميم اختصاصها.. وأن يكون بيته هادئاً لا ضجة فيه، ولا أصوات مزعجة حتي يتفرغ للكتابة، ثم أنه يطالبها بألا تتدخل في عمله.. إنه يعتبر نفسه مسجوناً في سجن بلا أسوار يدخل فيه عندما يريد.. ويخرج منه عندما يشاء.. يقول في ذلك: «لم تكن حياتي الزوجية بالنسبة لها ميسرة، فأنا زوج من طراز أزواج القرن التاسع عشر.. لا اختلاط ولا خروج معي، وأكثر وقتي وحدي في حجرتي الخاصة مع كتبي وأوراقي.. أما أولادي فقلما أكون بينهم.. وقد كان ابنه «إسماعيل» يشكو إلي والدته قائلاً لها: لماذا لا يلاعبنا أبونا كما يفعل خالي مع أولاده.. إنهم يتسلقون علي أكتافه، وهو يجري خلفهم.. أنستطيع أن نفعل ذلك مع أبينا؟!. فكانت أمهم تفهمهم أن أباهم مشغول فلا تزعجوه.. إلي أن أخبرها «إسماعيل» يوماً قائلاً لها: تصوري أن أبي يسألني في أي سنة أنا في مدرستي؟!.. إنه يجهل كل شيء عن حياتي المدرسية.. فهونت عليه وأخذت علي عاتقها أن تقوم عن «الحكيم» بكل مطالب ومشاكل الأولاد دون أن تشعره بأي مسئوليات. يقول «الحكيم»: لم يحدث أن تركت «سيادات» بيت الزوجية غاضبة ولو لساعة واحدة.. وقد حدث مرة أن غضبت أنا وأخذت حقيبتي لأخرج وأقيم في فندق، فجرت خلفي، وأخذت مني الحقيبة.. وأعادت لي هدوئي.. وهي التي وضعت تقليداً سرنا عليه سنوات إلي أن رقدت مريضة: هو أن توصلني إلي باب الخروج عند مغادرتي البيت كل صباح بقبلة.. وعندما يتصادف الخروج فجأة بدون ذلك كانت تتصل بي بالتليفون لتحقق هذا التقليد اليومي تليفونياً.. المهم أن «سيادات» الرائعة لم تكتف بالترحاب بشروطه.. إنما كانت تجد لذة في خدمته.. لا تتركه إلا بعد أن تقدم له عشاءه وتضعه في الفراش وتغطيه باللحاف وتضع القربة الساخنة تحت قدميه.. وتحرص أن تستيقظ في السابعة صباحاً قبل أن يفتح عينيه بساعة لتعد له طعام إفطاره وهي تشعره دائماً أنه الملك.. وأنها رعيته.. وأنها أحبت الفيلسوف الفنان فيه قبل أن تحب الرجل.. و.. و.. •• أفقت مذعوراً بفضل لكزة من زوجتي أعقبتها بصياح هادر: - اصحي.. كل المنبهات اللي بترن دي مش سامعها؟!.. الأولاد أتأخروا عن المدرسة.. وصلهم.. وادفع المصاريف.. والباص وبعدين روح ادفع فاتورة التليفون واشتراك النادي.. وبعدها اطلع علي شغلي جدد لي الإجازة بدون مرتب.. وأنت راجع عدي علي ماما اطمن عليها.. عطست إمبارح.. وكل أجواز أخواتي طلوا عليها ما عدا أنت.. وماتدخلش بإيدك فاضية.. هات لها تورتة علي شكل قلب واكتب لها عليها «حمدالله علي السلامة» ياحماتي ياغالية علي.. وماتنساش تجيب لنا لحمة وفراخ وخضار وفاكهة وبيرة من غير كحول من نوع «استرجل».. وعلي فكرة ماتبقاش تغافلني مرة ثانية وتحلم «بتوفيق الحكيم» ومراته.. صحت مبهوراً: عرفتي إزاي؟!.. - مش شغلك.. دي آخر مرة تحلم فيها بالخزعبلات دي وإلا.. - وإلا إيه؟!.. أنتي عندك سلطة مصادرة الحلم..؟! - لا،عندي سلطة «الخلع».. هتفت مأخوذاً بدهشة بالغة: الخلع؟! - أيوه الخلع.. مستغرب ليه؟!.. إحنا كمان بقي عندنا خلع.. حا أغير الملة وأبقي تبع الشريعة الإسلامية وأخلعك.. •• بعيداً عن جريمة مصادرة الحلم، فإني - في يقظتي - حينما أرتدي قناع الاستنارة والتحضر.. خوفاً من استبداد زوجتي ومن طغيان «المجلس القومي للمرأة».. فلابد أن أدعي استنكاري لرجعية «توفيق الحكيم».. بل إني أري أن رأي «العقاد» الرجعي في المرأة لا يختلف عن رأي «توفيق الحكيم» بل لا يختلف عن رأي المتشددين والمحافظين والسلفيين