فى مثل هذه الأيام من ألف عام كان المصريون على موعد مع صلاة الجمعة فى صرح إسلامى هائل، ولد كبيرا وظل على مدار العصور منارة شامخة وقبلة لطلاب العلم من كل أرجاء الأرض، تحديدا يوم السابع من رمضان عام 361 ه الموافق 975 م حيث رُفع أذان أول صلاة للجمعة فى الجامع الأزهر، أهم المساجد فى مصر وأشهرها فى العالم الإسلامى. أنشئ الأزهر على يد جوهر الصقلى بعد فتح القاهرة بأمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر، وشرع فى تخطيطه وبنائه فور الانتهاء من تأسيس مدينة القاهرة، ووضع الخليفة المعز لدين اللَّه حجر أساس الجامع الأزهر فى 14 رمضان سنة 359 ه - 970م، وأتم بناء المسجد فى شهر رمضان سنة 361 ه - 972 م، فهو بذلك أول جامع أنشئ فى مدينة القاهرةالمدينة التى اكتسبت لقب مدينة الألف مئذنة فى عهد الفاطميين، وهو أقدم أثر فاطمى قائم بمصر. وقد اختلف المؤرخون فى أصل تسمية هذا الجامع، والراجح أن الفاطميين سموه بالأزهر تيمنا بفاطمة الزهراء ابنة النبى محمد وإشادة بذكراها. وفى العام 989 م تم توظيف 35 عالما فى المسجد، ويعتبر المسجد ثانى أقدم جامعة قائمة بشكل مستمر فى العالم بعد جامعة القرويين، وقد اعتبرت جامعة الأزهر أول جامعة فى العالم الإسلامى، ومن المفارقات التاريخية أن الأزهر الذى تم بناؤه ليكون منارة لتعليم ونشر المذهب الشيعى فى العالم الإسلامى الذى قامت عليه الدولة الفاطمية، أصبح رمز ومنارة الإسلام السنى الوسطى. الدولة الأيوبية تتجاهل الأزهر تم تعيين صلاح الدين فى البداية وزيرا من طرف آخر الخلفاء الفاطميين العاضد لدين الله، وانهارت الدولة الفاطمية خلال عهد صلاح الدين الأيوبى وسلالته، وقام صلاح الدين الأيوبى فى مصر، بالتحالف مع الخلافة العباسية السنية فى بغداد، ولعدم ثقته بالأزهر الشيعى تاريخا، خسر المسجد هيبته أثناء فترة حكم صلاح الدين. المماليك شهد العصر المملوكى اهتماما كبيرا فى عهد السلطنة المملوكية، على عكس ما حدث فى الدولة الأيوبية، حيث بلغ الاهتمام بالأزهر ذروته، وكان ذلك بمنزلة العصر الذهبى للأزهر، وقاموا بالعديد من التوسعات والتجديدات التى طرأت على البنى التحتية للمسجد، كما أظهر الحكام فى وقت لاحق من مصر بدرجات متفاوتة الكثير من الاهتمام والاحترام للمسجد، وقدمت على نطاق واسع مستويات متفاوتة من المساعدة المالية، على حد سواء إلى المدرسة وإلى صيانة المسجد. الهندسة المعمارية للأزهر ترتبط ارتباطاً وثيقا بتاريخ القاهرة. واستخدمت مواد مأخوذة من فترات متعددة من التاريخ المصرى، من «قدماء المصريين»، من خلال القاعدة اليونانية والرومانية، إلى الحقبة المسيحية القبطية، فى بنية المسجد المبكر، والتى استفادت من الهياكل الأخرى الفاطمية فى إفريقيا، وفى وقت لاحق من اضافات الحكام الذين تعاقبوا على مصر، وبالمثل تظهر تأثيرات من داخل وخارج مصر على حد سواء، وقد تم مزج كل هذه العناصر المعمارية وتأثيراتها معا، بينما كانت بعض الأجزاء مصدر إلهام واحد، مثل القباب من الفترة العثمانية والمآذن التى بناها المماليك. بنى المسجد فى البداية على شكل قاعة للصلاة مع خمسة ممرات وفناء مركزى متواضع، ومنذ ذلك الحين تم توسيع المسجد عدة مرات مع منشآت إضافية محيطة تماما بالهيكل الأصلى، شكل العديد من حكام مصر فى الفن والهندسة المعمارية للأزهر، من المآذن أضيفت من قبل المماليك، والبوابات المضافة أثناء الحكم العثمانى للتجديدات الأخيرة مثل تركيب المحراب الجديد، كما أن بعضًا من المآذن أو القباب الأصلية قد نجا، مع بعض المآذن الحالية التى قد أعيد بناؤها عدة مرات. العهد الفاطمى كانت تبعيات المسجد محاطة بالكامل واستخدمت على مر الزمن، كان الهيكل الأصلى 280 قدمًا (85 مترًا) فى الطول و227 قدمًا (69 مترًا) عرض، ويتألف من ثلاثة أروقة معمدة تقع حول فناء، فى جهة