«معايا المقوار السحرى.. الآن فى الأسواق اخلصى من تريقة حماتك ب2 جنيه بس، يقورالكوسة، يقور البتنجان، يقور البطاطس، وتبقى جاهزة على الحشو باللحمة.. ده إذا كان فى لحمة أصلا».. يقولها ساخرا، قبل أن ينهى حديثه بألم بعد أن فشل فى بيع أى من بضاعته: «شكل الناس بطلت تأكل لحمة، وبطلت تأكل خضار، وبطلت تعيش، عوضنا على الله»! الكلمات السابقة وردت على لسان محمد «بائع متجول» الذى ترك «جراج الترجمان» الذى نقلته إليه الحكومة ضمن من تركوه خاويا على عروشه، بعد أن أدرك أن بقاءه فيه يعنى موته، يتنقل يوميًا بين أتوبيس وآخر لعله يجد قوت يومه. 6 ملايين بائع متجول - وفقا لتقديرات نقابة الباعة الجائلين - ينتشرون فى ربوع المحروسة، «30%» منهم نساء، و«15%» أطفال يبيعون الملابس، التى تأتى فى المركز الأول فى قائمة مبيعاتهم، تليها الأحذية، فالسلع الغذائية، ثم لعب الأطفال، وتقدر حجم تجارتهم بأكثر من «80 مليار» جنيه سنويا «وفقا لدراسة اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية». تصاعدت أزمتهم بالتوازى مع أزمة حادة فى الاقتصاد المصري، ومعدلات بطالة وصلت إلى «13.4%»، ناهيك عن أن ثلث المصريين تحت خط الفقر- وفقا لصندوق النقد الدولى - باتت أزمتهم قنبلة موقوتة، يخشى انفجارها، بعد أن فشلت الحكومة فى إيجاد حل جذرى، تستعيض عنه بالمسكنات، تارة بنقلهم لجراج «الترجمان» حيث لا بيع، ولا زبائن، وتارة بنقلهم إلى منطقة «أحمد حلمى» بشكل مؤقت، مع وعدهم بنقلهم مرة أخرى إلى «مول» فى الزاوية الحمراء، بعد أن تراجعت الحكومة عن وعدها، بنقلهم إلى منطقة «وابور الثلج». وتقدم محمد عبد الله أمين نقابة الباعة الجائلين عن غرب القاهرة ببلاغ رقم «2603» لنيابة عابدين ضد محافظ القاهرة - بصفته- وعدد من قيادات المحليات، يتهمهم فيه بإهدار أكثر من «10 ملايين» جنيه من المال العام فى مشروع نقل الباعة الجائلين بوسط البلد لموقف الترجمان. «روزاليوسف» التقت عددا من ممثلى نقابة الباعة الجائلين، ليتحدثوا عن أزمتهم وسبل الحل الأمثل لها: رجب عزيزة – 55 عاما – أقدم بائع متجول فى رمسيس - قال: هذه المهنة ورثتها أبًا عن جد، وكان جدى بائعا فى رمسيس، ولديه ترخيص، ووالدتى التى ألقب باسمها كانت معلمة فى رمسيس، ووالدى كان بائعًا – أَطلعنا على الترخيص الخاص بوالده – ولدى 5 أولاد، وحرص على إتمام تعليمهم جميعا حتى مرحلة «الدبلوم»، ويعمل اثنان منهم «على الفرشة» التى يبيع فيها «تيشرتات» للغلابة، تتراوح أسعارها بين 15 و 25 جنيها للقطعة الواحدة، وتبلغ قيمة البضاعة عليها 10 آلاف جنيه، وكان يتحصل منها على مكسب شهرى صافى «3 آلاف» جنيه، ويحصل كل من مساعديه على 50 جنيها يوميًا منه. ويستطرد: قبل الثورة كان عدد الباعة 150 بائعًا بالمنطقة، وكنا نقسم المنطقة إلى 4 أجزاء، هى «مسجد الفتح، وعمارة رمسيس، وهندسة السكة الحديد، وسور الشرابية»، ونخصص بائعا منا ليعمل «ناضورجي» ومعاونة آخرين، لمراقبة تحركات شرطة المرافق، وإبلاغنا فى حالة دخولها الميدان، لنستطيع الهرب بالبضاعة، ثم العودة مرة أخرى بعد انصرافهم، مقابل 10 جنيهات يوميا من كل بائع. وعن التحرش والبلطجة وتناول المخدرات من قبل بعض البائعين، وهو ما يعرض المواطنين للخطر قال كبير باعة رمسيس: كل مهنة بها الصالح والطالح، وفى رمسيس لا يوجد تحرش أو بلطجة من الباعة على المواطنين لأنهم مصدر رزقنا، وأما المخدرات للتعاطى وليس التجارة فهى منتشرة بين الباعة، خاصة «الترامادول»، وانتشرت عن طريق مسجلى الخطر، ويروجونها بين البائعين على أنها تمنحهم قوة للعمل «24 ساعة»، وهو ما جعل كثيرا منهم يصلون لحد الإدمان. وعن أزمتهم الأخيرة مع المحافظة بعد نقلهم إلى موقف «أحمد حلمى» قال رجب: «المحافظة