لم أقتنع باختيار محمد عبدالمنعم الصاوي وزيراً للثقافة.. لكن الهجوم المتواصل عليه يبدو مثيرًا للدهشة ومعطلاً لاحتمالات الفرص الممكنة، ولو كانت ضئيلة. وجهة نظري أن في مصر عشرات غيره يصلحون للمنصب الخطير.. وقد تساءلت: كيف يمكن لرجل أعمال متوسط، صاحب خبرة في مجال الإعلانات، لم يكتب مقالاً علمياً في حياته أن يدير اجتماعاً للمجلس الأعلي للثقافة فيه بعض من فطاحل مصر في مختلف المجالات؟! وأنا أري أن نجاح محمد الصاوي في أن يحول (مقلب قمامة) تحت كوبري في الزمالك إلي ما عرف باسم (ساقية الصاوي) بكل حيويتها وزخمها والجدل الذي أثارته.. قد لا يكون مبرراً إطلاقاً للاقتناع بأنه قادر علي أن يفعل نفس الشيء في وزارة مهولة الحجم.. وأن خبرته المعروفة تجعله فقط قادراً علي إدارة قصر ثقافة مميز.. مثل قصر ثقافة الإسكندرية. لكن، مرة أخري، الهجوم الحاد علي الرجل بمجرد أن تولي عمله.. وحتي بمجرد إعلان اسمه.. والتظاهر الاعتراضي.. أمر يثير تناقضات عديدة ويطرح تساؤلات مختلفة. ألسنا نتجه إلي تفعيل دور الوزير الذي يدير نشاطاً.. أكثر من كونه متخصصاً في مجاله.. أليس مثلاً الدكتور ماجد عثمان وزير الاتصالات الجديد متخصصاً في الإحصاء وكان مديرًا لمركز معلومات مجلس الوزراء.. وهو ليس مهندساً.. وقد لا يفهم شيئاً في الترددات والموجات.. لماذا إذن لا نسمع اعتراضاً عليه في مجال الاتصالات.. بينما انهمر المثقفون هجوماً علي محمد الصاوي. البلد تغير.. ويفترض أن المعايير تغيرت بدورها.. ومحمد الصاوي علي خمسينيته ينتمي إلي التوجهات الشابة التي قامت بتغيير مصر في 25 يناير.. وقد نجح بروح وثابة في اجتذاب قدر من شباب القاهرة إلي ساقيته في الزمالك.. ولعله يقدر علي أن يقوم بعمل مماثل في مختلف أنحاء مصر.. حيث للمؤسسة الثقافية وحدات في الأنحاء المترامية.. والمسألة أبعد بكثير جداً من مجرد منشأة بسيطة. لقد هوجم فاروق حسني بمجرد وصوله إلي منصب وزير الثقافة قبل 23 عاماً من كبار مثقفي مصر.. وقالوا وقتها إنه غير مؤهل وغير جدير.. لكنه في غضون وقت قصير كان قد استطاع حشد هؤلاء المثقفين حول منظومة الثقافة.. بغض النظر عن جبل من الملاحظات والانتقادات وجهت إليه في السنوات الطويلة والممتدة التي عاشها وعمل فيها وزيراً للثقافة. الأمر الغريب هو أن المتظاهرين والمحتجين علي محمد الصاوي يتجاهلون حقيقة مرة تنفي عنهم الموضوعية.. فبعضهم كان يحلم بموقعه.. ويتمناه.. أو لم يكن يحلم.. لكنه حين وجد المنصب يذهب إلي الصاوي قال ولماذا لا أكون أنا.. ومن ثم فإن الاحتجاج يفتقد شرعيته.. ويكون شخصانياً.. ويخلو من الصدقية. لماذا لا نعطي فرصة للاختيار لعله يكون موفقاً.. ربما تغلب محمد الصاوي علي مشكلات التمويل التي واجهته من اللحظة الأولي علي اعتبار أن الثقافة الآن لم يعد لديها التمويل الآتي من إيراد الآثار.. فقد أصبح للآثار وزارة تخصها. وربما تمكن من إحداث تفعيل بين كل العقول من مختلف الاتجاهات في ضوء أنه ليس محسوباً علي أي فريق أو شلة في مجال الثقافة.. وليس له علاقات متعمقة مع أغلبهم.. وربما لا يعرف الكثيرين منهم ولا يعرفونه.. هذه ميزة حتي لو بدت عيباً. وربما تمكن من إثراء الحيوية في المؤسسة الثقافية.. باستخدام أدوات ساقية الصاوي.. الصحيح أنها مؤسسة مهولة.. ومترامية وأكبر من إلمامه.. ولكنها في نفس الوقت تغرق الآن في جمود يحتاج أن تتدفق فيه طاقة كبيرة. لا يمكن أن نقارن محمد الصاوي بفاروق حسني.. وبأسماء بقدر الدكتور فوزي فهمي.. أو مصطفي الفقي.. أو إسماعيل سراج الدين.. أو بهاء طاهر.. أو السيد ياسين.. أو أنيس منصور.. أو عشرات غيرهم.. كما لا يمكن مقارنته بكثير من الشباب الذين لا أريد أن أذكر أسماءهم حتي لا يكون هذا انحيازاً مني لجيلي.. ولكن علينا أن نعطي الرجل فرصة كي يعبر عن مبررات قبوله هذا الموقع المهيب.. قد يكون لديه أمر لا نعرفه. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]