الجنوب الشرقى من الفناء، بنيت قاعة الصلاة الأصلية على هيئة بهو معمد، مع خمسة ممرات عميقة، بقياس 260 قدمًا (79 م) طول و75 قدمًا (23 م) عرض، وكان جدار القبلة منحرفًا قليلاً عن الزاوية الصحيحة، وتمت إعادة استخدام الأعمدة الرخامية لدعم الأروقة الأربعة التى تؤدى لقاعة الصلاة من مواقع موجودة فى أوقات مختلفة فى التاريخ المصرى، من العصور الفرعونية من خلال الحكم الرومانى لهيمنة القبطية، التى أدت إلى ارتفاعات مختلفة من مستوى الأعمدة باستخدام قواعد متفاوتة السماكة، كما تظهر التأثيرات الخارجية الجص من العمارة العباسية والقبطية والبيزنطية. وقد بنى فى النهاية ما مجموعه ثلاث قباب، وهى سمة مشتركة بين أوائل المساجد فى شمال افريقيا، على الرغم من أن أيا منها قد نجا خلال التجديدات التى لحقت بالأزهر، وسجل المؤرخ المقريزى أنه فى القبة الأصلية التى بناها الصقلى كتب فيها: «مما أمر ببنائه عبد الله ووليه أبو تميم معدّ الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين.......، على يد عبده جوهر الكاتب الصقليّ، وذلك فى سنة ستين وثلاثمائة». جوهر الصقلى وقد لقى الصقلى رعاية شرفية من المعز، وقد عينه، «سكرتيره الخاص» ويعتبر الصقلى أول شخص يحصل على منصب سكرتير قبل أن يصبح منصبًا عامًا. المحراب الأصلى، كشف عنه فى عام 1933، لديه شبه قبة فوقه مع عمود من الرخام فى كل جانب، وقد كانت الزخارف الجصية المعقدة سمة بارزة فى المسجد، فقد كانت كل الجدران والمحراب مزينة بالنقوش، وقد كتب على المحراب مجموعتين من الآيات من القرآن المدرجة فى قوقعته، والتى لا تزال سليمة، أول مجموعة من الآيات هى ثلاث آيات من سورة «المؤمنون»: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) المجموعة الثانية من الآيات 162 و163 من سورة «الأنعام»: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِى لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) هذه النقوش هى قطعة الوحيد الباقية من الديكور التى ترجع إلى العهد الفاطمى. تمت إضافة الساحة المركزية المعبدة من رخام بين 1009 و1010، وتم أيضا إضافة الممرات التى تحيط الفناء لها عارضة مقوسة الشكل مع نقوش الجصية. وقد بنيت الأقواس فى عهد الحافظ لدين الله من الحلى والجص، وقد تم إعادة بنائها فى عام 1891 باستخدم نوعين من الحلى، يظهر أعلى مركز القوس الأول ويتكون من رونديل غارق والفصوص الأربعة والعشرين. وتمت إضافة زمرة دائرية من زخارف نباتية فى عام 1893، أما زخرفة الثانية المستخدمة، التى هى ما بين كل قوس، تتكون من منافذ ضحلة تحت غطاء مخدد فتشكل سقف أعمدة متشاركة، والتى تحيط بها مجموعة من الكتابات القرآنية بالخط الكوفى. وتمت إضافة النصوص القرآنية بعد حكم الحافظ خلال الفترة الفاطمية، وتصدرت الجدران على شكل نجمة مع زينة للشرفة على ثلاث مستويات، الممر الجنوبى الشرقى من فناء يحتوى على المدخل الرئيسى إلى قاعة الصلاة. بوابة تأطير الفارسى، التى قوس مركزها لها ممر مستطيل تفتح إلى قاعة الصلاة. تم تركيب باب خشبى جديد ومحراب خشبى جديد فى عهد الحاكم بأمر الله فى 1009، وفى سنة 1125، شيدت قبة إضافية فى عهد الحافظ لدين الله، بالإضافة إلى ذلك، فقد أمر بإنشاء ممر الرابع حول الفناء، أما الشرفة فقد بنيت على الطرف الغربى من الصحن. الإضافات المملوكية للبناء استعاد المسجد هيبته خلال فترة المماليك الذى قاموا بسلسلة من الترميمات والإضافات للمسجد، والإشراف على التوسع السريع فى برامجه التعليمية، ومن بين الترميمات التى قام بها المماليك تعديل المحراب، مع تركيب الرخام الملون لواجهته. فى عام 1339، تم بناء قبة ومئذنة لتغطية المدرسة الأقبغاوية، التى تحتوى على قبر أمير أقبغا عبد الواحد، وتعود تسمية المدرسة الأقبغاوية لمؤسسها، أقبغا عبد الواحد، لتكون