إذا تأملنا البيئة من حولنا ومكوناتها، نجد أن كل شيء خلقه الله – سبحانه وتعالى – إنما خلقه بمقادير محددة وصفات معينة، بحيث تكفل هذه المقادير وتلك الصفات المحددة لكل مخلوق، القدرة على أداء دوره المحدد فى مسيرة الحياة على الأرض. وتوفير سبل الحياة الملائمة للإنسان وغيره من الكائنات الحية الأخرى التى تشاركه الحياة على الأرض. فيقول سبحانه وتعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) سورة القمر: الآية 49. ويجيء التعبير «كل شىء» فى الآية الكريمة ليدل على العموم، فما من شىء مهما كان حجمه أو مكانه، أو مهما كان نوعه. كائن حى أم جماد أم ظاهرة، إلا وقد خلق بقدر معلوم. و»كل شىء» تشمل الماء والهواء (بما يحتويه من غازات مختلفة بنسب محددة) والرياح والحيوانات والنباتات والجوامد من تراب ورمال وصخور وجبال وهضاب وغيرها. فهى تشمل كل شيء موجود فى هذا الكون الفسيح، نراه أو لا نراه. فالميكروبات والبكتيريا والفيروسات وغيرها من المخلوقات متناهية الصغر، والتى لا ترى بالعين المجردة، إنما هى مخلوقة بقدر معين ومحدد لتؤدى دورًا ما فى مسيرة الحياة على سطح الأرض. ثم تأتى الآيتان الكريمتان: (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق: الآية 3. (وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) سورة الفرقان: الآية 2. تأتى هاتان الآيتان لتؤكدا أن كل شىء خلق بمقدار بحسب علمه سبحانه وتعالى. فهو وحده الذى يعلم أن هذا القدر هو الذى يكفل لأى مكون أو عنصر من عناصر البيئة أن يؤدى دوره المحدد، والمرسوم له فى صنع الحياة واستمرارها فى توافقية انسجامية غاية فى الدقة. فكل ما فى الكون يخضع لدورات حيوية رسمها الخالق العظيم، حيث تتسم هذه الدورات بالدقة والاتزان والدورية. كما تجرى الحياة فى هذا الكون بصفة مستمرة من خلال سلسلة من عمليات ثلاث، وهي: التولد (الولادة): وهى تتمثل فى عمليات التكاثر والإنجاب، والتى تتميز بها جميع الكائنات الحية من حيوان ونبات، وقبلهما الإنسان. الموت (التحلل): وهى عملية تتمثل فى موت الكائن الحى وتحلله، حيث يتحول إلى عناصر تمتصها الأرض وتذوب بين حبيباتها. التحول: وهى عملية يتم فيها تحويل العناصر والمواد إلى أشكال وأنماط أخرى يستفيد بها الإنسان فى حياته، ويستخدمها لتحقيق طموحاته ورغباته وسد احتياجاته، من غذاء وكساء ومأوى. فالحيوانات (بما فيها الإنسان) حين تموت، تتحلل أجسادها فى التراب إلى عناصر، كما تقوم النباتات باستخلاص العناصر الغذائية من التراب لتحولها إلى أوراق وثمار وبذور يعتمد عليها الإنسان والطير والحيوان فى غذائه. ومن المؤكد أن عمليات الموت والتحول والحياة (التولد)، إنما تتم وتستمر وفقًا لما قدره الله سبحانه وتعالى وتبعًا لمشيئته وحده. وهكذا، نجد أن كل شيء مقدر من قبل الله، سبحانه وتعالى، بما فى ذلك أقوات (أرزاق؛ بما فيها الطعام) الأحياء جميعها من إنسان وحيوان ونبات. ومما يؤكد تلك المعاني، قوله تعالى: (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) سورة فصلت: الآية 10. فهذه الآية، تؤكد أن أقوات الأحياء مكفولة بقدرة الله سبحانه وتعالى ما دامت الحياة، وإن لم يعمل الإنسان. فنجد المياه تجرى، والنباتات والثمار تنتشر، والحيوانات ترعى فى أماكن لا يوجد بها أناس على الإطلاق. وتؤكد الآيتان السابقتان:(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر)، (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا)، الدقة المتناهية فى خلق كل العناصر والأشياء التى فى هذا الكون الفسيح، فإذا راقبنا ما حولنا من عناصر وظواهر لأدركنا حقيقة هذه الآيات وصدقها.