محافظ المنوفية: حريصون على التعاون مع التعليم العالي لصالح أبنائنا    رئيس جامعة أسيوط يهنئ الدكتور الحسن قطب لفوزه بجائزة الشارقة في المالية العامة    «التضامن» تقر قيد وتوفيق أوضاع 5 جمعيات في 5 محافظات    غداً.. بدء صرف مقررات يونيو لمستفيدي بطاقات التموين عبر 40 ألف منفذ    التضامن تنظم معرض «ديارنا للحرف اليدوية والتراثية» في إطار جولاته بالبنوك    ارتفاع أسعار البيض اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    الحج السياحي 2025 | تقنيات وخدمات جديدة بمخيمات حجاج ال 5 نجوم    وزير الري يتابع منظومة المياه بالمنيا وبني سويف    بنمو 22%.. صادرات الملابس تتجاوز مليار دولار خلال أول 4 أشهر من 2025    7 شهداء بينهم عائلة كاملة إثر قصف الاحتلال مدينتي غزة وخان يونس    وزير الخارجية والهجرة يستقبل سكرتير عام الأمم المتحدة السابق    رسوم ترامب والسباق الانتخابي الكوري الجنوبي: من يحسم المواجهة؟    الرئيس السوري أحمد الشرع يجري زيارة رسمية إلى الكويت غدا    الأمم المتحدة: الكارثة الإنسانية بقطاع غزة في أسوأ حالاتها منذ بداية حرب الإبادة    مقتل شاب في قصف إسرائيلي استهدف سيارته في جنوب لبنان    رغم رفض إسرائيل.. مصدر سعودي يؤكد ل CNN سفر وزير الخارجية إلى الضفة الغربية الأحد    ريبيرو يقود مران الأهلي اليوم.. لأول مرة    عادل عبدالرحمن: الأهلي يحتاج لهذه الصفقات قبل كأس العالم للأندية    مدينة ميونخ تميمة حظ باريس لاقتناص دوري أبطال أوروبا.. ما القصة؟    اليوم| إقامة الجولة الأخيرة في دوري المحترفين    مفاجأة.. الأهلي يقترب من اللعب في الإسماعيلية الموسم المقبل    الزمالك وفاركو.. استعداد أمني مشدد لتأمين مباراة الجولة الأخيرة من بطولة الدوري    وكيل تعليم كفر الشيخ يتابع امتحانات الشهادة الإعدادية من غرفة العمليات    اليوم الثامن من ذي الحجة.. الحجاج يقصدون منى في يوم التروية    حادث انفجار خط غاز أكتوبر.. دفاع الضحايا يطلب ضم رئيس جهاز المدينة متهماً    بالمواعيد.. تشغيل عدد من القطارات المخصوصة خلال بعض أيام عطلة عيد الأضحى    أول تعليق من أمينة خليل بعد حفل زفافها على أحمد زعتر (صور)    بعد "ري ستارت".. تامر حسني يطرب جمهور دبي في ليلة لا تنسى    انطلاق التسجيل في الدورة الثانية لمهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدًا    غياب "ضحية النمر" عن أولى جلسات محاكمة مدربة الأسود.. والده يكشف التفاصيل    شريف مدكور يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    وزيرة التضامن توجه فرق الإغاثة والتدخل السريع والهلال الأحمر المصري برفع درجات الاستعداد لمواجهة موجة التقلبات الجوية    الصحة: رفع درجة الاستعداد الصحي في محافظة الإسكندرية بسبب الأحوال الجوية الاستثنائية    تحرك عاجل من الصحة بشأن أحداث الطقس بالإسكندرية    تحذيرات في واشنطن بعد فرار 250 مليون نحلة من شاحنة مقلوبة.. تفاصيل الحادث وجهود الإنقاذ    وزير الصحة يتفقد عددًا من المنشآت بالبحيرة ومطروح    محافظ مطروح يتفقد امتحانات الشهادة الإعدادية    شهيدان وعشرات الجرحى برصاص الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    الاحتلال يدمر منازل 14 عائلة فى جباليا شمال قطاع غزة    ثروت سويلم: بحب الأهلي ومنظومته.. وبتمنى الأندية تمشي على نفس النهج    وزير العمل يؤكد حرص مصر على تعزيز التعاون مع صربيا في كافة المجالات    تعويض الطلاب عن تأخر توزيع أوراق امتحان اللغة العربية بعدد من لجان كفر الشيخ    نجاة شخص وزوجته بعد تعرض سيارتهما للدهس من جانب نقل في الجيزة    رغم تعديل الطرق الصوفية لموعده...انطلاق الاحتفالات الشعبية بمولد «الشاذلي» والليلة الختامية يوم «عرفة»    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2025 بالشرقية وخطوات الاستعلام برقم الجلوس (الموعد و الرابط)    أخصائية نفسية: طلاب الثانوية العامة قد يلجأون للانتحار بسبب الضغط النفسي    دعاء المطر والرعد كما ورد عن النبي (ردده الآن)    أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. ردده الآن للزوج والأبناء وللمتوفي ولزيادة الرزق    جدل بين أولياء الأمور حول «البوكليت التعليمى»    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    «تنسيق الجامعات 2025»: 12 جامعة أهلية جديدة تنتظر قبول الدفعة الأولى    ماس كهربائي يتسبب في نشوب حريق بمنزلين في سوهاج    محافظة قنا: الالتزام بالإجراءات الوقائية في التعامل مع حالة ولادة لمصابة بالإيدز    موعد أذان فجر السبت 4 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    تغييرات مفاجئة تعكر صفو توازنك.. حظ برج الدلو اليوم 31 مايو    الجماع بين الزوجين في العشر الأوائل من ذي الحجة .. هل يجوز؟ الإفتاء تحسم الجدل    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات الأخرى اليوم السبت 31 مايو 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذا النون المصرى(5)

