لقد تمَّ تجاوز الكثير من المصادر التقليديَّة لاستقاء المعلومة، فالتدريس ليس ايداعا لكنه كما يقول الامام (2010) التدريس ابداع، ينبغى نسف الايداع والاسراع فى تعليم وتنمية الابداع، فالتدريس الابتكارى له اسسه وإجراءاته فى ظل تضاعف المصادر البديلة التى يجب استثمارها وتوظيفها لصالح التعليم،عبر مفاهيم جديدة تفتح آفاقاً أوسع للمدارك والمفاهيم. لم يعد المطلوبُ من المُعلم إثقال أدمغة الطلاب ب»الحشو»؛ لأنّ التقدُّم التكنولوجى - خاصة ثورة الإنترنت- قد وفرت المعلومة بكبسة زر، وجعلتها فى متناول الجميع (الصغير قبل الكبير) عبر وسائل التواصل الاجتماعى، ومحركات البحث المختلفة ، وفى ظل هذه المعطيات لم يعُد دور المُعلم كما كان فى السابق. ومن هنا، وجب على نظامنا التعليمى أن يستوعب هذه المتغيِّرات الكبيرة، ويواكب العلوم الجديدة لتحقيق نقلة نوعيَّة فى أدائه لرسالته، وحتى تحقق العمليَّة التربويَّة التعليميَّة أهدافها فى إيجاد جيل مستنير مسلح بمهارات عالية، وقادر على مواجهة التحديات المستقبليَّة بثقة، وبعقل مفكر ناقد وبآليات نظريات العقل والدماغ والخروج من الأطر المحددة الى رحابة العلم وتسارعه. وهذا يقودنا إلى الشق الثانى من التأهيل، والمرتبط بالجانب المعنوي، وبشخصيَّة المُعلم؛ من حيث ارتباطه بمهنته واقتناعه بها؛ لا بوظيفته وروتينيتها، لأن هذا أحد أهم السبل لتجسير العلاقة مع الطلاب، وتنمية عامل الثقة فى نفوسهم، وفى معلمهم؛ لينظروا إليه باعتباره «القدوة»؛ مما يُسهم فى التشكل الإيجابى لشخصيَّاتهم مستقبلاً، وعلى كل أصحاب المهن أن يتعلموا من آليات ثورة الشباب فى 25 يناير، و30 يونية، و3يوليو، 26 يوليو الجمعة المباركة، وعلى الجميع أن يؤمن بأن مصر رائدة فى الابداع فى تحليل واقع الاختلاف فى التفكير بين تظاهرات الميادين ما بين التفكير والتلقين. إنّ إصلاح التعليم يعنى بالضرورة إعادة تأهيل المُعلم، ومدَّه بفكر جديد، وأدوات جديدة، ودور مبتكر ومفهوم حديث، وقد لا نتمكن من تحقيق ذلك دفعة واحدة، ولكن من المهم أن نرسِّخ لعلاقة جديدة يكون المُعلم هو محورها الأساسي، والمحقق لهدفها الأسمى؛ وهو: تعزيز مفهوم الجودة فى التعليم. إن التعليم من المهن التى تتطلب التحديث، وتفرض أهميَّة التطوير المستمر للمعلمين؛ لمواكبة الكثير من المتغيرات والمستجدات. ومن هنا؛ لزم الحرص على الاستفادة من المفاهيم الحديثة فى المدارس التعليميَّة؛ ومنها: التعليم التفاعلى القائم على تفاعل الطلاب مع بعضهم البعض، ومع معلميهم. وكذا تفاعل المعلمين مع إدارتهم بشكل إيجابي؛ لإيجاد الحلول البديلة لمختلف التحديات التى تواجههم فى أداء مهامهم بشكل أفضل وأكثر فاعليَّة. فالحد الأقصى للتعليم يحدث عندما يكون الطالب فى بيئة واقعيَّة وثريَّة تثير لديه العديد من المحفزات للمعرفة والتفكير؛ لأننا ندرك -اليوم- أن إمكانات العقل البشرى وكفاءته أكبر من عمليَّة التلقين والحفظ على الطريقة التقليديَّة، وأن عقولنا تستقبل العلم بشكل أفضل عندما يُثير لديها مشاعر قويَّة؛ مما يؤكد أهميَّة إبقاء تركيزنا دائماً على المنهجيَّة والآليات والمهارات وليس على حفظ التعليمات. ونظريات التربية تثبت أن مسئوليَّة المُعلم تكمُن فى تنمية مهارات التفكير لدى الطالب، واستنهاض ملكاته ليقدم أفضل ما لديه. وتتطلب مهنة التدريس فى عصر المعلومات التجديد والتطوير المستمر لإمكانات المعلم، ومن هنا تبرز ضرورة التطوير الذاتي، والاستفادة من البرامج المقدَّمة عبر ورش العمل والمحاضرات...