لا يقدم الفنان التشكيلي فريد فاضل معرضا فنيا يضم مجموعة من أحدث أعماله فقط، بل يأخذ المشاهد في جولة تاريخية من خلال لوحاته التي استعرضت مراحل «القاهرة» التاريخية منذ بنائها علي يد الفاطميين حتي الآن.. وهذا في معرضه «هنا القاهرة» الذي يحمل رؤية خاصة من خلال أعمال تجمع بين الأصالة في الموضوع والحداثة في التناول عن رؤية فاضل للواقع الفني والسياسي كان لنا معه هذا الحوار: هنا القاهرة ماذا تعني هذه الجملة البسيطة لفريد فاضل؟ - هذه هي الكلمة التي كنا نسمعها ومازلنا عبر أثير البرنامج العام في الإذاعة المصرية وكنا نشعر بالزهو لسماعها واختياري لها لأنها تعبر عن عظمة القاهرة والمكان الذي احتلته القاهرة بداية من منف وحتي ثورة التحرير فهذا المكان من تفرع النيل وبداية الدلتا كان مهماً جدا من الناحية الاستراتيجية لتوحيد القطرين الوجه القبلي والبحري وهذا ما فعله مينا صاحب أول حكومة مركزية لعمل تراكم حضاري، فالقاهرة من منف إلي «أون» إلي «هليوبوليس» كانت هي المركز إلي أن أتت فترة اندثرت هذه الأهمية عندما نقلت العاصمة إلي الإسكندرية في الحقبة الرومانية إلي أن عادت الفسطاط مع دخول العرب إلي مصر، فالقطائع، فالعسكر إلي أن جاء جوهر الصقلي ليحضر للمعز لدين الله الفاطمي مدينة جديدة في أربع سنوات وكانت مدينة ذات أسوار تفتح فقط للتجارة ولم تفتح إلا في عهد الأيوبيين واستمرت مركزية الحكم في القلعة حتي القاهرة الخديوية إلي ثورة 25 يناير وثورة التحرير التي كتبت التاريخ من جديد، أهمية هذا المعرض نابعة من إحساسي بأهمية مصر بلدنا وقدرتها علي صنع التاريخ الحديث بعيدا عن الاتهام السابق بأننا لم نقدم شيئاً كمصريين واعتمادنا دائما علي تاريخنا، لكن الآن أصبح لدينا ما نفخر به ثورة حقيقية للشعب يحميها جيشها. حدثنا عن لوحات المعرض كبناء ولون؟ - لكي يكتب للعمل الفني العمر الطويل يجب أن يكون غير مرتبط بحدث محدود لهذا أقول إن لوحات الثورة في المعرض مختلفة رغم ارتباطها بالحدث لأني أحاول تخطي هذا فعندي لوحتان أو ثلاث مرتبطة ارتباطاً وثيقا بالحدث وليس لها قراءة أخري فمثلا لوحات مثل «أم الشهيد» سلمي سلمين، سيدة التحرير يمكن قراءتها في سياقات مختلفة، لكن لوحات مثل الثورة الوليدة ومن أجل مستقبل أفضل ليوسف، وكأنهم توثيق لشهادتي علي عصر عشته، لكن عموما أنا لا أميل إلي هذه الفكرة في أعمال الارتباط بحدث وأفضل الارتباط بفكرة أو بروح أو بشيء مستمر متأصل في النسيج المصري بمعناه المطلق. من أهم اللوحات الموجودة هي الجزء الخاص بالكنائس والمساجد فأماكن العبادة هي أماكن للعلاقة الرأسية الشخصية ما بين الإنسان وربه وكلما كانت سرية كان لها معني أقوي كذلك فكرة مصر عبر الأزمنة فهناك لوحة «نساء القاهرة» وهن نساء من القرن التاسع عشر استعرت في هذا التكوين «الأرج» الموجود بالفعل في الجامع الأزرق وأدخلت حمامات علي الشخوص الموجودة وكل شخصية من مكان مختلف، فالفكرة هنا هي إعادة صياغة التكوين في اللوحة علي حسب جمالياته. ما تقييمك للحركة التشكيلية المصرية قبل الثورة وأثناء الثورة باعتبارها لم تنته؟ - الحركة التشكيلية غنية جدا وهذا واضح من المعارض العامة الجماعية والمعارض الخاصة لبعض الفنانين، فهناك غني وتنوع بالذات الفنانين الذين يعملون بوازع من قناعاتهم الشخصية وليس بغرض التقليد أو الحصول علي جائزة، لكن يجب تشجيع كل الاتجاهات الفنية وهو ما يؤخذ علي الفترة السابقة للثورة فكان هناك نوع من التحيز لاتجاهات وأفكار علي حساب أفكار أخري «توجه عام للمؤسسة الثقافية» فيجب مراعاة أن التنوع يعطي غني وفي قبول الآخر ديمقراطية، دائما ما تخرج الثورة عواطف جياشة وهذا ما يحدث في فنون الثورات وفيها يغلب الإحساس والتعبير علي التكنيك وهذا ناتج عن عفوية التلقي، فيجب أخذ هذه الأحاسيس والبناء عليها فكرة أكثر عمقا حتي لا تأتي أعمال وقتية ساذجة والفن التشكيلي سقفه عال جدا في التعبير عن الفنون الأخري، وهذا ما حاولت فعله في هذا المعرض، كيف تري الحراك السياسي في مصر؟ - عندما يكون هناك ضغط قوي علي شعب عميق ومفكر ينتج نوع من الانفجار وتحدث محاولة لفك هذا الضغط مرة واحدة وعادة ما يكون هذا محفوف ببعض المخاطر ومن المؤكد أننا سنعاني من الانفراجة المفاجئة، فكثير من الأصوات التي كتمت لدهور تريد أن تتحدث والكل يريد أن يتحدث عن قناعاته وعن أيديولوجياته فأنا أعتقد أن في هذا الوقت سنسمع الكثير، فهناك مثلا عدد كبير للمرشحين للرئاسة وعدد أكبر من الأحزاب التي تريد الوجود وبمرور الوقت سوف نجد التشابه بين الرؤي للشخوص وللأحزاب فمن الممكن في هذا الوقت أن تجتمع الأحزاب لعمل ائتلاف ما لعدم تفتيت الأصوات وفي تصوري سيحدث استقرار ربما بعد عام أو عامين وهذه تجربة مرت بها دولة مثل البرتغال وحدث استقرار بعد عامين. رؤيتك للأداء المؤسسي لوزارة الثقافة؟ - أعتقد أن وزارة الثقافة قامت بمجهود متميز كنت أري أن هيئة قصور الثقافة تحاول بإمكاناتها المتواضعة أن تصل للجميع وهذا واضح في الإصدارات الأخيرة وكذلك الهيئة العامة للكتاب، وأيضا مشروع الترجمة من المشاريع المهمة والمتميزة، إصدارات المجلس الأعلي للثقافة وأعتقد أن الفن التشكيلي أخذ حظه أكثر باعتبار أن الوزير فنان تشكيلي واهتم بقاعات العرض ربما كنا في حاجة لقاعات أكثر، فنحن نتحدث عن مدة طويلة ورغم إغلاق الهناجر ومجمع الفنون إلا أنهما كانا لهما دور بارز كذلك الاهتمام بترميم الآثار التي كانت تتبع وزارة الثقافة وخصوصا الآثار الإسلامية والتي حدثت في ترميمها طفرة منذ بداية مشروع الاهتمام بالآثار المصرية وتسجيلها وكذلك ترميم شارع المعز وجعله للمشاة فقط وأشياء كثيرة انجزت ويجب أن نكمل مسيرة الإصلاح لكل ما أنجز بالفعل ونستثمر الأشياء التي أنجزت، ما رأيك في تمثيلنا في المحافل الدولية «بنيالي» «تريناليش؟ - فكرة الانتقاء والشروط الخاصة باختيارات معينة لواجهة مصر يجب أن تكون أكثر شمولية وتعددية ولا تخضع للشللية لكن هذا كان سلوكاً عاماً موجوداً قبل الثوة فكرة المحاباة المحسوبية والشللية كانت موجودة في البلد كلها ليس الفن التشكيلي فقط ففي بعض الاختيارات كانت موفقة وبعضها كان منحازا وأعتقد أن هذا السلوك سيتغير. ما تقييمك لفنون الحداثة وما بعدها؟ - من الصعب الحديث عن فنون الحداثة في سلة واحدة لأنها بالفعل مختلفة عن بعضها فأنا أري أن «الفيديو آرت» و«البرفورمانس» وبعض الأعمال الخاصة ب «فن الأرض» تخطت الحاجز ما بين الفنون والتشكيلية والمسرح التجريبي فلا يوجد خط محدد لفيلم تسجيلي قصير صامت وفيديو آرت أين تضع الحد لأن يمثل العمل بينالي أو مهرجاناً للأفلام القصيرة الحدود ليست واضحة وأعتقد أن التجريب مهم جدا للفنان لكن بعد فترة يجعل الناس تصاب بجزء من الخلل وهذا الخلل يؤدي إلي فقد الثقة ما بين المشاهد وبين قائمة الطعام الثقافية التي تقدم له، فيجب أن يتم تثقيف المجتمع بشكل مواز لهذه القنوات الحداثية والتي ولدها الغرب في المقام الأول وهو الذي استنفد اللغة الأبسط متمثلة في التمثال واللوحة والصورة الفوتوغرافية وعندما انتهي بدأنا نحن، اذهب إلي الصعيد وستري قري كاملة بدون نور أو ماء وستجد الشادوف وموروث يصل للفراعنة بأي حق نهمل هؤلاء فكما يجب أن نواكب الحداثة لا يجب أن نهمل تراثنا. ما ردك علي بعض الفنانين والنقاد الذين يقللون من قيمة أعمالك الفنية؟ - حقيقة أنا لا أرد وأترك الرد للفن نفسه فإذا كان الفن يعوزه كلام بجانبه فقد افتقر لقوته البصرية، فالفن التشكيلي فن بعدي في المقام الأول ولا يحتاج إلي كتاب للشرح أو طريقة الاستعمال فكثير من هؤلاء في حاجة لأن يروا الجمهور بصفة عامة ويعرفوا رأيه وأعتقد أن الفنون التشخيصية لن تفقد جمهورها أبدا، فمازال عندما نذهب إلي متحف اللوفر أو الأورساي أو أي متحف ذي أهمية في العالم ستجد أن أكثر كروت تباع هي الكروت التي تحمل «جمال» فعندما انسحبت كلمة جمال من تعريف «استاتكس» سرنا في «حيص بيص» وفقدنا التواصل مع جمهور عريض جدا موجود. ما هو تقييمك للحركة النقدية؟ - يعوزها نوع من التوجه الأدبي فالنص النقدي هو نص مواز للعمل الفني فيجب أن يكون له جمالياته الأدبية في حد وليس مجرد خبر عن معرض أو سرد لما يردده الفنان ولكن رؤية، قراءة الأعمال هذا الفنان في سياق مدرسته الخاصة به وليس محاكمة له علي تعاليم مدرسة أخري لا ينتمي إليها. ما هو موقعنا في الحركة التشكيلية العالمية؟ - حقيقة ليس هناك ما يسمي بالحركة التشكيلية العالمية ففكرة العالمية عندنا نحن فأي فنان يعرض بالخارج يقول «الفنان العالمي لكن كل شيء جيد يؤثر في محيطه وعلي قدر حجم الحجر الملقي في الماء تكون مساحات الدوائر حوله وعلي قدر البعد عن المركز يقل التأثير، لكن في ظل العولمة ووجود الانترنت أصبح من السهل أن تري أعمالنا وأيضا تسوق. هل تري أن تواجد فنانينا في قاعات مثل «ثوثبي» و«كريستي» له دلالة ما؟ - أعتقد أن هذا شيء سييء جدا جدا لسببين أولا يجب أن يكون هناك مخطط «لمافيا» ما بين ثلاث جهات «الآرت ديلر» الذي يبيع و«الناقد» الذي يختار بعض الأعمال ليقيم بها عرضاً متحفياً مثل ديمون هيرتس وهو أشهر مثال عندما قام بشق بقرة وعرضها للجمهور وادعي أنها فن عظيم فكتب أنه فن عظيم وبالطبع رفع سعر البقرة وطبعا هذا كلام فارغ لكن تمت صناعة اسم الفنان وهذه الطريقة معروفة في هذا الوسط، فكوننا ندفع سعر عمل فني لرقم غير حقيقي فهذا يضر بالفنان والجاليري وبروح الفن الأصيل.