مع مرور الأيام وتعاقب الزمان يظل التاريخ يحمل لمصر فكرها وفقهها الوسطى الذى أنارت به الدنيا فكانت مهدا للوسطية من خلال فقائها الذين حملوا صحيح الدين ونشروا وسطيته، حتى أصبحت مصر مهدا لتلك الوسطية، رغم المحاولات التى تتم من قبل جماعات وتيارات لتشويه الفكر الدينى المصرى إلا أن جميعها تبوء بالفشل بفضل فقهاء الوسطية المصريين الذين جعلوا من بلدهم أبية على التشدد والتطرف

ذكر الله تعالى من أوصاف المؤمنين أنهم «السائحون».. فمن هم السائحون؟

أخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة، أنهم: طلبة العلم، لأنهم يسيحون فىالأرض لطلبه.

وروى أبو داود فى سننه من حديث ابىأمامة أن رجلًا قال: يا رسول الله أئذن لى فى السياحة؟

فقال النبىصلىالله عليه وسلم: «سياحة أمتىالجهاد فىسبيل الله»

إن كلمة «السياحة» كلمة شريفة، وصف الله سبحانه وتعالى بها المؤمنين، وهى تدل على معنيين:

أحدهما: السفر من أجل طلب العلم..

وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد أشاد بالعلم والعلماء فى كتابه العزيز، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث عن العلم والعلماء، وبين أن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.

ولقد سافر علماء الإسلام من أجل طلب العلم أسفارًا، هىمن الكثرة بحيث لا يستطيع عاد أن يعدها.

وأما المعنىالثانى«للسياحة»: فإن السفر تعبدًا واعتبارًا، وعظة واستجماماً روحيًا، وتفرغًا لله سبحانه أسبوعًا أو أسبوعين، إنه سفر روحى فى مقابلة السفر للاستجمام الجسماني.

