«كيف يٌفسر حق الدفاع عن النفس بأنه إرهاب، والإرهاب دفاع عن النفس!! إني أستطيع أن أعدد دولاً تمارس الإرهاب، وإسرائيل هي إحدي هذه الدول، يجب أن نخرج أنفسنا من الكليشهات، وألا نساوي بين القاتل والضحية»..كانت هذه هي شهادة الكاتب والمفكر الإسباني الكبير خوان جويستولو علي مجزرة جنين في فلسطين، والتي كان أحد شهودها في 12 إبريل عام 2002 . يعد جويتسولو من أشهر الكتاب الإسبان، الذين عرفوا بمواقفهم المناهضة للاستبداد والديكتاتورية، بوقفاته الكبيرة والعظيمة إلي جوار التاريخ الإسلامي والأندلسي، وبكتاباته الباحثة عن المدينة الفاضلة التي تتألف من محتوي الحضارات جميعا، عرفه العالم العربي أكثر حين رفض استلام القيمة المالية للجائزة الدولية للآداب عام 2009، وقد علل ذلك وقتها بأنها «قادمة من العقيد معمر القذافي الذي استولي علي الحكم بانقلاب عسكري». في زيارته الأخيرة للقاهرة صمم جويتسولو علي زيارة ميدان التحرير، والالتقاء بشباب ثورة 25 يناير، فهو وإن كان يكره اللقاءات التليفزيونية، يحب أن يقرأ الناس أفكاره، ويقابلهم ويتحدث معهم عن قرب. كيف تابعت ما حدث في مصر وكيف تلقيت نبأ تنحي مبارك؟ - كنت أعلم أن الثورة المصرية قادمة لا محالة، وفي يوم التنحي، خرج السكان في الحي الذي أسكنه في مراكش يلوحون لي بعلامة النصر، ويهنئوني، لأنهم يعلمون كم أحب مصر، وأتابع أخبارها، حتي أن غير المهتمين منهم بالسياسة بدأوا يسألونني عن الأوضاع والأحداث، بما أني مهتم بالعالم العربي وقضاياه، لقد كان لما حدث في مصر صدي كبير جدا، خاصة أن الناس في مراكش يحبون مصر عبر المسلسلات والأعمال التي ترد إليهم منها. خلال الأحداث كنت لا أبرح مكاني أمام التلفاز، وكنت متأثرًا للغاية بما أراه، وحين كنت أري المشاهد كنت أتعرف مباشرة علي المواقع فيها، فأنا أعرف ميدان التحرير جيدا، لدرجة أني كنت أعلم أين توجد كاميرا التصوير الخاصة بهم، كنت أشعر أني متواجد في ميدان التحرير، وقد عكست مقالاتي حينها ما شعرت به أثناء الثورة، ومن بينها مقال بعنوان «من ميدان التحرير.. التاريخ يكتب مجددا» أكدت فيها أن موجة التغيير في الوطن العربي بدأت مع ثورة الديمقراطية في مصر. ولعل سر سعادتي الشديد أنني مررت بالتجربة ذاتها من قبل، فيوم مات «فرانكو» كنت في الولاياتالمتحدة، وكتبت مقالاً عما أشعر به، وأعتقد أنها ذات المشاعر التي يشعر بها المصريون الآن بعد سقوط مبارك، كل القهر والظلم وتسميم الأجساد والأفكار، لم يعد له مجال. كيف تري مستقبل مصر في الفترة القادمة؟ - مستقبل مصر مقترن بالديمقراطية، التي سيكتسبها الشعب ويتدرب عليها، فالديمقراطية طريقها صعب لا تتحقق بين يوم وليلة، فما أسهل الديكتاتورية عبر انقلاب عسكري يخرج منه شخص يحكم ويقول أنا الرئيس، العبرة في التحول الحقيقي والمنظم الذي يساهم فيه كل المجتمع. خاصة أنه سبق وحدث هذا في إسبانيا، حين مات «فرانكو»، كان المجتمع الإسباني مهيأ للديمقراطية، بفضل أفكار 3 ملايين مهاجر إسباني، وأعداد ضخمة من السياح الإسبان جميعهم عاشوا في أمريكا وأوروبا، وتشربوا بالديمقراطية، ما جعل التخلص من نظام «فانكو» ممكنا، وقد كان، فعقب موته غرق نظامه، وانقرض مؤيدوه، ولم أعد خائفا من الذهاب إلي إسبانيا خشية السجن أو سحب الباسبور، كما كان عليه الأمر في الستينيات. هل تري الأحداث الحالية في الوطن العربي نهاية للديكتاتورية؟ أم أننا قد نري أنظمة مماثلة في المستقبل؟ - لا يمكن، ففي العالم الحديث، لا أحد يستطيع إخفاء شيء، الناس الآن تعرف كل شيء، وليس أدل علي ذلك من وثائق «ويكيليكس»، التي فضحت الحكام وأنظمتهم، وكشفت الرشوة والفساد، في الأنظمة اللصوصية التي تحكم لتسرق. لقد كنت في سراييفو أثناء حصارها، وأعتقد أنه لو كان المسلمون هم من يحاصرون أقلية مسيحية، ما كان الحصار ليستمر أكثر من شهر، ولكنه استمر لثلاث سنوات ونصف، ولو تكرر الآن، فلن يستمر بأي حال من الأحوال، وما كانت المذابح لتحدث، في وجود وسائل الاتصال الحديثة. كيف علمت بترشيحك لجائزة القذافي؟ ولما رفضت مجرد الترشح لها؟ - هي جائزة دولية للآداب، لكن الأموال من ليبيا، وهذا مرفوض تماما، وبعد رفضي لها، فوجئت بالكثير من الكلام غير الصحيح الذي قيل، وجعلني مستاء جدا، خاصة من رد فعل بعض أعضاء لجنة التحكيم، وما كتبوه عني، وقد كذبوا فيما قالوه علي لسانهم وعلي لساني. ليس صحيحا أنني رفضت الترشح، لقد حصلت بالفعل علي الجائزة ورفضتها، وأكدت علي احترامي الكامل للجنة التحكيم، فلم أكن لأقبل جائزة سواء مالية أو غيرها من نظام ديكتاتوري، وقد فوجئت بالبعض من اللجنة يقول أني لم أحصل علي الجائزة، وأنني رفضت الترشح لها من الأصل وهذا غير صحيح، وعندي كل المستندات، والإيميلات، والمراسلات من لجنة التحكيم التي تفيد بأني فزت بالجائزة، وعندي ردودي، وكل شيء مؤرخ، فأنا لا أكذب، والدكتور صلاح فضل كان أحد من انتقدونني، وقال إنني لا أستحق الجائزة، ولكن مراسلاته لي موجودة، وتقول العكس تماما، وسوف تنشر قريبا، ورغم ما قاله عني، حرص علي حضور ندوتي التي عقدت مؤخرا في المركز الثقافي الإسباني بالقاهرة، وطلب أن يقابلني، ولكني رفضت. لماذا رفضت دعوات للذهاب إلي السعودية؟ - ليست السعودية فقط، موقفي واضح من الأنظمة الديكتاتورية، وقد تم دعوتي من قبل إلي العراق أثناء حكم صدام حسين، ورفضت الدعوة، كما تمت دعوتي للسعودية ولم أذهب، وأتساءل: ما اللقاء الثقافي الذي يمكن أن يحدث في بلد فيه ممنوعات، ابن رشد ممنوع، وابن عربي ممنوع لأنه صوفي، عن أي نوع من الثقافة سأتحدث؟ ماذا عن فوزك بجائزة محمود درويش؟ - أشعر بالتكريم لحصولي علي جائزة محمود درويِش، فهي الجائزة العربية الوحيدة التي تعبر عن الكفاح والديمقراطية في البلاد العربية، التي يمكن أن أقبلها، وقد تشرفت وافتخرت بها. هل عاد الحلم ب«اليوتوبيا» ممكنا وقابلا للتحقيق؟ - يجب أن نطلب المستحيل كي يكون ممكنا في أحد الأيام، لأننا لو طلبنا الممكن سينخفض سقف المطالب، ولابد أن يكون سقف مطالبنا أعلي من المتاح كي نصل لشيء ما، لقد رأيت المدينة الفاضلة في ميدان التحرير، رأيت مسيحيين ومسلمين، وإقبالاً من العائلات، محجبات وسافرات، كنت أري مصر هناك، كان هناك إخاء واتحاد، وتأكدت حينها أن البشر هو البشر باختلاف الديانات، هناك إحساس إنساني عالمي بغض النظر عن الثقافات والديانات، واليوتوبيا ممكنة «شوية شوية». من الكاتب العربي الذي استهواك وأثر في تكوينك؟ - تأثرت جدا بابن عربي خاصة كتابه «الخيال الديني»، تأثرت فيه بجملة يبرر خلالها ابن عربي وجود جهنم، والرحمة، معجب جدا بالتفكير الصوفي، وعمر بن الفارض، وبكتاب ألف ليلة وليلة، وبعلي شريعتي الذي قرأت كل كتبه بالعربية والفرنسية. وليست الكتب وحسب، فالأعمال الفنية والآثار هي الأخري تترك أثرها وفي مقدمتها «أبو سمبل»، حين ذهبت إلي هناك شعرت أني أري أعمال بيكاسو منذ أكثر من 3 آلاف سنة، لحداثتها، ورغم أني رأيت في اليونان التماثيل اليونانية، إلا أني لم بالانجذاب لها، كما شعرت في مصر تجاه أبو سمبل، كلما رأيتها شعرت بأني أعيش في عصر الجمال، مع أعمال لأناس سبقوا عصرهم، مر عليه آلاف السنين ولا تزال الحداثة والجمال كما هم.