وكيل الطرق الصوفية: السيد البدوي من أولياء الله.. والطقوس المنحرفة لا تمت للتصوف بصلة    إيقاف سيارة لمخالفة تعريفة الركوب والحمولة الزائدة بالمنوفية    ويتكوف يزور الشرق الأوسط الأحد لمتابعة تنفيذ اتفاق غزة    أكسيوس: المبعوث الأمريكى ويتكوف سيزور مصر وإسرائيل ومن المرجح أن يزور غزة    التعادل السلبى يحسم الشوط الأول بين غزل المحلة وكهرباء الإسماعيلية فى الدورى    الدوري المصري، المقاون يتعادل 1-1 أمام إنبي في الشوط الأول    الأرصاد الجوية: توقعات سقوط أمطار على بعض المناطق خلال الساعات القادمة    إخلاء سبيل نجل رئيس حزب شعب مصر و11 آخرين على خلفية مشاجرة في مقر الحزب    جيهان الشماشرجي ونجلاء بدر أبرز الحاضرات لعرض "عيد ميلاد سعيد" بالجونة السينمائي (صور)    شبكة عالمية: محمد صلاح ضمن أفضل 5 صفقات في تاريخ الدوري الإنجليزي    ينافس نفسه.. على نور المرشح الوحيد بدائرة حلايب وشلاتين    وزارة النقل تناشد المواطنين للمشاركة في توعية ركاب السكة الحديد من السلوكيات السلبية    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    جندى روسى يقتل زميله وينتحر داخل قاعدة عسكرية قرب موسكو.. اعرف التفاصيل    حسين عبد البصير لإكسترا نيوز: المتحف المصرى الكبير هدية مصر للعالم والإنسانية    ريم أحمد تكشف عن تحديات الأمومة في ستات ستات: ابنتي أقوى مني    وكيل المخابرات العامة المصرية السابق: حاولنا ربط الإفراج عن شاليط بمروان البرغوثى    جومانا مراد: بقدم شخصية جديدة ومختلفة في مسلسل خلايا رمادية    توزيع 1000 سماعة طبية بالأقصر ضمن حملة "نرعاك تسمع".. صور    مستشار رئيس الجمهورية يشهد انطلاق فعاليات مهرجان التعامد بأسوان    الأردن: هبوط اضطرارى آمن لطائرة متجهة من عمّان إلى حلب بعد عطل فنى بسيط    الأوقاف تطلق قوافل دعوية موسعة بجميع المحافظات لتصحيح المفاهيم الخاطئة    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية ورقم الناخب    بنزيما يقود تشكيل الاتحاد ضد الفيحاء في الدوري السعودي    مبابي جاهز لقيادة ريال مدريد أمام خيتافي بعد التعافي من إصابة الكاحل    تعاون بين الآثاريين العرب والسياحة.. رؤية جديدة لإحياء الإنسان والحجر    قبرص: تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر والجهات الإقليمية الفاعلة أساسي لتعزيز السلام والأمن الإقليميين    طريقة طاجن السبانخ باللحمة.. أكلة مصرية بطعم الدفا مع اقتراب أجواء الشتاء (المكونات بالتفصيل)    جامعة قناة السويس تنفذ برنامجًا توعويًا لمحاربة العنف في المجتمع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-10-2025 في محافظة الأقصر    أهم أخبار السعودية اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025.. منصة "نت زيرو" توقع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة    ضبط دجال يروّج للشعوذة على السوشيال ميديا في الإسكندرية    لمدة 14 ساعة.. ضعف وانقطاع المياه غدًا السبت عن 3 مناطق بالإسكندرية    الخطيب: ميزانية الأهلي وصلت إلى 8.5 مليار جنيه بفضل الاستثمار والابتكار المالي    المؤسسات الرياضية فى مخاطبات رسمية: التجنيس أحد أنواع الهجرة غير الشرعية    الصحة تنظم ورشة عمل تدريب مدربين لمسئولي التثقيف الصحي    الأقصر أرض التاريخ المصرى القديم تستضيف 100 مغامر أجنبى من 15 دولة بفعاليات