والناس إذا كان أكثرهم يسافرون للاستجمام الجسمانى فإن بعض المؤمنين يسافرون استجماماً روحيًا إلىالحج، أو إلى زيارة ولى من أولياء الله، أو إلى الخلوة مع الله فترة من الزمن تطول أو تقصر، بحسب الفراغ المتاح والظروف المناسبة.

ومما ذكره صاحب كتاب «محاسن التأويل» عند شرح هذه الكلمة الشريفة: «ونقل الرازىعن أبى مسلم أن السائحين السائرون فى الأرض، وهو مأخوذ من (السيح) سيح الماء الجاري، والمراد به: من خرج مجاهدًا مهاجرًا.

وتقريره أنه تعالى حث المؤمنين فىالآية الأولى على الجهاد، ثم ذكر هذه الآية فىبيان صفات المجاهدين، فينبغى أن يكونوا موصفين بجميع هذه الصفات.
وروى مثله ابن أبى حاتم، عن عبد الرحمن، أنه قال: هم المهاجرون.

وعن عكرمة أنهم: المنتقلون لطلب العلم.

قال بن كثير: جاء ما يدل على أن السياحة الجهاد، فقد روى أبو داود من حديث أبى أمامة أن رجلًا قال: يا رسول الله، أئذن لى فىالسياحة؟

فقال النبى صلى الله عليه وسلم:


«سياحة أمتى الجهاد فى سبيل الله».

أقول: لو أخذ هذا الحديث تفسيرًا للآية لالتقى مع كل ما روى عن السلف فيها.

لأن الجهاد فى سبيل الله، كما يطلق على قتال المشركين يطلق على كل ما فيه مجاهدة للنفس فى عبادته تعالي، ومنه الهجرة والصوم، والسفر للتفقه فىالدين أو للاعتبار، بل ذلك هو الجهاد الأكبر.

هذا على إرادة التوفيق بين المأثورات.

أما لو أريد باللفظ أصل حقيقته اللغوية، أعنى: الضرب فىالأرض خاصة، الذى عبر عنه عكرمة بالمنتقتلين لطلب العلم، لكان بمفرده كافيًا فىالمعنىمشيرًا إلىوصف عظيم، وهذا ما حدا بأبى مسلم أن يقتصر عليه، وهو الحق فى تأويل الآية»..

ولقد كان ذو النون المصرى من أكثر الناس سياحة، وكان فىسياحته كثير الملاحظات لما يراه من مشاهد العظة والاعتبار، وكان يقص بعض ما جرىله فى سياحاته من أمور تفيد الناس فى صلتهم بربهم، وتفيدهم فىتهذب أخلاقهم وزيادة الشفافية فى نفوسهم.

أما هذه السياحات - إذا نظرنا إليه هو - فإنها كانت من هوى نفسه.

لقد خلقه الله طلعة محبًا للعلم، عاملاً علىكشف المجهول، مرتادًا لكل مجالات المعرفة، ومن هذه المجالات مجالالمعرفة للأماكن والبقاع التىلم يرها، إنه مجال معرفة للعظة، والاعتبار والتفكر، والله سبحانه وتعالىيقول:

«إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب، الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلىجنوبهم ويتفكرون فىخلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلًا سبحانك فقنا عذاب النار.

ويقول سبحانه:

«قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين».

ويقول أيضًا:

«أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارًا فى الأرض فأخذهم الله بذنبوهم وما كان لهم من الله واق.
ويقول تعالي:

«سنريهم آياتنا فى الآفاق وفىأنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علىكل شيء شهيد.

من أجل كل ذلك ساح ذو النون، ساح طالبًا للعالم، وساح متعبدًا، وساح مفكرًا ونذكر الآن بعض سياحته:

وعن محمد بن أحمد الشمشاطى قال: سمعت ذا النون المصرى يقول: بينما أنا سائر على شاطئ نيل مصر.. إذا أنا بجارية تدعو وهىتقول فىدعائها:
« يا من هو عند ألسن الناطقين، يا من هو عند قلوب الذاكرين، يا من هو عند شكر الحامدين، يا من هو علىنفوس الجبارين والمتكبرين.. قد علمت ما كان منىيا أمل المؤملين».

