تعتبر ظاهرة تفرد الإنسان ببعض الخصائص من أهم حقائق الوجود. فالاختلافات الفردية توجد في جميع الكائنات العضوية. فمن الملاحظ أن أفراد النوع الواحد يختلفون فيما بينهم، ويظهر ذلك بوضوح في أدائهم لما يطلب منهم من أعمال من حيث السرعة والدقة في الإتقان، وفي الصفات الجسمية والعضوية الظاهرة، فأفراد السن الواحد يختلفون في الطول والوزن وحجم الجمجمة ...إلخ، وهذا يعني أنه لا يوجد فردان متشابهان في استجابة كل منهما لموقف واحد. وقد استرعت هذه الاختلافات بين الأفراد انتباه المفكرين والعلماء من قديم الزمن فأفلاطون ضمن أهدافه الأساسية في جمهوريته المثالية، وضع كل فرد في عمل خاص يناسبه، وفي الجزء الثاني من كتابه الجمهورية توجد العبارة التالية (أنه لم يولد اثنان متشابهان، بل يختلف كل فرد عن الآخر في المواهب الطبيعية فيصلح أحدهما لعمل بينما يصلح الثاني لعمل آخر)، فيقسم أفلاطون في جمهوريته الناس إلي فئات تبعا للاختلافات الموجودة بينهم ويحدد مهنا معينة لكل فئة بما يتفق وهذه الفروق. ولم تهمل عبقرية أرسطو الاختلافات الفردية فقد فاض في مناقشة الفروق بين الجماعات بما في ذلك الفروق بين الأجناس والفروق من الناحية الاجتماعية والفروق بين الجنسين في السمات العقلية والخلقية. ولقد نسب هذه الفروق علي الأقل بشكل جزئي إلي عوامل فطرية ويبدو هذا في بعض الجمل مثل (قد يقول أحدهم، حيث إن في قدرتي أن أكون عادلا وطيبا فسأكون خير الرجال) ولكن هذا لا يمكن حدوثه بطبيعة الحال ذلك لأن الذي يرغب في أن يكون خير الرجال لن يكون كذلك إلا إذا افترض وجود المستلزمات الطبيعية. في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ظهر في كتابات جماعة من التربويين الطبيعيين مثل (روسو) و(بستالوزي) و(هربارت) و(فروبل) اهتمام واضحا نحو الطفل فقد اعتقد (روسو) أن الطفل لديه قدرات فطرية معينة عند الولادة، وان الإنسان يجب أن يحترم النمو الطبيعي لهذه القدرات، فالطفولة في نظره مرحلة متميزة لها احترامها ولها قوانينها التي تختص بالنمو والتي يجب أن تخضع لها المناهج الدراسية والطريقة التي يتبعها المدرس. ومما هو جدير بالذكر أن حركة قياس الفروق الفردية لم تبدأ علي أيدي رجال علم النفس ولكن بدأت علي أيدي علماء الفلك. فلقد حدث في عام 1796 أن طرد مدير مرصد (رويال) ب(جرينتش) مساعده (كينبروك) من وظيفته بسبب الفرق الثابت في 18 ثانية بين ملاحظاته لمسار النجوم وملاحظات رويال لها. وقد ارجع مدير المرصد هذه الفروق إلي عجز (كنبروك). وفي عام 1816 قرأ بيزل وهو فلكي عن هذه الحادثة فاهتم بدراستها واهتم بقياس ما عرف بعد ذلك باسم المعادلة الشخصية للملاحظين المختلفين. وفي هذا اعتراف بأن الذي كان يعتبر خطأ في حادثة (جرينتش) إنما هو في الحقيقة مظهر من مظاهر الفروق الفردية. وهدف هذه المعادلة تصحيح الفروق في الثواني بين تقرير الملاحظين وبذلك فهي أقرب ما يكون من مفهوم الخطأ الثابت في الفروق السيكوفيزيقية وقد كان هذا أول تسجيل نشر عن المعلومات الكمية للفروق الفردية ذلك لأن هذه المحاولات استطاعت أن تحول الفروق إلي تقديرات عددية يمكن المقارنة بين مختلف الأشخاص علي أساسها بدلا من المقارنات اللفظية غير المحدودة. وقد أدي هذا الحادث التاريخي إلي اهتمام الباحثين في النصف الأول من القرن التاسع عشر بقياس الفروق الفردية.