رياضية الباراموتور.. بهجة وفرحة بين الأجانب بالتحليق المظلى فوق معابد ومقابر الملوك وشريط نهر النيل.. ومغامر فلسطينى يشيد بسحر المشهد    الإسكندرية تبدأ توسعة طريق الحرية.. مشاريع لتحسين الحركة المرورية لمدة شهر كامل    عبد الرحيم كمال ينعي الفنان أشرف بوزيشن: كان رجلا طيبا وجميلا ربنا يرحمه    الضفة.. إصابة 4 فلسطينيين باعتداء مستوطنين على موسم جني الزيتون    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    محافظ أسيوط: نشر الوعي بمخاطر الإدمان مسؤولية مجتمعية    وزارة العمل تعلن عن 2914 فرصة عمل جديدة في 13 محافظة ضمن نشرة التوظيف نصف الشهرية    مصر تتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم للكرة الطائرة جلوس في أمريكا    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟.. أخصائية تخاطب توضح    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    تعرف على الحالة المرورية اليوم الجمعة 17-10-2025    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    شروط قرض الموتوسيكلات من بنك مصر 2025    8 قرارات جمهورية مهمة ورسائل حاسمة من السيسي بشأن أضرار سد النهضة الأخيرة    نيوزيلندا تعيد فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    محافظ بورسعيد يعتمد تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة البنزين والسولار الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علماء مصريون علموا العالم الوسطية

مع مرور الأيام وتعاقب الزمان يظل التاريخ يحمل لمصر فكرها وفقهها الوسطى الذى أنارت به الدنيا فكانت مهدا للوسطية من خلال فقائها الذين حملوا صحيح الدين ونشروا وسطيته، حتى أصبحت مصر مهدا لتلك الوسطية، رغم المحاولات التى تتم من قبل جماعات وتيارات لتشويه الفكر الدينى المصرى إلا أن جميعها تبوء بالفشل بفضل فقهاء الوسطية المصريين الذين جعلوا من بلدهم أبية على التشدد والتطرف
ثوبان بن إبراهيم، كنيته «أبو الفيض» ولقبه «ذو النون»، أحد أعلام التصوف فى القرن الثالث الهجرى ومن المحدثين الفقهاء. ولد فى أخميم فى مصر سنة 179 ه الموافق 796م وتوفى سنة 245 ه الموافق 859م.
روى الحديث عن مالك بن أنس والليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة. درس على علماء عديدين وسافر إلى سورية والحجاز. يذكر القشيرى فى رسالته أنه أول من عرف التوحيد بالمعنى الصوفى وأنه أول من وضع تعريفات للوجد والسماع والمقامات والأحوال.
إن صلة رجال التصوف بالعمل على وجه العموم صلة وثيقة إنهم يتصلون من قرب بكتاب الله سبحانه يتلونه متعبدين بتلاوته ويكثرون تلاوته متقربين إلى الله بها فيفتح الله عليهم الكثير من أنواره فيشيرون إلى هذه الأنوار ويتذكرون بعض ما فتح الله عليهم.
وهم يتصلون عن قرب بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من أجل الاقتداء به فيستفيدون منها لغة وأسلوبا وفقها وأنوارا.
إن الذين أرخوا للجنيد يقولون:
كان الكتبة يحضرون مجلسه لألفاظه والمتكلمون لتحقيقه والفقهاء لتقريره والفلاسفة لدقة نظره ومعانيه والصوفية لإشاراته وحقائقه وكان فقيها على مذهب أبى ثور وكان يفتى فى حلقته بحضرته وهو ابن عشرين سنة.. وهو القائل:
من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به فى هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة.