قال: ثم صرخت صرخة وخرت مغشيًا عليها.

إذا اعتللت فلا تجعل علتك إلى مخلوق مثلك:

قال: وسمعت ذا النون يقول:

دخلت إلى شواطيء نيل مصر، فجاءنى الليل، فقمت بين زروعها، فإذا أنا بامرأة سوداء قد أقبلت إلىسنبلة ففركتها، ثم امتنعت عليها فتركتها وبكت وهىتقول:
«يا من برأه حبًا يابسًا فى أرضه، ولم يك شيئًا، أنت الذى صيرته حشيشًا،ثم انبته عودًا قائمًا بتكوينك، وجعلت فيه حبًا متراكبًا، ودورته فكونته وأنت علىكل شيء قدير».

وقالت:«عجبت لمن هذه مشيئته كيف لا يطاع؟ وعجبت لمن هذا صنعه كيف يشتكي؟!

فدنوت منها فقلت: من يشكو أمل المؤملين؟

فقالت لي: «أنت يا ذا النون، إذا اعتللت فلا تجعل علتك إلىمخلوق مثلك واطلب دواءك ممن ابتلاك.. وعليك السلام..لا حاجة لىفىمناظرة الباطلين».
ثم أنشأت تقول:

وكيف تنام العين وهىقريرة ولم تدر فى أى المحلين تنزل؟

المحب هو الصبور

وعن أبى عثمان سعيد بن الحكم قال: سمعت أبًا الفيض ذا النون ابن إبراهيم يقول: بينما أنا أسير ذات ليلة ظلماء فىجبال بيت المقدس، إذ سمعت صوتًا حزينًا وبكاء جهيرًا، وهو يقول:

«يا وحشتاه بعد أنسنا، يا غربتاه عن وطننا، وافقراه بعد غنانا، واذلاه بعدعزنا».

فتبعت الصوت حتىقربت منه، فلم أزل أبيك لبكائه حتى إذا أصبحنا نظرت إليه فإذا رجل ناحل كالشن المحترق، فقلت: يرحمك الله، لم تقول مثل هذا الكلام؟
فقال:

«دعنىفقد كان لى قلب فقدته».

ثم أنشأ يقول:

قد كان لى قلب أعيش به

بين الورى فرماه الحب فاحترفا

فقلت له:

لم تشتكى ألم البلاء

وأنت تنتحل المحبة

إن المحب هوالصبور

علىالبلاء لمن أحبه

حب الإله هو السرور

مع الشفاء لكل كربه

من يرج النجاة يجتهد:

وعن إسرافيل قال: سمعت ذا النون يقول:

سمعت بعض المتعبدين بساحل بحر الشام يقول:

«إن لله عبادًا عرفوه بيقين من معرفته، فشمروا قصدًا إليه، احتملوا فيه المصائب لما يرجون من الرغائب، صحبوا الدنيا بالأشجان، وتنعموا فيها بطول الأحزان، فما نظروا إليها بعين راغب، ولا تزودوا منها إلا كزاد الراكب، خافوا البيات سيدهم، نصبوا الآخرة نصب أعينهم، وأصغوا إليها بآذان قلوبهم، فلو رأيتهم رأيت قومًا ذبلًا شفاهم، خمصًا بطونهم، حزينة قلوبهم، ناحلة أجسامهم، باكية أعينهم، لم يصحبوا العلل والتسويف، وقنعوا من الدنيا بقوت طفيف، ليسوا من اللباس أطمارًا بالية، وسكنوا من البلاد قفارًا خالية، هربوامن الأوطان، واستبدلوا الوحدة من الإخوان، فلو رأيتهم لرأيت قومًا ذبحهم الليل بسكاكين السهر، وفصل الأعضاء منهم بخناجر بينما أنا سائر فى بلاد العرب، إذا أنا برجل على عريش من البلوط، وعنده عين ماء تجري، فأقمت عليه يومًا وليلة أريد أن أسمع كلامه، فأشرف علىبوجهه، فسمعت يقول:
«شهد قلبىلك بالنوازل، وكيف لا يشهد قلبىبذلك وكل أمورهم إليك، فحسب من اغتر بك أن يألف قلبه غيرك، هيهات هيهات، لقد خاب لديك المقصرون، سيدي، ما أحلىذكرك، أليس قصدك مؤملك فنالوا ما أملوه، وجدت لهم منك بالزيادة على ما طلبوا؟


