أيام لها رائحتها وطقوسها الخاصة، وتفاصيلها المميزة، إنها أيام الشهر الكريم، التى تخرج بنا بعيدا عن روتين الحياة طيلة 11 شهرا، لكل منا ذكرياته الخاصة وتفاصيله التى يحب أن يعيشها كل عام.. عن هذه الذكريات وتلك التفاصيل، سألنا عددا من المثقفين.. ماذا تفعلون فى شهر رمضان؟، حالة من الإجماع سادت إجابات من تحدثوا إلينا تؤكد أن رمضان يذكرهم بطفولتهم، حيث ارتبطت طفولة البعض فى القرى حيث الترابط الاجتماعى الذى يكاد يختفى هذه الأيام، وممارسه الطقوس الرمضانية بدء من فوانيس رمضان الزجاجية القديمة التى تحمل الروح المصرية الأصيلة، وأوراق الزينات الملونة التى تربط البيوت المصرية فى حالة رمزية من التواصل الذى يجمع أهالى الحى، وسماع أشهر الأغنيات الرمضانية «رمضان جانا» ثم لقاءات الأصدقاء على المقاهى، وهذا العام حل ضيفا جديدا على شهر رمضان، وهو مباريات كأس العالم، وجلسات المقاهى ولعب الطاولة الى موعد السحور، فإلى حديث الذكريات لعدد من كتابنا ومثقفينا: الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى: رمضان فرصة عظيمة لتذكر طفولتى وأيام الصبا التى كنت أعيش فيها فى الريف المصرى حيث كنت قريب الطبيعية وكنا أطفال حريصين دائما على كل الطقوس التى تربينا عليها مثل انتظار صوت الآذان فى كل أوقات الصلاة وكنا نسهر أوقات الليل على المقاهى، وكنا نعشق اللعب فى ليالى رمضان إلى وقت السحور وننتظر الهدايا التى تقدم لنا من الأسرة فانوس رمضان ونسمع أغانى التى تبث فينا الجو الروحانى مثل أغانى احمد عبد القادر، وأم كثلوم، وأغنية «رمضان جانا» التى يغنيها صديقى الفنان عبد المطلب صديقى الذى لم أره، ارتبطت هذه الأغنية برمضان وأصبحت ضمن طقوسه، اذكر كذلك فرصة وطنية ليس رمضان فرصة دينية فقط، الفرصة الوطنية حين كانوا يزورنا جيرانا وأصدقائنا المسيحيين سواء فى نهار رمضان او ليل رمضان، إذا جاءوا بالنهار يرفضون أن نقدم لهم اى شيء وهذا لمشاركتهم لنا وهذا ليس بجديد على الشعب المصرى كلنا مصريين وصعب جدا ان يمزق احد هذا النسيج المتماسك من بداية التاريخ، هذا كان رمضان الحقيقى، أما الآن الأمور اختلفت فى العلاقات الاجتماعية كرد فعل لمتغيرات كثيرة مر بها الشعب المصرى، لكن مهما كان الاختلاف موجوداً سيظل الترابط موجوداً ويظل شهر رمضان شهر روحانى مع تذكرنا لكل الذكريات الجميلة، وأيضا تجمع الأسرة اليومى هى فرصة لتحاور مع الأقرباء فى كل الأمور، ونظرا لما نمر به الآن، فأنا لا استطيع أن انفصل عنها، وسوف أكون متابعا لكل الأحداث والكتابة عنها، وقراءتى سوف أتركها للوقت، ورمضان هو المساحة الثقافية التى تسمح لنا جميعا كمثقفين من دعوة البشر جميعا لتصحيح أخطاء فترة التطرف الفكرى وإرساء جوهر الأديان فى نفوس وعقول شعبنا العظيم، جوهر الدين الإسلامى، جوهر الدين المسيحى، وكلاهما جوهرهما المحبة والسلام والإخاء والحميمية التى هى احد سمات شعبنا، وأننا جميعا أفراد نعيش على ارض واحدة، ونرفض بشدة التيارات والشعارات التى استخدموها والتى حولت الإسلام إلى عنف وقتل وإسقاط للدولة والخروج على القانون وكراهية الآخر، يجب ان ننتهز الفرصة