ولم يكن الجنيد بدعا من الصوفية فالفضيل بن عياض كان إماما فى الحديث وهو ممن أسند عنهم البخارى.
ومعروف الكرخى كان أحمد بن حنبل وابن معين كما يقول الغزالى يختلفان إليه ويسألانه ولم يكن فى علم الظاهر مثلهما وسرى السقطى كان أوحد أهل زمانه فى علوم التوحيد.
والحارث المحاسبى هو كما قال التميمي: إمام المسلمين فى الفقة والتصوف والحديث والكلام.. ويقول عنه الإمام الغزالي: المحاسبى خير الازمة فى علم المعاملة وله السبق على جميع الباحثين عن عيوب النفس وآفات الأعمال.
وأبو سليمان داود الطائي.. يقول عنه الذهبي: كان إماما فقيها ذا فنون عديدة.
وسهل التسترى حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وكان يسأل عن الزهد والورع والفقه وهو ابن عشرة سنين فيحسن الإجابة وهو القائل هذه الكلمة التى لها مغزاها العميق: ما أعطى أحد شيئا أفضل من علم يستزيد به افتقارا إلى الله.
وأبو تراب النخشبى تتلمذ على الإمام الشافعي، وتتلمذ عليه الإمام أحمد بن حنبل.
ومنصور بن عمار كتب إليه بشر المريسى سائلا: ما قولك فى القرآن أمخلوق أم لا؟
فكتب إليه هذه الكلمة النفيسة: أما بعد عافانا الله وإياك من كل فتنة فإن يفعل فأعظم بها من نعمة وإلا فهى الهلكة أعلم أن الكلام فى القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب فتعاطى السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس له والله تعالى الخالق وما دون الله مخلوق.. والقرآن كلام الله وانته إلى اسمائه التى سماه الله بها تكن من المهتدين ولا تبتدع فى القرآن من قبلك اسما تكن من الضالين.
«وذروا الذين يلحدون فى أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون».
ويوسف بن الحسين كان عالما أديبا.
وأبو عبدالله الترمذى قال الحافظ ابن النجار فى تاريخه: كان إماما من أئمة المسلمين له التصانيف الكثيرة فى التصوف وأصول الدين ومعانى الحديث.
وأبو بكر الوراق الترمذى له التصانيف فى الرياضيات وأبو سعيد الخراز له التصانيف فى التصوف سلوكا وثمرة وأبوالعباس أحمد الأدمى وهو القائل: من ألزم نفسه آداب الشريعة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم فى أوامره وأفعاله وأخلاقه.
وهو القائل: كل ما سئلت عنه فاطلبه فى مفازة العلم، فإن لم تجده ففى ميدان الحكمة فإن لم تجده فزنه بالتوحيد فإن لم تجده فى هذه المواضع الثلاثة فأضرب به وجه الشيطان.
وأبو حمزة البغدادى كان عالما بالقراءات فقيها..
وكان الإمام أحمد بن حنبل يثير أمامه المسائل ثم يسأله: ما تقول فيها يا صوفي؟
وإذا أردت أن أسير على هذا النسق أمكن عد مئات من الصوفية العلماء..
ولابد للصوفى من العمل بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يحسن الاقتداء به فلابد له إذن من قراءة كتب الحديث والسيرة وفى ذلك علم كثير.
ومن أن صلة الصوفية بالعلم واضحة من خلال التاريخ فإنه يحسن بنا هنا أن نذكر ونذكر ببعض الأعلام فى العلم والتصوف.
إن الشيخ الأكبر معجزة من معجزات الدنيا لقد كان قمة فى الفلسفة وكان قمة فى التفسير وكان قمة فى الفقة وكان قمة فى اللغة وكان شاعرا.. وإذا أردت أن تقول إنه فى العلم الكسبى لا مثيل له فإن لك من كتبه ما يبرر قولك.
بيد أن هذا العلم الكسبى يسير فيه فى كل أجزائه تيار إلهامى يتجلى فى وضوح.