وغيرها من وسائل؛ تهدف إلى تجديد المعلومات، ومواكبة التطوُّر العلمي، وتعزيز مهارات المُعلم فى التعليم وإدارته. إنَّ المُعلم الحديث - على خلاف التقليدى - يكمُن دوره الشمولى فى إيجاد بيئة محفزة للطلاب، وإشعال جذوة الحماس فى نفوسهم نحو التفكير والابتكار والإبداع؛ بعيدًا عن التلقين والحفظ. ولم يعُد هناك مجال لتقسيم الفصل لطلاب موهوبين متفاعلين يتقدَّمون الفصل، وآخرون كُسالى يجلسون فى الخلف دون أن يعبأ بهم أحد. ينبغى أن يكون مُعلم العصر موقناً بأن كل طالب يحمل فى دواخله قدرات ومواهب وإمكانات، وأن يجعل من مهمَّته الرئيسيَّة تحفيزهم لإبراز هذه القدرات وإظهارها للعلن. فكم من طالب موهوب ضاعت موهبته بسبب عدم التحفيز الكافى من معلمه أو مجتمعه المحيط؟! وكم من قدرات كان مصيرها الهدر لأنها لم تحظَ بالاهتمام اللائق بها؟! يتوجَّب على مُعلم اليوم -وفى ظل تعدد نوعيَّة الطلاب داخل الفصل الدراسى الواحد- التعامل بمرونة خلاقة تتكيَّف مع مختلف القدرات والإمكانات للطلاب؛ حيث يُنتظر منه تعزيز نقاط القوة المختلفة لدى الطلاب، ومعالجة نقاط الضعف لتجاوزها بشكل أمثل. فالفارق بين المُعلم فى السابق، والمُعلم فى وقتنا هذا، هو أن الأول كان دوره ينحصر فى التلقين، بينما يتوقع من الأخير أن يكون متفاعلاً مع المستجدات العلميَّة والتقنيَّة، ومجريات ثورات التغيير العربى – التى تأرجحت مابين الخريف العربى و الربيع العربى - وفى الوقت ذاته يقوم بدور المرشد والمحفز والموجه للعلم والمكتشف للقدرات. وكما هو معلوم؛ فإن اللغة أداة بالغة التأثير فى التعبير، وهو ما يفرض على معلم اليوم اكتساب مهاراتها الإيجابيَّة؛ لأن كلمة قاسية واحدة يمكن أن تؤثر فى طالب مدى الحياة، والعكس صحيح؛والكاتب له المثل فى هذا حيث اختار أحد طلابه فى الصف الأول الاعدادى حينذاك رائداً للفصل، وهذا الطالب اليوم فى قمة الاعلاميين العرب، فاختيار المفردات يجب أن يكون ضمن قاموس المعلم للتفكير الإيجابي؛ فالمُعلم المتفوق هو من يمتلك قاموسًا حافلاً بالمفردات الإيجابيَّة، ولا يعرف عبارات الزجر والنهى من شاكلة: «لا تفعل هذا، ولا تفعل كذا، وإلا...»؛ لأن هناك الكثير من الطرق والوسائل اللغويَّة الإيجابيَّة التى يُمكنها أن تعزز قدرات الطالب بعيداً عن التهديد والتخويف. وحتى لا يقول المُعلم إننا نحمِّله كل العبء، ونتجاهل الأطراف الأخرى فى العمليَّة التعليميَّة، نشير فى هذا المقام إلى دور الأسرة فى تهيئة الطفل للتعلم؛ وبالتالى استيعاب ما يود المُعلم إيصاله؛ فالملاحَظ اليوم أن العديد من صغارنا يخطون خطواتهم الأولى إلى المدرسة وليس فى جعبتهم من المعرفة سوى كلمات عربيَّة ركيكة من تأثير الإعلانات وخلاعتها ودعواتها الصريحة الى نبذ القيم والتمسك بالفهلوة ولا خلق، وهنا تتزايد تحديات المُعلم لإزالة مثل هذه التشوهات فى سنوات التعليم الأولى؛ حتى لا تؤثر فى الأداء التحصيلى للطالب مستقبلاً. إن دور الأسرة كبير فى دعم المُعلم لأداء رسالته على الوجه الأكمل؛ من خلال المتابعة المستمرة للأبناء بما يُهيِّئ للمُعلم بيئة طلابيَّة قادرة على التفاعل والتطور. لذا؛ أرى أنَّ من التحديات التى تواجه العمليَّة التعليميَّة فى بلادنا غياب الشراكة بين الأسرة والمدرسة. وهنا لا أعنى الشراكة المظهريَّة التى تجسدها اجتماعات مجالس الآباء فى مدارسنا، بل الشراكة الحقيقيَّة التى تغوص عميقاً فى مناقشة الفعل التربوى والتعليمي. إننا نحمِّل المُعلم فوق طاقته، إن ألقينا على كاهله بكافة المسئوليات المتعلقة بالعمليَّة التعليميَّة والتربويَّة، بل ينبغى أن ننهض بما علينا من مسئوليات تجاه هذا الواجب المقدَّس، وهو تربية أبنائنا، والإسهام فى تمليكهم المهارات اللازمة، وتعزيز القيم الوجدانية والمجتمعية للمعلم واعلاء قيمته فى كل المستويات والاستثناءات التى ترسخ المعنى العميق فى تكريم المعلم نخلص إلى أن الوصول بالتعليم إلى غاياته المرجوَّة، يحتاج إلى مُعلم مؤهَّل وقادر على النهوض برسالته السامية لبناء جيل يمتلك أدوات المعرفة ومتسلح بالقيم لقيادة نهضة الوطن وتقدمه.