لنعيش جميعا المناخ الروحانى الحقيقى وإرساء قيم الإسلام الحقيقية. الناقد صلاح فضل: رمضان شهر للعبادات والأعياد والتواصل والبهجة وفرحة الأطفال بطقوس رمضان، حين كنت صغيرا لم أتجاوز 6 سنوات تحملت الصيام وصممت أن أكون مثل الكبار وكان هذه بداية حياتى التى تعلمت منها اتخاذ قرار وتحمله رغم صغر سنى، انتظر اللعب بالفوانيس وانتظر المسحراتى الذى اختفى من الشارع المصرى او ربما يكون فى بعض الأحياء الشعبية، ونسمع الأغانى الرمضانية التى ارتبطت به، ومهما صدرت أغانى جديدة لرمضان، أجد أن فى كل شيء قديم قيمة وروح رمضانية، واجهت تحدى كبير حين كنت فى الغربة أنا وأسرتى لأكثر من 15 سنة فى دولة الغرب دولة غير إسلامية كنت أشعر أننا نعيش فى جزيرة معزولة، كنا نصوم وحدنا ونفطر وحدنا ولكننا كنا نخلق الجو الرمضانى فى البيت حتى نستعيد مناخ رمضان ونسنعيد حنين الوطن، ندعوا أصدقاءنا ونحكى لهم عن شهر رمضان، أما اليوم فرمضان لا مذاق له ولا يوجد عند البعض إحساس بروحانية الشهر، أفسدنا شهر رمضان بما نفعله من عصبية وشجار وأصوات عالية واختلافات بحجة «انه صيام»، الإسراف فى شراء الطعام وقضاء معظم الوقت فى ماذا نأكل اليوم، والتليفزيون والمسلسلات التى ليس لها برمضان نهائيا لا من بعيد ولا من قريب، مجرد مسلسلات لجذب الناس، لهذا لا يحقق رمضان الهدف الحقيقى وهو العبادة والصلاة، وللأسف نحافظ على الشكل من مظاهر وإسراف ولا نبحث عن الجوهر، الإحساس الوحيد المتبقى من رمضان هو الجوع والعطش، لا نشعر بالجو الرمضانى إلا فى المساجد والجوامع هذا هو المكان الوحيد الذى نجد فيه رمضان الحقيقى بكل جوهرة، ورغم كل هذا اسأل نفسي: كثيرا هل فقد المجتمع طقوس رمضان الحقيقة، أم أننى وحدى الذى فقدت هذا الإحساس؟ الكاتب والناقد فؤاد قنديل: رمضان يذكرنى بأيام الطفولة التى كنا ننتظر فيها صوت مدفع الإفطار ومدفع السحور، ونفرح بأن كل البيوت عليها الزينة المتصلة والتى تربط بين البيوت وهذا يرمز إلى العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين كل البيوت فى نفس الشارع، وأوسع العلاقات بين الشباب تتم فى رمضان، أثناء الإفطار وفى السحور، طقوس رمضان المعتادة الصلاة فى المغرب والعشاء والتراويح، ودائما فى رمضان التفرغ لقراءة الكتب الدينية والفقه لكبار المفكرين وأعلام الشيوخ الشيخ عبد الحميد شلتوت والشعرواى، أصحاب الاستنارة وأصحاب الأفكار الوسطية المعتدلة، والتوغل فى الدين والتعمق ولكن بالفكر بعيدا عن حالة التطرف التى كادت تمزق الشعب المصرى، التى عشناها من قبل فترة جمال عبد الناصر، الذى حاصر التطرف والمتطرفين، وأشعر فى رمضان بروحانية غير عادية، أعتبره شهر الأصدقاء بالسؤال واللقاء، واجتهد فى رفع مجموعى ورصيدى عند الأصدقاء واحصل على مجموع أعلى من المحبة والصداقة والتحاور والنقاش فى كل القضايا المطروحة على الساحة ليس فقط المشهد الثقافى انما فى كافة التحديات، الفروق قليلة بين رمضان زمان ورمضان اليوم لان رمضان يحافظ على صورته فى قلوبنا بما نحمله من ثوابت وقيم ورصيد تراكمى من القيم والروحانيات، لا اظن ان احد يستطيع ان يغير الهوية