ضحكت علينا»، وطلب نائب المحافظ من النقابة صنع نموذج موحد للبيع من خلاله من أجل المظهر الحضاري، وبعد أن دفع كل بائع 2650 جنيها لتنفيذ النموذج الخاص به، لم يعجبهم ذلك، وسحب وعده بالإبقاء علينا فى رمسيس، وقرر فجأة أن ينقلنا إلى «أحمد حلمى» الذى لا يوجد به غير بوابة واحدة للدخول والخروج، وملىء بالسلبيات، والشيء الإيجابى الوحيد لنقلنا هنا هو أننا تخلصنا من إتاوة البلطجية، ولكن الحكومة والمحافظة تتعسف ضدنا، ويرفضون إيجاد حلول حتى أنهم إلى الآن لم يسكّنوا جميع البائعين فى المكان الجديد، وعددهم «350» بائعا، بخلاف من أصابهم اليأس، ورحلوا لأماكن أخرى، وأشار رجب إلى طلب جماعة الاخوان «الإرهابية»، بعد «30 يونيو» من ممثلى الباعة بالميدان أن يسمحوا لهم بالدخول والاعتصام داخله مقابل مبلغ مالى مغر ولكنهم رفضوا العرض وتصدوا لهم. أحمد حسين - رئيس نقابة الباعة الجائلين فى القاهرة – ويبيع الملابس فى العتبة منذ 30 عاما، ومتزوج ولديه 8 أولاد، يعيشون جميعهم فى غرفة واحدة، وعضو فى حركة كفاية من 2005، فأغرم بكتابات إحسان عبدالقدوس، وحفظ أشعار أحمد فؤاد نجم، وكامل الشناوي. وقال: نحن أكثر من 18 مليونا باعتبار أن متوسط أسرنا 3 أفراد، وشعرنا بالتفاؤل بعد الثورة، وأننا سنحصل على حقوقنا، لكن شرطة المرافق تطاردنا كالمجرمين، والبلطجية يسيطرون على الميادين، وشوارع كاملة، وسعر إيجار المكان الذى نفرش فيه بضاعتنا وهو عبارة عن عدة بلاطات من الرصيف يتراوح بين 20 و 120 جنيها يوميًا فى العتبة، بينما يرتفع السعر فى وسط القاهرة، و«150» جنيها إيجار مخزن البضاعة. وواصل: قررنا إنشاء النقابة ككيان يعبر عن مشاكلنا، ويوصل صوتهم للمسئولين، خاصة فى ظل استمالة أعداد منا لاستغلالهم سياسيا فى التظاهرات والحشد، أو القيام بأعمال بلطجة نيابة عنهم. أما الإخوان فتواصلوا معنا عدة مرات، أحدهم عن طريق رئيس تحرير جريدة قومية سابق، والذى نقل لمندوب النقابة فى الإسعاف رغبة «عصام العريان» نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، للتعاون مع الجماعة مقابل تجميد القانون رقم «105 لسنة 2012»، والذى يغلظ العقوبة على البائع إلى حد السجن «6 أشهر»، ومصادرة المضبوطات، ورفضنا كل تلك المحاولات. يتذكر نقيب البائعين موقفا طريفا ويقول : قبل إلقاء الرئيس المعزول محمد مرسى خطابه الأول للشعب بعد انتخابه، دعيت لاجتماع فى مكتب الإرشاد كممثل عن البائعين فى لقاء حضره ممثلون عن مختلف أطياف المجتمع، يومها اقترحت أن يذكر الرئيس فى خطابه البائعين، وسائقى «التوك توك»، ولم أصدق نفسى عندما سمعت الخطاب، واستجاب إلى اقتراحي، وتفاءلت خيرا، لكننى بعد ذلك أدركت من خلال مواقفه أنه لن يقف مع الفئات المهمشة. وأضاف: وضعنا ميثاق شرف يتضمن «3» قواعد للمنضمين معنا فى النقابة، هى التعامل الجيد مع الجمهور، وعقدنا عدة ندوات لتوعية الباعة بأهمية ذلك فى زيادة حركة البيع، وعدم الغش التجاري، بالإضافة إلى حظر بيع السلع مجهولة المصدر، والمفرقعات، والأسلحة البيضاء، مشيرا إلى أن انضمام المتعلمين من البائعين فى النقابة يساهم كثيرا فى التوعية، فلديهم بائع عرقسوس معه ماجستير، وماسح أحذية يحمل مؤهلا عاليا «حاسب آلى»، بالإضافة إلى أبناء مهنة السياحة الذين طردوا من أعمالهم نتيجة توقف حركة السياحة - على حد قوله -. وطالب المسئولين ببحث الحلول المطروحة، التى تقدمت بها النقابة مطالبا بتقنين أوضاع الباعة الجائلين، وإدخال اقتصادهم داخل اقتصاد الدولة الرسمى، الأمر الذى يكفل - على حد وصفه - ضخ مليارات فى جسد الاقتصاد المريض، ولكن بشرط أن تكون الاستفادة للطرفين، مشيرا إلى ضرورة وجود حلول سياسية واقعية تكفل للباعة الجائلين الحد الأدنى من الحياة.