ومن أجل هذه النفاسة فى إنتاجه يرى كثيرون ممن درسوا آثاره أنه أعظم شخصية علمية فى العالم وهو من غير شك حسنة من حسنات أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
والإمام الغزالى إنه قمة فى كل ما تناوله قلمه من أبحاث فى الفقة وفى أصول الفقه وفى الفلسفة فى التصوف وكتابه «إحياء علوم الدين» وهو أضواء من هدى الكتاب والسنة خالد على الدهر.
والإمام الشعرانى رضى الله عنه له من الاثار العلمية الكسبية الوهبية ما لا يكاد يحيط به محيط.
ونعود فنقول: إن ذا النون لم يكن بدعا من الصوفية فى الجانب العلمى ولقد كان من صفات ذى النون البارزة أنه كان طلعة وما سياحاته الكثيرة التى سنذكر بعضها إن شاء الله إلا أثرا من آثار هذه الصفة البارزة.
وكانت هذه الصفة تقود ذا النون إلى ارتياد المجاهيل فى العلوم كما كانت تقوده إلى ارتياد المجاهيل من الأقاليم.
وتبدو شخصية ذى النون الحقيقية فى وضوح فيما يذكره عنه ابن القفطى فى كتابه «إخبار العلماء بأخبار الحكمة» حيث يقول:
ذو النون بن إبراهيم الأخميمى المصرى من طبقة جابر بن حيان فى انتحال صناعة الكيمياء وتقلد علم الباطن والإشراف على كثير من علوم الفلسفة وكان كثير الملازمة لبربا بلدة أخميم فإنها بيت من بيوت الحكمة القديمة، وفيها التصاوير العجيبة والمثلات الغريبة التى تزيد المؤمن إيمانا والكافر طغيانا.
ويقال: إنه فتح عليه علم ما فيها بطريق الولاية وكانت له كرامات.
أما المسعودى الذى توفى بعد ذى النون بمائة سنة كاملة وكان أول مصدر تكلم عنه فيخبرنا بأنه جمع معلوماته عن ذى النون من أهل أخميم عندما زار هذا البلد وهو يروى عنهم أن أبا الفيض ذا النون المصرى الإخميمى الزاهد كان حكيما سلك طريقا خاصا واتخذ فى الدين سيرة خاصة وكان من المعنيين بحل رموز البرابى فى إخميم كثير الطواف بها وأنه وفق إلى حل كثير من الصور والنقوش المرسومة عليها.
وكان الإمام فى هذا الطريق هو الإمام جعفر الصادق.. يقول صاحب كتاب «الصوفية فى الإسلام»:
«جعفر الصادق - المتوفى سنة 148 ه - يذكر عنه، كما يقول صاحب «تذكرة الأولياء»، أنه ألَّف رسالة فى الكيمياء، والفأل والتطيُّر، وأن جابر بن حيان - الكيميائى المعروف - كان يُدعى جابرًا الصوفى، وأنه تقلَّد ما تقلَّد ذو النون المصرى «علم الباطن».. الذى يطلق عليه ابن القفطى اسم: «مذهب المتصوفين من أهل الإسلام».
وقال السلمى: «دخلت عليه فرأيت بين يديه طستًا من ذهب، وحوله نَدٌّ وعنبر، فأعطانى درهمًا، فأنفقت منه إلى أن وصلت إلى مقصدى».
ويقول المستشرق نيكلسون:
«ويُؤثر عنه أول من وضع تعريفات للوجد والسماع، وعرف التوحيد بالمعنى الصوفى، ففيما ذكره - فيما أعتقد - ما يكفى للدلالة على أن ذا النون لا أبا يزيد البسطامى - كما يعتقد مستر هونفيلد - كان له أكبر الأثر فى تشكيل الفكرة الصوفية».
وعن عبدالحكم بن أحمد بن سلام الصدفى قال:
سمعت ذا النون المصرى يقول:
«قرأت فى باب مصر بالسريانية، فتدبرته، فإذا فيه: يقدر المقدرون والقضاء يضحك».