الرمضانية عند الشعب المصرى مهما فعل سيظل رمضان فى قلب كل مؤمن، احرص فى رمضان على التفرغ لتلبيه احتياجات رمضان ومحاولة إرضائه، انا أعامل رمضان معاملة «الجد».. «أقبل يده» وأجرى عليه بفرحة الطفل الذى ينتظره طقوسه وأدواته، ولا أحب الأكل فى رمضان وأفضل الوجبة الخفيفة، رمضان يطلب منا أن نكون بخفة وشفافية روحانية، وربما كثرة تناول أشياء كثيرة تؤدى إلى نوع من الكسل، لم أهمل العمل فى رمضان، انتظر رمضان حتى يبعدنى عن الهم والأسى الذى عشناه طوال الأعوام الماضية، نريد ان نرتدى جميعا الجلباب الأبيض وتكون عيونا جميعا مليئة بالمحبة للآخر، ونوقف خلافاتنا واختلافاتنا وتجمعنا الحالة الوجدانية الرمضانية التى أتمنى ان يكون رمضان طول العام وليس شهرا واحدا فقط. الشاعر إبراهيم داود: أحمل لهذا الشهر الكريم ذكريات كثيرة وأهمها فترة الطفولة وحالة السلام النفسى التى كنا نتمتع بها، حيث كانت القلوب صافية والنفوس هادئة ليس بها اى شائبة او محملة بضغينة، اشعر أن من يستمعون برمضان هم الأطفال الذين يتابعون الطقوس صوت مدفع الإفطار والزينة والفوانيس القديمة وصوت المسحراتى الذى نحكى عنه لأنه لم يعد متواجد فى الشارع المصرى، كلها طقوس تحمل الروح المصرية، رمضان هذا العام سوف يبعدنى عن «لعبة الطاولة» ومتابعة مباريات كرة القدم وكأس العالم، لعب الطاولة مع الأصدقاء ليس مجرد لعب انما يكون لعب وفكر ونقاش وحوار حول كل شيء، جلسات المقاهى فى رمضان رائعة والمثقفون أكثر البشر الذين تواجد على المقاهى، إنما نظرا لانشغالى بالعمل فسوف أحرم من لعبة الطاولة، العمل عبادة وشهر رمضان ليس للكسل والتراخى الفكرى، كلنا يجب أن نعمل كلا فى مجاله، ولم استطيع متابعة اى مسلسل تليفزيونى، لكن سوف احرص على قراءة كتب التصوف الاسلامى وكل ما يختص بقيم الدين، والفرصة الأكبر هو «اللمة» والحميمة التى احرص عليها مع كل أفراد أسرتى. الشاعر جمال القصاص: استرجع فى رمضان الطفولة القروية التى عشتها وفرحتى بالفوانيس واللعب مع الأولاد وروح القرية، وأتذكر اننا كنا نذهب الى «السمكرى» الذى يصنع الفانوس القديم قطع زجاج يعيد تجميعها وتكسيرها للأشكال ويحيطه المعدن الذى يعطيه شكل الفانوس، كانت متعة وفرحة لنا عند مشاهدتنا لصناعه الفانوس، انا استعد لرمضان كل عام بشراء الفانوس المصرى الذى يحمل روح رمضان، الفوانيس الجديدة لا اجد فيها اى احساس رمضانى فهو مسخ لشكل الفانوس، وعلى الجانب الثقافى رمضان يحمل الطابع الروحانى وفرصة لإعادة الصداقة التى قد تكون فسدت بسبب خلافات واختلافات فرصة لتنقية النفوس من كل الشوائب، محتاجين استعادة روح رمضان، وأتجول فى رمضان فى مناطق المقاهى الشعبية ولعب الطاولة، ولا يخلو رمضان من «اللمة» وضمة الأسرة والأقارب والصحبة يجمعنا رمضان على طاوله واحد هو احساس واحد، رمضان هذا العام سوف اكون مستمعا جدا بمتابعه مباريات كأس العالم بين الاصدقاء وسط الأجواء الرمضانية، تختلف المشاهدة مع الاصدقاء عن مشاهدة المباراة منفردا، كل أيام رمضان كريمة وجميلة خاصة أنه يعيد إلى قلوبنا الروح المصرية التى تكون فى أعلى قيمتها الروحانية فى شهر رمضان.