والأصوليين.. ودعاة الفضائيات.. والظلاميين .. اللهم إنه لا يقحم الأمور الدينية والفقهية في تدعيم منهجه بالإضافة إلي اعتماده علي الاستقراء والاستبطان وضرب الأمثلة الحية لتوضيح وجهة نظره.. فهو مثلاً يري أن الفوارق بين الجنسين حقيقة لا تنقضي بانقضاء زمن من الأزمان وليس الخطأ في إدراك هذه الفوارق مجرد خطأ عرضي في مسألة من المسائل العقلية، ولكنه هو خطأ البداهة التي هي ألزم للإنسان من التفكير، فنحن لا نخال أن الإنسانية تشقي هذا الشقاء الذي ابتليت به اليوم لولا أنها فقدت البداهة الهادية وظهر فقدانها لها في انحرافها بالمرأة عن مركزها الصحيح.. أي أن «العقاد» يري أننا لا نحتقر المرأة حين نقول إن بينها وبين الرجل فوارق في الأخلاق والتفكير ولا نحتقرها حيث نقول إن لها وظيفة مستقلة تغنيها عن الاشتغال بوظيفة الرجل.. ولكن الذين يحتقرونها في الواقع هم الذين يحسبونها لغوا لا عمل له ما لم تشبه الرجل في جميع أعماله، فهي عندهم لا شيء ما لم تكن كالرجل في كل شيء.. والاختلاف بين الرجل والمرأة في الأخلاق لا يقتضينا أن نزعم أنها أرحم منه أو أقسي.. وأنها أسلم منه أو أسوأ وأنها أصلح منه أو أفسد، ولكننا نقدر الواقع حيث نقول إن أخلاقها تغلب فيها «الغريزة» علي «الإرادة».. وأن أخلاق الرجل تغلب فيها «الإرادة» علي «الغريزة». ومن هنا تبلغ المرأة غاية الرحمة كما تبلغ غاية القسوة مع الغريزة المتغلبة عليها، ولاتزال من أجل ذلك عرضة للتناقض الذي جعلها عند بعض الناس لغزاً من الألغاز. كما أن المرأة ليست بأسلم جانباً من الرجل، لأنها أميل منه إلي الشحناء والشجار، فربما اتفق مائة رجل علي الخطب المتفاقم الجسيم، ولم تتفق امرأتان علي الهنة الواهية الطفيفة وقد أغناها عن أن تكون مجرمة بنفسها أنها تجرم بيد غيرها، لأن أكثر الجرائم إنما تقع بسببها ولأجلها، فهي تدرك ما تشاء من الجريمة دون أن تتحمل تبعاتها، وقلما تقع مصيبة أو كارثة إلا كان وراءها وطر لامرأة تقضيه بيد المجرم بعيدة عما يتعرض له من العقاب.. وهي وإن كانت أقل من الرجل عبثاً وإجراماً فما هي بأقل منه خطايا وآثاماً. أما الفوارق العقلية بين الجنسين فمن المكابرات التي لا تفهم لها معني أن يقال إن هذه الفوارق لم تثبت بعد، لأن المرأة كان محجوراً عليها في القرون الماضية، فإن الحجر نفسه دليل علي التفوق، وهيهات أن يتفق جميع الرجال أن يحجروا علي جميع النساء لو لم يكن بينهم فارق في قوة العقل والجسد.. •• إن هذه النظرة العنصرية للمرأة لم تمنع «العقاد» أن يقول بعد انتهاء علاقته ب«سارة» إنه يحس إحساساً شديداً أن توديع هذه العاطفة يرادف في معناه توديع الحياة.. كما لم تمنعه هذه النظرة العنصرية من أن يهيم غراماً ب«مي زيادة» وهي تعتبر من زعيمات الحركة النسائية المطالبات بمساواة المرأة بالرجل في جميع أمور الحياة.. السافرة في عصر الحجاب.. بل إنه ألح عليها إلحاحاً شديداً في الزواج بها رغم اختلافهما في الدين.. ولما تأكدت من شكوكها بخيانته لها مع «سارة».. ذهبت إليه في الجريدة التي كان يعمل بها وردت له خطاباته العاطفية إليها.. منهية علاقتها به.. فبكي وهمَّ أن يقبل يديها طالباً المغفرة.. لكنها أبت ذلك وانسحبت من حياته. وبناء عليه فلا يسعني إلا أن أقول للغاضبات من «عادل إمام» الذي أعلن منذ فترة قصيرة.. «معنديش بنات تشتغل في الفن» وما أثارته تلك الجملة من زوابع: - رفقاً ياقوارير بالزعيم!!