فقلت له: يا حبيبي، إنىمقيم عليك منذ يوم وليلة أريد أن أسمع من كلامك.

فقال لي:

«قد رأيتك يا بطال حين أقبلت. وكن ما ذهب روعك من قلبىإلىالآن»..

فقلت له: ولم ذك. وما الذى أفزعك مني؟

فقال:

«بطالتك فى يوم عملك، وفراغك فى يوم شغلك، وتركك الزاد ليوم معادك، ومقامك علىالمظنون».

فقلت: إن الله تعالىكريم، ما ظن به أحد شيئًا إلا أعطاه.

فقال:

«إنه لكذلك إذا وافقه العمل الصالح والتوفيق».

فى بلدة شاهرت:

وعن سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون يقول:

التعب، خمص لطول السري، وشعث لفقد الكري، قد وصلوا الكلال بالكلال، وتأهبوا للنقلة والارتحال».

بين جبال الشام:

يامن استأنس به المجتهدون فوجدوه سريعًا مجيبًا.

وعن محمد بن أحمد الشمشاطي، قال: سمعت ذا النون يقول: بينما أنا سائر بين جبال الشام، إذ أنا بشيخ على قطعة من الأرض، قد تساقط حاجباه على عينيه كبرًا، فتقدمت إليه، فسلمت عليه فرد علىالسلام، ثم أنشأ وهو يقول بصوت عليل:

« يا من دعاه المذنبون فوجدوه قريبًا، ويا من قصد إليه الزاهدون فوجدوه حبيبًا، ويا من استأنس به المجتهدون فوجدوه سريعًا مجيبًا».

ثم أنشأ يقول:

وله خصائص مصطفين لحبه

اختارهم فى سالم الأزمان

اختارهم من قبل فطرة خلقه

فهم ودائع حكمة وبيان

ثم صرخ صرخة فإذا هو ميت.

فىبلاد العرب

وعن سعيد بن عثمان، قال:سمعت ذا النون يقول:

وصف لى رجل بشاهرت، فقصدته، فأقمت علىبابه أربعين يومًا فلما كان بعد ذلك رأيته، فلما رآنىهرب مني، فقلت له: سألتك بمعبودك إلا وقفت علىوقفة، فوقف، فقلت: سألتك بالله عرفت الله، وبأىشيء تعرف إليك الله حتىعرفته؟

فقال لي:

«نعم، رأيت لى حبيبًا إذا قربت منه قربنىوأدناني، وإذا بعدت ناداني، وإذا عملت بالطاعة زادنى وأعطاني، وإذا عملت بالمعصية صبر علىوتاناني، فهل رأيت حبيبًا مثل هذا؟. انصرف عنىولا تشغلني».. ثم ولي..

فىتيه بنى إسرائيل:

وعن سعيد بن عثمان، قال:

«كنت مع ذىالنون فىتيه إسرائيل، فبينما نحن نسير إذ بشخص قد أقبل، فقلت: يا أستاذ، شخص.

فقال لي: انظر، فإنه لا يضع قدمه فىهذا المكان إلا صديق. فنظرت فإذا امرأة، فقلت: إنها امرأة، فقال صديقة ورب الكعبة، فابتدر إليها، وسلم عليها، فردت السلام ثم قالت: ما للرجل ومخاطبة النساء؟!

