حسن عامل بسيط في إحدي المؤسسات الحكومية، يقوم بدوره في الحياة بشكل إيجابي، أحيانا ينظف مكاتب الموظفين، أو يحضر لهم الشاي والقهوة، علاوة علي مشاوير في الخارج، شراء سندويتشات فول وطعمية صباحا، وعلبة سجائر لهذا الموظف أو ذاك. لم يسبق لحسن أن شارك في أي انتخابات أو استفتاءات، لكنه أدلي بصوته في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية السبت الماضي سألته ماذا ستقول؟ قال: لا لماذا: لأنني طوال حياتي أقول نعم.. هذه المرة الأولي التي أقول فيها لا علي أي شيء.. أول مرة في حياتي أقول لا! لحسن منطق في الحياة يجب احترامه، فهو صوت لحاجة شخصية ونفسية فقط، بغض النظر عما احتواه الدستور من تعديلات، وما سينتج عنها بنعم.. أو لا، المهم أنه انتزع حق الرفض لأول مرة في حياته، حسن قال لا لسبب شخصي جدا، ربما لأنه يريد ألا يحضر ساندويتشات الفول، أو لأنه لا يريد إحضار فنجال قهوة لموظف يتعامل معه بدونية، بينما حسن مثله تماما وربما أفضل، يؤدي عمله بتفان بغض النظر عن طبيعة هذا العمل. أم ياسر سيدة متعلمة أنهت دراستها الجامعية وتزوجت وتفرغت لبيتها وأولادها، ثلاثة يعملون بالمحاماة، لهم مكتب للدفاع عن الناس لا تنقطع قضاياه ولا تتوقف، هي أيضا لم تشارك من قبل في أي انتخابات أو استفتاءات من قبل. أم ياسر قالت نعم للتعديلات الدستورية.. من وجهة نظرها نعم تعني أن الأغلبية الصامتة لن تسكت بعد الآن، بعد أن أدلت بصوتها في صندوق الاقتراع، وغمست إصبعها في الحبر الفسفوري في إحدي لجان المعادي قالت: القرار عاد لنا.. نحن الشعب.. نحن الأغلبية. من يتحدث باسم الشعب كان سؤالا كبيرا مطروحا ولو بصيغة غير واضحة علي الناس، فحين تتحلل السلطة، يدعي كل صاحب صوت عال، وكل من يستطيع النفاذ إلي وسائل الإعلام أنه المتحدث الرسمي باسم الناس، أو كما أطلقت عليهم وكلاء الرأي العام. لكن بنتيجة الاستفتاء عرف الكثيرون أحجامهم الطبيعية، لأن الجماهير الغفيرة التي قالت نعم في الاستفتاء قالت أيضا لا لمن يغتصبون حقهم في التعبير عن أنفسهم.. وربما هذه هي إحدي الرسائل المهمة التي خرجنا بها من استفتاء 19 مارس.. لكن الرسالة الأهم التي علي الجميع أن يعيها هي أن التصويت تم بدون وعي كبير علي سؤال مهم: هل توافق علي إسقاط الدولة أم لا؟ النظام السياسي في مصر سقط يوم الجمعة 28 يناير، حينما انهار جهاز الشرطة وتبخر، وفي النظم التي تعتمد علي القبضة الأمنية إلي حد كبير، تنهار النظم بانهيار أدواتها الأمنية. سقط النظام السياسي بنهاية نهار جمعة الغضب، وظل الضغط قائما والمقاومة مستمرة حتي 11 فبراير ليس لإسقاط النظام أو الحفاظ علي الرئيس، وإنما لضمان عدم سقوط الدولة، وفي 19 مارس خرج المصريون من بيوتهم الذين لا يشعرون بالأمن، والمتشائمون من الوضع الاقتصادي، والرافضون للفوضي للتصويت بنعم للحفاظ علي الدولة المصرية وعدم إسقاطها.. وهكذا بقيت الدولة بفضل الأغلبية الصامتة التي قالت نعم.