ما يحدث اليوم علي الساحة العربية، والذي يمكن أن نسميه "خريف الغضب" الذي انطلق بكل قوة في وجه العديد من الزعماء العرب، وغير العرب. مستخدما منطقية الفكر والحكمة التي سادت في الشارع، وقالت كلمتها وعبرت عن أزمتها مع النظام وأركانه، بعد أن تحملت ثقل المواجهة وجرأة اتخاذ القرار والوقوف في وجه الفساد، فاستطاعت أن تحقق ما أرادت وضربت جدار الخوف، بعد أن تجمعت آمالها وحبها وعشقها لبلدها، فكان الطوفان الشعبي العارم الذي اكتسح أقطاب الفساد. ودخل بالشعوب إلي ربيع جديد. نحن اليوم نعيش ظاهرة عربية جديدة يمكن تسميتها "ربيع الشعوب العربية"، كما اطلق عليها بعض الكتاب والمفكرين، هذه الظاهرة استطاعت أن تنهي معها العديد من المقولات التي ظلت تترد علي ألسنة الكثيرين لفترة طويلة، وهي أن العرب ظاهرة صوتية خانعة ومستكينة، ليس لديهم أي خبرة في عالم الثورات، والدليل علي ذلك ما تتعرض له شعوبهم من قهر وحكم فاسد قابع علي كرسيه، تجاوز البعض منهم أكثر من ربع قرن من الزمان كما في ليبيا ومصر واليمن وغيرهم. كل هذا فجأة تساقط وتهاوي أمام شعوب بدأت تشعر بالخطر يداهمهم في كل مكان، وأن اليوم أسوأ من غد. فكانت الشرارة التي انطلقت من تونس، ومنها إلي مصر، إلي ليبيا حيث بدأت الاحتجاجات أولا في بنغازي في منتصف فبراير الماضي علي إثر اعتقال الناشط والمحامي فتحي تربل الذي يمثل عائلات أكثر من ألف سجين يتردد أنهم قتلوا برصاص الأمن صيف عام 1996 في سجن بوسليم بطرابلس، حيث تطالب عائلات الضحايا بمعاقبة الجناة وتسلم الجثث التي يقول خصوم الحكومة إنها لم تسلم لذويها إلي اليوم. وسرعان ما دعت قوي معارضة عبر الإنترنت لما أسمته "يوم الغضب" أو "انتفاضة 17 فبراير" وعلي إثر هذا ، توسعت الاحتجاجات من مدينتي البيضاء وبنغازي شرقا إلي مدينة الزنتان غربا، حيث أصبحت الآن علي مشارف طرابلس. لم تستوعب الأنظمة الحاكمة في هذه الدول الثلاث ما يحدث بداخلها، حيث وقعت في خطأ واحد مشترك، هو ما أدي إلي الإطاحة بنظامي زين العابدين بن علي في تونس ومبارك في مصر، وهو في طريقه للإطاحة بنظام القذافي في ليبيا، ألا وهو القسوة التي قابلت بها الشرطة المتظاهرين، الأمر الذي زاد من حدة الغضب الشعبي ووسع من نطاق المظاهرات وعزز من دعوات البعض لإسقاط الأنظمة الحاكمة رغم أن هذا الأمر لم يكن مطروحا في البداية. وفي ذات السياق، استمر "خريف الغضب" في ثورته، متجها نحو اليمن، حيث بدأت الاحتجاجات المتواصلة في صنعاء منذ 8 فبراير الماضي، للمطالبة برحيل الرئيس اليمني الذي يتولي الحكم منذ 33 عاما. هذا فيما كان الأمر مختلفا في احتجاجات أنصار الحراك الجنوبي في محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة والضالع، حيث طالبوا بإسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح وبالانفصال عن الشمال وعودة دولة الجنوب التي كانت مستقلة حتي 1990، وهو الأمر الذي يحمل خطورة بالغة ومن شأنه أن يقلق دول الجوار وخاصة السعودية التي تريد أن يكون اليمن مستقرا وموحدا لمواجهة خطر القاعدة وتجنب إثارة القلاقل علي حدودها، وهو ما حدا بها إلي القيام بالعديد من محاولات التهدئة من خلال إجراء بعض الإصلاحات داخل المملكة في محاولة لامتصاص الغضب القادم. ويستمر الطوفان في اجتياح كل من يقابله، فيصل إلي البحرين، فما تشهده الآن من احتجاجات، ليس بجديد حيث إنها طالما شهدت توترات طائفية بلغت ذروتها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، إلا أنه منذ تولي الملك حمد بن عيسي آل خليفة مقاليد الحكم عام 1999 وقيامه بإطلاق مشروعه الإصلاحي الذي أفرج بموجبه عن جميع الموقوفين وسمح للمعارضين في الخارج بالعودة إلي البلاد تنفس الجميع الصعداء وتراجعت بالفعل الاضطرابات الطائفية في المملكة التي يشكل الشيعة نحو 70 في المائة من عدد سكانها لكنها تخضع لحكم العائلة المالكة السنية. وعلي الرغم من أن الأمور حتي الشهور القليلة الماضية كانت تتسم بالهدوء، إلا أنه فجأة تصاعد التوتر الأمر الذي أثار كثيرا من علامات الاستفهام، ويبدو أن الإجابة لم تتأخر كثيرا وانحصرت في عدة تفسيرات من أبرزها الانتخابات البرلمانية والبلدية التي أجريت في أكتوبر 2010 والتي سبقها حملة اعتقالات نالت من المعارضة، حيث أعلنت منظمة العفو الدولية أن نحو 250 معتقلا شيعيا اعتقلوا عشية الانتخابات. كما شهدت المملكة بعد الانتخابات توترات طائفية جديدة علي إثر اعتقال ومحاكمة ناشطين شيعة بتهمة السعي إلي تغيير النظام بوسائل غير مشروعة، هذا بجانب تزايد ضيق الأغلبية الشيعية وخاصة بعد ظهور الأزمة المالية العالمية من احتكار معظم أفراد الأسرة الحاكمة ليس فقط للسلطة وإنما أيضا لثروات المملكة. ولم تقف عاصفة الخريف عند هذا الحد، بل بدأت تتجه نحو دول الخليج، والعراق، ولبنان، وقد تصل إلي سوريا، وغيرها. ويبقي السؤال: أين الولاياتالمتحدةالأمريكية من هذا الحراك؟، هل ستؤيد الديمقراطية في البحرين" كما أيدتها في مصر وليبيا"، حيث مقر الأسطول الخامس، حيث يدار من المنامة أكبر أسطول بحري في التاريخ وهو الأسطول الأمريكي الخامس مع حلفائه والذي يضم 92 قطعة بحرية بينها حاملات طائرات وغواصات؟. هل ستسمح بالزحف الشيعي القادم من إيران نحو دول الخليج؟. وهل ستستقبل تلك الشعوب ربيعا جديدا مشرقا يلقي بزهوره عليها ، يحمل معه مستقبلاً أكثر إشراقا؟.