ولعل مما يتصل بهذا الجانب - الجانب العلمى - وينيره بصورة أوضح، أن نذكر الآن تقدير العلماء لذى النون.
قال أبو المحاسن: «إن ذا النون كان أول من تكلم فى مصر فى الأحوال ومقامات أهل الولاية».
وقال عنه مسلمة بن قاسم: «كان عالمًا صالحًا زاهدًا ورعًا مفتيًا فى العلوم، واحدًا فى عصره».
ويقول جامى: «هو رأس هذه الفرقة، فالكل أخذ عنه، وانتسب إليه، وقد كان المشايخ قبله، ولكنه أول من فسَّر إشارات الصوفية وتكلم فى هذا الطريق».
«وهو أحق رجال الصوفية - على الإطلاق - بأن يطلق عليه اسم واضع أسس التصوف».
«وهو العارف الناطق بالحقائق».
«وكان أول من تكلم بمصر فى ترتيب الأحوال، وفى مقامات الأولياء فُحول الرجال، فقال جهلة المتفقة: إنه زنديق».
ويتحدث عنه صاحب «الحلية» فيقول:
«ومنهم العَلَم المضى، والحَكَم المرضى، الناطق بالحقائق، الفاتق للطرائق... له العبارات الوثيقة، والإشارات الدقيقة، نظر فعبر، وذكر فازدجر، أبو الفيض ذون النون بن إبراهيم المصرى، رحمه الله تعالى».
وأقام «سهل التسترى» سنين لا يسند ظهره للمحراب ولا يتكلم، فلمَّا كان ذات يوم بكى، واستند وتكلم، وبالغ فى إبراز المعانى العجيبة والإشارات الغريبة.. فقيل له فيه، فقال:
«كان ذو النون بمصر حيًا فما تكلمت ولا استندت إجلالا له، والآن قد مات فقيل لى: تكلَّمْ فقد أذنت».
وقال ابن يونس:
«كان عالمًا فصيحًا حكيمًا، امتُحن وأوذى لكونه أتاهم بعلم لم يعهدوه».
تقديره للعلم:
قال ذو النون:
«كان الرجل من أهل العلم يزداد بعلمه بغضًا للدنيا، وتركًا لها.. واليوم يزداد الرجل بعلمه للدنيا حبًا ولها طلبًا..
كان الرجل ينفق ماله على علمه، واليوم يكسب الرجل بعلمه مالاً..
كان يُرى على صاحب العلم زيادة فى ظاهره وباطنه، واليوم يُرى على كثير من أهل العلم فساد الظاهر والباطن».
وكان يقول للعلماء:
«أدركنا الناس وأحدهم كلما ازداد علمًا ازداد فى الدنيا زهدًا وبغضًا.. وأنتم اليوم كلما ازداد أحدكم علمًا ازداد فى الدنيا حبًا وطلبًا ومزاحمة.. أدركناهم وهم ينفقون الأموال فى تحصيل العلم وأنتم اليوم تنفقون العلم فى تحصيل المال».
وكان يقول موجِّهًا الحديث للعلماء فى صلتهم بالحكام وذوى اليسار:
«العجب - كل العجب - من هؤلاء العلماء: كيف خضعوا للمخلوقين دون الخالق، وهم يدَّعون أنهم أعلى درجة من جميع الخلائق؟!».
وسئل - رضى الله عنه - لِمَ لا تشتغل به؟
فقال:
«للحديث رجال، وشغلى بنفسى استغرق وقتى، والحديث من أركان الدين، ولولا نقصٌ دخل على أهل الحديث والفقه لكانوا أفضل الناس فى زمانهم، ألا تراهم بذلوا علمهم لأهل الدنيا يستجلبون دنياهم فحجبوهم واستكبروا عليهم، وافتتنوا بالدنيا لما رأوا من حرص أهل العلم والمتفقهين عليها. فخانوا الله ورسوله، وصار إثم كل من تبعهم فى عنقهم، جعلوا العلم فخا للدنيا، وسلاحًا يكسبونها به بعد أن كان سراجًا للدين يُستضاء به».
