الوجوه السمراء مصدر إبداعاته الفنية، قناعاته بهذه الوجوه فاقت المتوقع إنسانياً وتشكيليا، جعل المشاهد يرى هذه الوجوه بملامح عتاب ولوم على نسيانها، هم وجوه لنساء ورجال من النوبة والأقصر، وجوه تناساها المجتمع، همشوا وأهملوا ولم يحصلوا على أبسط حقوقهم فى المواطنة دون تمييز، وكثيرا ما تعرضوا للتهجير على فترات كثيرة من التاريخ، هنا تذكرهم الفنان التشكيلى الأسيوطى «فرحات زكى» وقرر أن تكون هذه الوجوه قضيته وموضوعه الفنى الذى تناوله من خلال العديد من المعارض للوجوه السمراء بكل ما تحمله هذه الوجوه من جماليات وبراءة وطيبة مصرية أصيلة، اليوم يكمل الفنان الدفاع عن أصحاب البشرة السمراء فى معرضه الجديد «زهرة على وجه الجنوب» المقام حاليا بقاعة جرانت، يحتوى المعرض على خمس وعشرين لوحة بالباستيل وألوان الزيت والألوان المائية. حين تدخل القاعة تجد هذه الوجوه تطل عليك من داخل لوحاته المنفذة بالألوان الزيتية والباستيل، ومن عمق مجموعة لونية متميزة نادراً جدا ما يستخدمها الفنانون، مجموعة لونية دافئة عميقة ساحرة، الوجوه تحاصرك وتحاورك وتناديك بأجمل الكلمات والترحيب، وكأن هذه الوجوه تعرفك من قبل، كانت فى انتظارك لتذكرك أنهم وجوه مصرية غابت عنا وغبنا عنها كثيرا، ومن بين لوحات الوجوه السمراوات نجد لوحات لزهور عباد الشمس والورد البلدى بكل أشكاله وألوانه الساحرة بالألوان المائية، على ما يبدو أن «فرحات» يقدم الزهور إلى السمراوات ويحمل لهن المحبة فى قلبه، أو كما يقول عنهن فرحات هن «سمر الوجوه بيض القلوب»، ولم يكتف بالزهور والسمراوات فقد عرض أيضا مجموعه بورتريهات لأصدقائه وأحبائه وجعلهم يشاركون سمراء الجنوب فى حالة فنية تشكيلية إنسانية واجتماعية. على الجانب التقنى نجد أن الفنان فرحات زكى صاحب بصمة تميز سواء فى تقنيات الألوان الباستيل أو تقنيات الألوان الزيتية أو الألوان المائية، بصمة تحسب له على مدار مشواره الفني، وهو من الفنانين المعدودين المسيطرين على أدواتهم الوجدانية والفنية، وهو أحد تلاميذ الفنان الراحل صبرى راغب، لكنه تلميذ تألق وتفوق وأبدع، كلما وصل إلى إبداع قاده إلى إبداع آخر، وهو أيضا من القلائل الذين يجيدون رسم البورتريه بشكل أكاديمى ولكنه يخرج بالعمل من الأكاديمية الصارمة والتشابه الشكلى للملامح إلى التأثيرية اللونية الحالمة ومنها إلى التعبيرية الصادمة والمعانى المحيرة، التأثيرية تفرض وجودها على الأعمال وتكشف عن صفات ومضمون الشخصية بتداخل الألوان والإضاءة والظلال بين ملامح الوجوه بشكل متوافق، والتعبيرية الصادمة هى تلك الرسالة التى وضعها الفنان على كل شخصية، نجد السمراء تبدو هادئة الملامح، وفجأة بين هذا الهدوء تخرج دموع، تشعر بها دون أن تعرف مصدرها.