كتب - طارق عبد الحميد مدير عام العلاقات الخارجية بوزارة الأوقاف
من المعقول والمقبول أن تختلف العقول وتتباين الفهوم وتتعدد الرؤى وتتفاوت الآراء، فتلك سنة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ) فاطر 26 -27. وقال تعالى: ( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) الروم 22، وقال أيضاً: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ…) البقرة 213، وقال سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) هود 118. نرى قبول الإسلام – قولا وعملا – بذلك وعدم ضيقه به من خلال آيات القرآن وتطبيق سيد الأنام والتزام أهل الإسلام. فربنا سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13. ورسولنا صلى الله عليه وسلم يؤمِّن المخالفين فى الدين على معتقداتهم وأرواحهم وأموالهم ويكتب لهم كتُبا بذلك. والمسلمون على مدار ألف وأربعمائة عام أو يزيد تسعُهم دائرة الاختلاف الواسعة، سواء على عهد النبى صلى الله عليه وسلم أو بعده، وإلى يوم الناس هذا، بل وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، ولا أدل على ذلك من قول أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه: “كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن مَن وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ويرون أن مَن وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن”، وما موقف يوم بنى قريظة عن ذلك المعنى ببعيد. نرى ذلك المعنى جليا كذلك من خلال مواقف أئمة الإسلام الكبار؛ كالإمام مالك الذى قال للخليفة أبى جعفر المنصور – حين طلب منه أن يحمل الناس على كتابه الموطأ وأن يكون وحده المعتمد ويُلغى ما سواه – قال له: لا تفعل فإن الناس تفرقوا فى الأمصار وقد سبقت لهم أقاويل وسمعوا أحاديث وروَوا روايات وأخذ كل قوم بما سِيق إليهم وأُتوا به من اختلاف الناس فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم. إنه اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، اختلاف التكامل لا اختلاف التقاتل، الاختلاف الرحمة لا الفرقة العذاب.