عند دخولك إلى قاعة «الباب» بمتحف الفن المصرى الحديث بالأوبرا انتبه لأنك سوف ستجد نفسك قد وصلت الى عوالم أخرى، عالم محير يطرح سؤال بصرياً لم تحسم اجابته بعد رغم كل النظريات الفلسفية، هل انت امام لوحات فنية تم استلهامها من عناصر الطبيعة؟، أم أن الطبيعة اقتلعت من جذورها برغبتها وتسللت إلى لوحات الفنانة «فاطمة عبد الرحمن».. تلك الإشكالية التى تستحق الطرح التشكيلى والفلسفي، قضية الجمال الفنى وجمال الطبيعة، فالبعض يرى أن الجمال يكمن فى الطبيعة، والجمال الفنى ما هو إلا انعكاس لجمال الطبيعة، هذه الإشكالية والتى تنافس الفلاسفة حولها ومنهم «جان جاك روسو» صاحب أول مذهب فلسفى، والذى دعا إلى عباده الطبيعة حين قال: «الطبيعة هى المصدر الأوحد للفن ومهما قدم الفنان من أعمال فإنه لا يعلو عن الطبيعة»، بينما اختلف معه «كوربيه» الذى كان مؤيد لأن الجمال كائن فى الطبيعة إلى أن يكتشفه أهل الفن»، ثم «كروتشية» الذى جاء بنظريه انكار الطبيعة وقال: «إن الطبيعة بليدة خرساء حين تقارن بإبداعات الفنان». واليوم تطرح الفنانة فاطمة عبدالرحمن نظريه أخرى فى معرضها، ان كلاهما لا يستغنى عن الآخر، وأن الفنان يمكنه الكشف عن جزء من جماليات الطبيعة بالتأمل والتحليل وليس بالمحاكاة والنقل المكرر، بل بالطرح الوجدانى والخيال الخاص للفنان، هذا الخيال له أدواته وهى الاختزال والحذف والإضافة والمبالغة فى العناصر الطبيعية مع بقاء جماليتها شكلاً ومضموناً، وأن يستخدم الفنان أدواته الحسية والبصرية ويضعها فى عمله الفنى، قبل ان يبحث عن التقنيات والخامات، من هذا المضمون الفلسفى والتشكيلى قدمت الفنانة معرضها الجديد «تحولات» حيث صاغت ثلاثين لوحه مختلفة الاحجام فى مجال الجرافيك، عبرت عن عالم النبات وتحولاته التى ترشدنا إلى عالم الفن، الى القيم الجمالية والفنية والخطية والملامس والحركة. اختارت «عبدالرحمن» عنصر النباتات بإيقاعاته وتفاصيله وقوانينه البنائية الخاصة وتناولتها بحرية وانطلقت بعنصر النبات الى عالم يجمع بين الواقع والخيال، واعطتنا إيحاء بأن النباتات صاعده إلى السماء حيث حان موعد الصلاة الى خالقها وهى ترجمة لحاله صوفيه وروحانيه لوريقات النبات، ثم حاله أخرى حين يتمسك النبات بجذور الأرض الخصبة بقوة، واستكمالاً للحالة الإنسانية النباتية الحميمة نجد فى العديد من اللوحات تصف فيها تعانق النبات مع فروع الأشجار العتيقة المتشابكة فى صمت مسموع، لكنه مسموعاُ بصرياً وكأن النبات يحتمى بالأشجار ربما خوفاُ وربما عشقاً. أما الجانب التقنى فقد استخدمت الفنانة القلم الجاف الخفيف الرمادى فى إحداث درجات رمادية كثيرة ساهمت فى اظهار العلاقات الخطية المعقدة فى فروع النبات والأشجار بهمس وهدوء وشجن، وهذه الدرجات الرمادية تملك الفنانة اسرارها، فهى تتعامل مع القلم الجاف بوجدانها قبل اناملها، فلا يستطيع كل فنان ترويض هذا القلم والتحكم فى درجاته، وجعلت لدرجات القلم معانى حسية تعبر عن ابتسامه النبات لنسمة الربيع، نرى درجات الألوان تقترب من بعضها أحيانا بحسب حاله كل تكوين، وبعد اقتراب الدرجات تأتى لحظة الفراق، تتباعد الألوان وتفترق على وعد بلقاء آخر ربما يكون فى اطراف اللوحة، كما استخدمت الألوان الخشبية الهادئة بألوان محدودة تكمل جماليات الطبيعة. أما عنصر الفراغ فهو تلك المساحة بيضاء التى تركتها الفنانة فى كل تكوين فنى كمساحة محسوبة فبدونها لا تنمو نباتاتها الإبداعية، وهو أحد أبطال عالمها وتفردها وخصوصيتها الفنية والذى ساهم فى خلق التوزان البصرى.