يتميز مركز الجزيرة للفنون بقيادة صادقة وواعية ومثقفة منذ بداية المسئولية التي توهجت عندما تحول قصر عمرو إبراهيم الي منارة حقيقية من خلال خطة تطوير إمتدت سنوات وتوجت بتشريف السيدة الفاضلة سوزان مبارك بإفتتاح هذه المؤسسة الفنية الثقافية والتي تأسس بها أول متحف للخزف الاسلامي في العالم ومتحف لرائد فن الخزف في مصر سعيد الصدر بالاضافة الي تحديث وتطوير قاعات العرض ثم أضيف بعد ذلك متحف للنحت في حديقة المركز ليكون أول متحف للنحت في حديقة المركز ليكون أول متحف للنحت في الهواء الطلق وكان موازياً لمتحف النحت بأسوان وأفتخر حتي الان بأن هذه العلامات كانت من إنجاز قطاع الفنون التشكيلية تحت رئاستي في ذلك الوقت ودأب الفنان محمد رزق المشرف العام علي مركز الجزيرة ان يقدم إشارات وعلامات من الفن المصري المعاصر شباباً وكباراً وهذه رؤية ثاقبة فاعلة ومحركة للنشاط الفكري والابداعي وقدم لنا خلال الشهر قبل الماضي معرضاً للفنان أحمد عبد الغني في القاعة الرئيسية وكانت مفاجأة لجدية التجربة الرائعة التي شاهدتها بتأمل عميق لعدة اسباب الأول هو إرادة الفنان وتمسكه بالفن الأصيل المبني علي مرجعية حضارية ثقافية، ثانياً يعد هذا العرض ومثيله من العروض الجادة عاصفة قوية لمواجهة العبث الابداعي الذي يحدث الان في بعض الاروقة والذي يرتكز علي مرجعية غربية مائة في المائة والذي يحول من بعض المؤسسات الأجنبية وكأنها تفرض هوية الأعمال التي يجب إنجازها من قبل بعض الفنانين فكراً وتقنية.. وهذا يأتي لغياب حركة نقد قوية رادعة تواجه كافة الاتجاهات بالعلم والمنطق.. وتواجه السفه في الفن وتصنيف الاعمال الفنية لتؤكد علي القيمة وتكشف عن الردئ جاء معرض أحمد عبد الغني نموذجاً رائعاً يضيف للفن المصري جملة جديدة وهامة الفنان أحمد من مواليد القاهرة 1962 تخرج في كلية التربية الفنية 1986 دكتوراه الفلسفة في التربية الفنية تخصص تصوير عام 2000 أستاذ مساعد بنفس الكلية، مدير برامج الفنون التشكيلية بمكتبة الاسكندرية منذ 2002 حتي الان، مشارك في كثير من المعارض الجماعية المختلفة وهو من جيل ساهم بإبداعه في تأسيس صالون الشباب، من اللحظة الاولي لتأمل العرض متكاملاً يكتشف بدون تردد إطار شامل لرؤيته الفنية المتعمقة والمبنية علي مرجعية الفن الاسلامي، فبناء الاشكال في فضاء اللوحات يعتمد علي شريحة منظورية خاصة في القطع المرئي لها.. ليقدم الفنان توليفات متنوعة ومتحدة ومتماسكة بفعل هندسة البناء الانشائي علي هذا الفضاء المفعم بحس وطقس خاص بالرغم من التجويد والتفاصيل المنسابة بتجانس محكم، وبذكاء شديد إستطاع الفنان خلق بيئة إنسانية عبر الضوء الذي يتسلل من خلال الزوايا والأركان محدثاً نوعاً من التداخل والتآلف الذي يغزو برفق هندسية الأشكال وهنا تكمن قدرة الفنان وسيطرته عبر عالمه المحدد من خلال منظومة لونية تحمل تناقضاً جميلاً بين عبق التاريخ ومعاصرة وحداثة الرؤية وهذه معادلة صعبة يبحث عن توافقها الكثيرون من الفنانين ولم يأتوا بنتائج إيجابية وذلك بسبب غياب ثقافة الفنان ووعيه وإدراكه بأهمية التواصل الابداعي عبر مراحلة الممتدة وتأخذنا بل تجذبنا نجومه ومتوالياتها الهندسية بهدوء تصوفي كأن الانسان قابع هنا خلف أشعة الضوء النافذة من المشربيات لتعزف لنا سيمفونية ضوئية مع حركة الشمس.. وهذا عمق آخر لم يستدعيه الفنان بل هو مهجن في رؤيته الفنيه بأبعادها الفكرية وهذه المصفوفة الابداعية تعد مرحلة جديدة عبر مسيرته تؤكد مكانته بإقتدار، وأيضاً قد زرع الفنان أحمد عبد الغني نبتاً جديداً يستطيع أن يرعاه وينحيه ويختزله فهي مرحلة ممتدة ومتوهجة، والحركة الفنية المصرية في حاجة ماسة الي المزيد من الابداع الفني الأصيل.. وفي حاجة ماسة الي تقويم وضبط بوصلة الابداع.