فقال لها: إنىأخوك ذو النون، ولست من أهل التهم.

فقالت:

مرحبًا، حياك الله بالسلام.

فقال لها: ما حَمَلَك على الدخول إلى هذا الوضع؟

فقالت: آية فى كتاب الله تعالى:

(أَلَم تَكُن أَرضُ الله واَسعِة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا).. فكلما دخلت إلى موضع يُعصَى فيه لم يهننى القرار فيه بقلب قد أبهلته شدة محبته، وهام بالشوق إلى رؤيته.

فقال لها: صفى لى.

فقالت: يا سبحان الله، أنت عارف تتكلم بلسان المعرفة، تسألنى؟!

فقال: يحق للسائل الجواب.

فقالت: نعم، المحبة عندى لها أول وآخر، فأولها: لهج القلب بذكر المحبوب، والحزن الدائم، والتشوق اللازم، فإذا صاروا إلى أعلاها شغلهم وجدان الخَلَوات عن كثير من أعمال الطاعات.
ثم أخذت فى الزفير والشهيق، وأنشأت تقول:

أحبك حبين: حب الهوى

وحبا لأنك أهل لذاكا

فأما الذى هو حب الهوى

فذكر شغلت به عمن سواكا

وأما الذى أنت أهل له

أتكشف لى الحجب حتى أراكا

فما الحمد فى ذا ولا ذلك لى

ولكن الحمد فى ذا وذاكا

ثم شهقت فإذا هى فارفت الدنيا.

على شاطئ نيل مصر:

وعن محمد بن أحمد الشمشاطى قال: سمعت ذا النون يقول: «بينما أنا سائر على شاطئ نيل مصر إذا أنا بجارية عليها دباء شعث الكلال (ثياب بالية)، وإذا القلبمنها متعلق بحب الجبار، وهى منقطعة فى نيل مصر، وهو يضطرب بأمواجه، فبينما هى كذلك إذ نظرت إلى حوت ينساب بين الوجبتين، فرنت بطرفها إلى السماء وبكت وأنشأت تقول:

«لك تفرد المتفردون فى الخلوات، ولعظيم رجاء ما عندك سبح الحيتان فى البحور الزاخرات، ولجلال هيبتك تصافقت الأمواج فى البحور المستفحلات، ولمؤانستك استأنست بك الوحوش فى الفلوات، ولجودك وكرمك قصدت إليك يا صاحب البر والمسامحات».. ثم ولت عنى وهى تقول:
يا مؤنس الأبرار فى خلواتهم

يا خير من حطت به النزال

من نال حبك لا ينال تفجعا

القلب يعلم أن ذاك محال

ثم غابت عنى فلم أرها، فا نصرفت وأنا حزين القلب ضعيف الرأى».

فى مقبرة البصرة:

وحدث يوسف بن الحسين: قال بعض الصوفية:

سمعت ذا النون يقول:

رأيت سعدون فى مقبرة بالبصرة، فى يوم حار، وهو يناجى ربه، ويقول بصوت عال:

«أحد، أحد».. فسلمت عليه، فرد على السلام:

فقلت: بحق من ناجيته إلا وقفت

فوقف ثم قال لى:

«قل وأوجز»..

قلت: توصينى بوصية أحفظها منك، وتدعو لى بدعوة.

فأنشأ يقول:

يا طالب العلم ههنا وهنا

ومعدن العلم بين جنبيكا

إن كنت تبغى الجنان تسكنها

فأذرف الدمع فوق خديكا

وقم إذا قام كل مجتهد

تدعوه كى ما يقول لبيكا

ثم مضى وقال:

«يا غياث المستغيثين أغثنى»..

فقلت له: ارفق بنفسك، فلعله يلحظك فيغفر لك، فصرف يده من يدى، وعدا وهو يقول:

أنست به فلا أبغى سواه

مخافة أن أضل فلا أراه

فحسبك حسرة وضنا وسقما

بطردك من مجالس أولياه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.