مسجدا قائمة بذاته ومدرسة، وقد أصبحت المدرسة متكاملة مع بقية المسجد، أما: المدخل، جدار القبلة، والفسيفساء والزجاج فى المحراب مع القبة الأصلية يرجع تاريخها إلى الفترة العثمانية. فى عام 1440، بنيت المدرسة الجوهرية يحتوى على قبر الأمير جوهر القنقبائى، الذى كان يشغل منصب الخازندار (المشرف على خزائن الأموال السلطانية) أثناء حكم السلطان المملوكى الأشرف سيف الدين برسباى، وكانت أرضية المدرسة من الرخام، والجدران تصطف مع الخزائن، وتم تزيين المطعمة مع خشب الأبنوس والعاج والصدف، وتم تغطية حجرة قبر بواسطة قبة صغيرة مزخرفة. وفى عام 1309، تم بناء المدرسة الطيبرسية، التى تحتوى على قبر الأمير علاء الدين طيبرس، وقد بنيت أصلا لتعمل كمسجد مكمل للأزهر ومنذ ذلك الحين تم دمجها مع بقية المسجد، وتمت دراسة المذاهب المالكية والشافعية فى هذه المدرسة، وتستخدم المدرسة الآن للاحتفاظ بالمخطوطات من المكتبة. ذكر المقريزى أن المدرسة كانت تستخدم فقط لدراسة المذهب الشافعى، فى حين أن مؤرخ عن ابن دقماق أن واحدا من إيوانات المدرسة كان لتعاليم الشافعى حين أن الآخر كان لتعاليم المالكى. أعيد بناء المدرسة بالكامل فى عهد عبدالرحمن كتخدا، ولم يتبق سوى الجدار الجنوبى الشرقى والمحراب القطع الوحيدة الأصلية الباقية من عهد الأمير علاء الدين طيبرس. فى عام 1483 بنيت مئذنة قايتباى وهى على شكل عمود أسطوانى ينقسمين إلى جزئين مثمنين، ومئذنة قايتباى تتكون من ثلاث شرفات، تدعمها مقرنصات، وشكل سقفها معقود الهوابط الذى يوفر الانتقال السلس من سطح مستو لمنحنى واحد، (وسجل أول استخدام له فى مصر فى 1085)، الجزء الأول مثمن، زين بلوحات عارضة مقوسة من كل جانب، مع مجموعة من ثلاثة أعمدة لتفصل كل لوحة، أما الجزء الثانى وهو أيضا مثمن تم فصله عن الأول بشرفة زينت بضفر، الشرفة الثانية تفصل هذا الجزء مع جزء أسطوانى فى نهاية المئذنة، وزينت بأربعة أقواس. فوق هذا توجد الشرفة الثالثة، التى توجد فى أعلى جزء من المئذنة. مئذنة الغورى فى عام 1509 بنيت مئذنة الغورى «المئذنة مزدوجة الرؤوس» فى عهد قنصوة الغورى، وتقع على قاعدة مربعة، الجزء الأول منها مثمن، وقد قوست جوانبه الأربعة بعارضات زخرفية، وتم فصل عن جوانبه المتجاورين بعمودين، أما الجزء الثانى، فتم فصله عن الأول بشرفات مكعبة تدعمه مقرنصات، كما أنه أيضا مثمن زين بالقيشانى الأزرق، ويتكون المستوى الثالث من اثنين من اعمدة مستطيلة مع الأقواس على شكل حدوة حصان على كل جانب منها توجد مهاوى. ويعلو الجزء الثالث مربع يحمل اثنين من رؤوس كمثرية الشكل تحمل كل منها هلالاً نحاسياً. التجديدات العثمانية قدمت عدة إضافات وترميمات خلال عهد الخلافة العثمانية فى مصر، وتم إنجاز الكثير منها تحت إشراف عبد الرحمن كتخدا الذى ضاعف تقريبا حجم المسجد، وأضاف ثلاث بوابات وهي: «باب المزينين»، الذى أصبح المدخل الرئيسى للمسجد، و«باب الشربة»، و«باب الصعايدة». وأضاف كتخدا عدة أروقة، بما فى ذلك واحدة للطلاب المكفوفين من الأزهر، فضلا عن تجديده خلال الفترة العثمانية، وأضاف كتخدا أيضا قاعة صلاة إضافية جنوب القاعة الفاطمية الأصلية، مع محراب إضافى، لمضاعفة مساحة قاعة الصلاة الإجمالية. المدخل الرئيسى الحالى إلى المسجد هو «باب المزينين»، والذى يؤدى إلى فناء من الرخام الأبيض فى الجهة المقابلة من قاعة الصلاة الرئيسية، إلى الشمال الشرقى من باب المزينين، نجد الفناء المحيط بواجهة «المدرسه الأقبغاوية»؛ وفى جنوب غرب نهاية الفناء نجد «المدرسة الطيبرسية»، ومباشرة عبر الفناء من مدخل باب المزينين نجد باب الجندى (بوابة قايتباي)، الذى بنى عام 1495، ويقف فوق مئذنة قايتباى، ومن خلال هذه البوابة نجد موقع باحة قاعة الصلاة، وقد تم تغيير المحراب مؤخرا إلى رخام عادى مواجه مع نقوش ذهبية.