ويحمل ذو النون حملة قوية على كل من ينحرف فى سلوكه من العلماء فيقول:
«قد غلب على العُبَّاد والنُّسَّاك والقُرَّاء - فى هذا الزمن - التهاون بالذنوب حتى غرقوا فى شهوة بطونهم وفروجهم، وحُجبوا عن شهود عيوبهم فهلكوا وهم لا يشعرون، أقبلوا على أكل الحرام، وتركوا طلب الحلال، ورضوا من العمل بالعلم، يستحى أحدهم أن يقول - فيما لا يعلم - لا أعلم.
هم عبيد الدنيا، لا علماء الشريعة، إذ لو علموا بالشريعة لمنعتهم عن القبائح.. إن سَألوا الحُّوا، وإن سُئلوا شَحُّوا، لبسوا الثياب على قلوب الذئاب، اتخذوا مساجد الله التى يُذكر فيها اسمه لرفع أصواتهم باللغو والجدال. والقيل والقال، واتخذوا العلم شبكة يصطادون بها الدنيا، فإياكم ومجالستهم».
ونأتى هنا بنموذج من إجابات ذى النون عن بعض الأسئلة:
يروى أبو بكر بن أبى الدنيا، قال: قال بعض المتعبدين:
كنت مع ذى النون المصرى بمكة، فقلت له:
- رحمك الله، لِمَ صار الوقوف بالجبل ولَم يِصِرْ بالكعبة؟
قال:
«لأن الكعبة بيت الله، والجبل باب الله، فلمَّا قصدوه وافدين أوقفهم بالباب يتضرَّعون».
فقيل له: يرحمك الله، فالوقوف بالمشعر الحرام كيف صار بالحَرَم؟
قال:
«لما أذن لهم بالدخول إليه أوقفهم بالحجاب الثانى وهى المزدلفة. فلمَّا طال تضرُّعهم أمَرَهم بتقريب قُربانهم فتطهروا بها من الذنوب التى كانت لهم حجابًا دونه وأذن بالزيارة إليه على طهارة».
قيل له: فَلِمَ كُرِهَ الصوم أيام التشويق؟
قال:
«لأن القوم زاروا الله، وهم فى ضيافته، ولا ينبغى للضيف أن يصومَ عند مَنْ أضافه».
قيل له: يرحمك الله، فتعلُّق الرجل بأستار الكعبة لأىِّ معنى؟
قال:
«هو مثل الرجل تكون بينه وبين أخيه جناية: فيتعلق بثوبه، ويتضرع إليه: ليغفر له جُرمه وجنايته».
ويروى سعيد بن عثمان الخياط، يقول:
سمعت ذا النون يقول - وقد سأله رجل -:
ذا النون يقول - وقد سأله رجل -:
يا أبا الفيض، رحمك الله، من أراد التواضع كيف السبيل إليه؟
فقال له:
«افهمْ ما ألقى إليك، من أراد التواضع فليوجِّه نفسه إلى عظمة الله فإنهاتذوب وتصفو، ومَنْ نظرَ إلى سلطان الله ذهب سلطان نفسه، لأن النفوس كلها حقيرة عند هيبته، ومِنْ أشرفِ التواضع أن لا ينظر إلى نفسه دون الله، ومعنى قول النبى - صلى الله عليه وسلم -:
«من تواضع لله رفعه الله»
يقول:
«من تذلل بالمسكنة والفقر إلى الله رفعه الله بعز الانقطاع إليه».
.. وبعد:
فإنَّا نختم هذا الفصل بقول ذى النون:
«تكلم الناس من عين الأعمال.. وتكلمت من عين المنة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.