من واجبى كمواطن حريص على بلاده، أن أتوجه إلى الفريق أول عبد الفتاح السيسى ببعض ما يختلج فى نفسي، فقبل أن تعلن ترشحك لرئاسة وطنى الذى أعشقه مصر، وقبل أن أختارك بملء إرادتى ورغبتى لتقود سفينة الوطن ما أمد الله فى عمري، أوجه لك هذه الكلمات، ولن أتطرق خلالها لاعتبارات الأمن القومي، أو العلاقات الدولية والإقليمية، فإنك أخبر منى بها، وأقدر على معرفة دهاليزها، والأجدر على فك طلاسمها، بحكم المواقع الحساسة التى كنت وما زلت تشغلها، والتى أهلتك بلا جدال لأن تكون للرئاسة أنسب الرجال، فلا أحد يضاهيك خبرة وحنكة فى هذا الجانب الأهم للبلاد، خصوصاً فى هذه اللحظات بالغة السوء، وربما الأسوأ فى تاريخ مصر الحديث، فهى لا تمثل خللاً اقتصادياً فحسب، إنما تُشكل برزخاً شديد الضيق، ينتظر فيه الشعب بين الأمل والرجاء، لحظة الانبعاث والانتشار، فماذا بعد أن ثار؟ هل هى الجنة أم النار؟، إن مصر يا عزيزى كما يقول بعض الآثاريين هى البلد الذى يتجلى الله فى سمائها ويسكن، ولذلك فهى المحروسة أبداً بإذنه تعالى، ولم يأت ذكرها فى القرآن الكريم عشرات المرات من فراغ، ولم تخل كتب الأديان السماوية من الإشارة إليها فى مواضع مختلفة إلا لمنزلتها الربانية، فتلك البركة الإلهية هى السر وراء حفظ هذا البلد بين العالمين، ورباط أهله إلى يوم الدين، فالفخر كل الفخر لمن يحكمه، والعزة له والرفعة إن كان حكيماً حين يدبر، عادلاً حين يُقرر، مُقلاً حين يقول، بسيطاً حين يجول. ولكن الناس يتساءلون: إذا كان لمصر عند الله هذه المنزلة العالية، فلماذا يعيش أهلها فى هذا الضيق الذى لا يرون له انفراجاً، وتحاصرهم الهموم فرادى وأزواجاً، وتتنافس الأمراض على أجسادهم، وتتمكن الأمية من عقول بعضهم، ويزاحم فيها الأحياء الأموات قبورهم؟. فى اعتقادى أن الإجابة تجسدها كلمة واحدة قاطعة، هي: الإدارة..! فعلى الرغم من أن مصر تمتلك خزائن الأرض من الخيرات كما جاء فى كتاب الله العزيز، وقد كانت تفوق اليابان قبل انطلاقتها، إلا أن إدارتها كانت ولم تزل تدور فى نفس حلقة الفشل بأبديتها، ففى مصر يسيطر المغرضون، ويتمكن الفاسدون، ويحتكر الطامعون، ويستأثر بوظائفها الأقربون، أما القانون فما أدراك ما القانون أسد قوى على الصغار، نعامة خجول مع الكبار إن مسهم لا يُعاقبون، ويتناوب على حكمها رؤساء يتألهون إلى أن تجيئهم الساعة، وآخرهم الرئيس ذو الجماعة، الذى كان يدين لمرشده بالسمع والطاعة، إن الشعب لا يمكن أن يحتمل رئيساً آخر يسير على نفس المنوال، وأظنك عزيزى لست بغريبٍ عن سوء الأحوال، فالحكم بذات الأساليب القديمة أصبح شيء من المحال، فهو لا يتماشى مطلقاً مع تطلعات الناس، ولن يلبى ما تختزنه صدورهم من الآمال، فلم يعد مقبولاً بعد ثورتين عظيمتين، أن نظل نختار السيد تلو الآخر ليسكن قصراً من الرخام وتبقى قصورنا من الرمال، فالشعب الذى خرج فى 25 يناير و30 يونيو ما زال حياً لن يموت ومن يتصور غير ذلك يُراهن على الخيال. فإذا ما استخرت ربك، وعقدت عزمك، فاعلم أنه ليس بالحب وحده تُبنى الأوطان، ولا بالكلام المعسول يحيا الإنسان، فالبطون الخاوية تحتاج إلى من يحرص على إشباعها كالأم الرؤوم، فلا تعتمد على المشاعر فإنها لا تدوم، ولا تستعين بالوجوه البائدة فقد خبرناها تطفو فوق جثثنا بدلاً من أن تعوم، ولا تظن أننا لسنا بحاجة إلى الديمقراطية، أو أننا فى غنى عن الحرية، أو أن الدولة ستكون أقوى إذا تحولت إلى بوليسية، فلا تُكرر أخطاء من سبقوك، ولا تستمع إلى من يتغنون باسمك فهم ينافقوك، ولا تعطهم الفرصة إن أرادوا أن يؤلهوك، فقد كفر الشعب بآلهة البشر وتعلقت أنظاره واثقاً بتدابير القدر. لقد دققت عباراتى ما استطعت، واخترت كلماتى كيفما تمكنت، وأشرت إلى المثالب فأوجزت، وبقى أن أنتظر كغيرى أن نرى برنامجك للمنصب الجديد، الذى أرجو أن يشتمل على مشروعات بقدر مصر وحجمها، فلا تُركز على المشاكل الروتينية اليومية فعلى الحكومة يقع عبئها، وكُن كبيراً فيما تطرح، واضحاً حين تشرح، ولا تنسى أن للمصريين عيوناً وآذاناً، فالخطاب يكشفه العنوان.