تكشف الطبيعة المجازية عن مكنوناتها في اعمال الفنانة «سعاد السعيدي» حين نتأمل تفاصيلها بذهنية بصرية، لنتفاعل مع كل لون وشكل يتكون بشفافية مفعمة، وبهمسات تملأ الاحاسيس طاقة حيوية تسري في النفس، وتتخذ مساراتها منحى فلسفياً يتغنى بالطبيعة وانطباعاتها الساحرة, لان تغيرات الطبيعة تحمل فنيا مفاجآت لا يلتقطها الا كل حس شاعري يؤمن بقدرات الطبيعة الخلاقة على ابرازالجمال، فماذا لو حاولت ريشة ذاتية تتناغم بموضوعية مع الالوان لتكوين طبيعة خاصة بألوان مختلفة؟.. فن ساذج انطباعي النكهة ينفي كل تكنولوجيا الحياة عنه ليعود الى الطبيعة ومكوناتها الجمالية، لكنه يمتلك تصويرات ورؤية تعبيرية تمنح المتلقي دهشة تحاكي كل حركة لونية زاهية، وكل خط يخرج بوعي تشكيلي من اللاوعي الفني. لتكوين العوالم الشاعرية المتزاحمة الخطوط، والممتلئة بشحنات حارة تنشط الذاكرة، وتمنح الذهن تنبيهات بصرية تفصل بينها احيانا بلون اخضر يعيد التوازن، ويصل بين الحقيقة والخيال وبين الأرض والسماء في لوحة عشوائية البنية، ومتناقضة مع الحقيقة والواقع حيث التكوين الفني المندفع من اللاوعي التشكيلي والمتوثب حماسيا مع فكرة الشجرة المتصلة بالارض، والمنفصلة عنها مع ما يحيطها من ايحاءات باحثة عن الأنا من خلال الشجرة الشبيهة بالحياة والانسان، وحتى الكائنات واشكالها الحيوية وخطوطها، وألوانها، وثيماتها التكنيكية القادرة على منح الرائي صورا ذهنية متعددة الانطباعات جماليا. تستثير «سعاد السعيدي» البصر بلون اصفر متوهج يتقد ويتأرجح بين قوة وضعف، وبين حار وبارد بدرجاته المبتعدة والمقتربة مع الاخضر، والازرق، والاحمر، والبني، وكان فروقات اللون الاساسي هي نتيجة معادلة تصرخ من خلالها «سعاد السعيدي» بتمرد في وجه قساوة واقع يحيط بالحياة بشكل عام او طبيعة ذات تغيرات وتحولات تتنافر فيها لغة اللون. لنشعر بدبيب الطبيعة الخاصة في لوحات شاعرية تجعل من خصوبة اللوحة وسيلة للتعبير عن نبض فني يحاكي الجمال والحياة، والطاقة اللونية المستمدة من الشمس وحرارتها، ومن القلب صدقه وعفويته، ومن الاحمر خاصيته، فمقامات كل لون في لوحات «سعاد السعيدي» تؤثر نفسيا على الحس الادراكي، وعلى اللاوعي الطفولي المختزن في الذاكرة وسماتها الغرائبية ذات الانطباعات الفانتازية، وطبيعة تضادها مع الاحاسيس والمعاني اللونية المنبثقة من لوحة تحاكي الأنا والحياة. انعكاسات لونية تضفي جوا نفسيا مفرحا، وعقلانية باحثة عن هندسة خطوط تائهة في الاعلى والاسفل، وعن اليمين وعن الشمال، وكأنها تزركش بالخطوط أطر اللوحة، فبعض اللوحات تكتمل من خلال رؤيتها من الجهات الاربع، وتمنحها ظلالا رومانسية باردة تعانق من خلالها الالوان الحارة في عوالمها الغير محدودة والمتماهية مع ذاتها لانها تارة تظهر خربشات طفولية عبثية مشاكسة، وتارة اخرى تمنح اللوحة وعيا فنيا له سرديته الخاصة التي تنطوي على عقلانية تظهر من خلال الايماءات، والاشارات الفنية المرتبطة سيميائيا بروحانية اللون الاصفر والاحمر. خربشات ايحائية تهدف الى سرد موضوعي مبطن يحتاج جرأة مشابهة. لجرأة اللون الحارالمتلاحم مع الابعاد، وما تمثله من تكنيك عفوي له جماليته الفنية المقروءة ايحائيا من خلال المحاكاة الذاتية المتوازنة مع الانا، والمتنافرة مع الواقع الانطباعي والحياة المبهرة بقساوتها التقليدية. لهذا نرى قي لوحات «سعاد السعيدي» خروجاً عن المدارس الفنية مع المحافظة على تأثيرات فنية ساذجة، وانطباعات تعبيرية ذات تكوينات غامضة واداء تلقائي يعتمد على اللاوعي، ومشاكساته للواقع لتظهر الرؤى والافكار والخيالات المرتسمة في خبايا اللوحة، كانها مسرحية الوان افتتحتها «سعاد السعيدي» بموضوع يرتكز على الشجرة ورمزيتها القوية للعطاء والحياة والبيئة والجمال. جوانب تصويرية ترتبط بحالة تناغم حارة، فما من صراع تشعر به في اعمالها رغم قوة الالوان, وتضادها، وايحاءاتها اللاشكلية الاستعراضية بانوراميا، فوضوح الشجرة هو ايضاح للانا، وللحركة الغامضة في الابعاد الفراغية الظاهرة في الخربشات الثانوية التي تترجم انفعالات كل لون مرتبط بالتأليف الايحائي الزاخر بالحركة الدائرية الملتفة مع الخطوط المائلة والمنحنية والافقية، وهذه تمثل مسارات بيئية غير مألوفة ومحببة للنفس من حيث تكوينها السهل الممتنع والبسيط المعقد، وكأنها تبحث عن حقائق الحياة في عوالم متخيلة، فالكائنات الايحائية قد تكون طائرة او بيوت دافئة او كائنات غريبة من فضاءات اخرى. لكنها خرجت من افكار تخيلية حالمة بمواطن متحررة. مما يجعل تأملات الألوان وتفاصيل الأشكال هدفا يسعى اليه المتلقي ليبحث عن المعاني الحياتية، ورموزها واشاراتها ومضمونها التعبيري المبطن فنيا. وعي يرتبط باللاوعي الفني الذي نترجم من خلاله ما يمور بالنفس من خبايا ، وكأنها تمارس فن التعلم من خلال اللعب الطفولي، وهذا يمنح التفكير الحسي صحوة تتجدد بعد الخروج من معرضها حيث تنشط الحواس بعد استمتاعها بالألوان القوية، والخفيفة، كالأصفر، والاحمر والاخضر، والازرق، والبني. مما يجعل من أعمالها الفنية تحمل بعدا فكريا يعتمد على العشوائية الخاضعة، لمتغيرات ريشة تبحث عن التحرر من الذات والعودة إلى الطفولة الواعية لتوضيح مفهوم الجمال الفطري. معرض الفنانة سعاد السعيدي (SOUAD SAIDI) في (SV Gallery in Saifi Village) بيياس ايونيك سايقا ويستمر حتى 28 كانون الاول 2013. المصدر: اللواء اللبنانية