كان الحزب الوطني اللا ديموقراطي كما أطلقت عليه هذه التسمية هو أس البلاء في المشهد السياسي المصري منذ نشأته التي يعيها هواة السياسة قبل محترفيها. فلقد كان هناك حزب يضم كثيراً من المواطنين يرأسهم رجل من رجال الشرطة المشهود لهم بالحزم والطيبة وهو المرحوم ممدوح سالم ثم - فجئتن - أنشأ المرحوم الثاني حزباً جديداً هو الحزب الوطني حيث قفز كل الأعضاء من حزب مصر الذي كان إلي هذا الحزب الذي أصبح رغم كبر السن والنقرس ولين العظام ولم يكن ذلك نتيجة فكر سياسي جديد أو أيديولوجية أفضل ولكن لأن رئيس الدولة هو رئيس الحزب ومنه إلي أنا الحزب وأنا الشعب وأنا الدولة والباقي سقط متاع لا لزوم له وقام المهرولون جميعاً من أعضاء حزب مصر ومن قبله الاتحاد الاشتراكي ومن قبل قبله الاتحاد القومي ومن قبلهما جميعاً هيئة التحرير التي خلت من جميع أعضاء الأحزاب القديمة في العهد البائد أو البائس أيام عاش الملك ويحيا الوفد إلي عهد جديد هتافه بالروح بالدم نفديك يا فلان!!، مجرد هتاف يشبه هتافات الأطفال في ليالي رمضان!! تفنن الأعضاء في عبادة العجل حتي يصعدوا فوق أكتاف بعضهم البعض، وتشكلت منهم هيئة عامة علي غرار الهيئة العامة للمنتفعين بالإصلاح الزراعي وهم جميعاً من الحاصلين علي عقد لا يسمح لهم بالبيع والشراء أو التصرف في ملكيتهم الوهمية لا يزرعون سوي ما أمرت به الحكومة ولا يبيعون إلا للحكومة أي تحول من أجير عند أي من الأثرياء إلي عبد عند الحكومة؟ ثم جاء الإصلاح الصناعي بمسمي مختلف وهو قرارات التأميم فصار العمال والفلاحون ملكاً للدولة ولا بد من رفع الأيادي لطلب المنحة وخفض الصوت لطلب العفو، حتي موظفي الدولة من أصغرهم إلي أكبرهم عليه أن يسير بجوار الحائط وعلي رصيف الحكومة أو يتقوقع منسحباً داخل نفسه حتي يسلم من المشاكل العامة وما أكثرها!!. من المؤكد أن ما بني علي باطل فهو باطل لذلك كان الحزب الوطني مبيناً علي فلول حزب مصر، بل إن رئيس الحزب وقتها أقام حزباً معارضاً بقرار جمهوري حتي تم وقفه فيما بعد وهو حزب العمل؟! وأصبحت لعبة السياسة في مصر مثل لعبة الكرة الشراب في الحواري الشعبية، نادي يضم أصحاب العضلات والثروة ومعه الأندية الهيكلية بلا لاعبين ولا جمهور ولا مصفقين ولا مداحين فأعرض عنهم الشعب لعدم الكفاءة وأحجم كل ذي عقل عن عبادة العجل ومتابعة أشباه الأحزاب الأخري، يكفي حزب واحد مثل بقال الريف يبيع أي شيء، وكل شيء ويحتكر الحياة السياسية كلها والبرلمانية أيضاً وهذا كان سبباً في النهاية التي حدثت فكان الحزب الوطني صرحاً من خيال فهوي؟! تخيلوا ما حدث من إشعال الحرائق في المقر الرئيسي للحزب بالقاهرة والمقار الفرعية جميعها ولو كان الأعضاء مجتمعين بداخله لصاروا رماداً لأن كلهم من هيئة المنتفعين بالحزب ثم الوزارة والإمارة والتجارة بل وصل الأمر إلي حق الانتفاع بالحج والعمرة والعلاج من بين المصفقين تحت القبة وهم يعلمون علم اليقين أنهم لا يمثلون سوي أنفسهم لأنه ببساطة لم يقترع عليهم سوي ربع عدد المواطنين نصفهم من بين سكان قبور الأمراء بالبحيرة والمنارة والعامود بالإسكندرية وترب الغفير بالقاهرة. الآن أشكر ربي أنني لم أكن عضواً في أي من الأحزاب القائمة أو النائمة رغم أن عضوية الحزب الحاكم تمنحك مقعداً في ترام المدينة أو قطار الضواحي؟! ولست في مقام التشفي في أحد فالاستقلالية نعمة تشعر من خلالها أنك سيد نفسك لا تتلقي تعليمات أمين الحزب أو أمين الصندوق أو تضطر لحضور الاجتماعات الحزبية التصفيقية، وأنا لا أطمع في أي شيء سوي أن أكون مواطناً صالحاً نافعاً ولو لنفسي فربما نصلح حال الآخرين بالتبعية. الرأي اليوم هو حل جميع الأحزاب وأولها كبيرهم وتحطيم كل الأوثان كما فعل أبو الأنبياء من قبل، ولنبدأ صفحة بيضاء جديدة نقية تضم عدداً محدوداً من الأحزاب وعدداً كبيراً جداً من الأعضاء وعدداً أكبر من ذلك من الشباب، كونهم أصحاب الثورة وأصحاب المستقبل ولم يندمجوا في أحزاب يشوبها العوارض قامت بشكل مبتسر في ظل لجنة تتكون من عواجيز الفرح أو تنشأ بحكم من محكمة زنانيري للأحوال السياسية علي حزب وداد قلبي؟! كاتب وأستاذ جامعي