كيف كانت الحياة الثقافية والعقلية للمجتمعات الإسلامية؟ كيف ولماذا ومتى نشأت الفرق الدينية والدول المختلفة؟ كيف أثرت الثقافات المختلفة التى تفاعلت مع الثقافة الإسلامية على فهمنا وتصورنا للدين؟ لماذا اختفى المعتزلة؟ من هم الخوارج؟ وما فكرهم؟ مجموعة أسئلة من بين أسئلة كثيرة يجيب عليها أحمد أمين فى كتابه «ضحى الإسلام» بأجزائه الثلاثة، بمنهج علمى رصين ولغة جزلة واضحة. فجر الإسلام هو كتاب للكاتب والمؤرخ المصرى أحمد أمين. صدر فى طبعته الأولى سنة 1929، ويتناول ظهور الإسلام والفترة التى سبقته، وهو جزء من سلسلة تأريخية شملت «فجر الإسلام» و«ضحى الإسلام» و«ظهر الإسلام» أرخ بها أحمد أمين حياة العرب المسلمين الفكرية. يأتى «ضحى الإسلام» فى ثلاثة أجزاء يعرض الجزء الأول للحياة الاجتماعية والثقافات المختلفة فى العصر العباسى الأول، ويعرض الجزء الثانى لنشأة العلوم وتطورها فى العصر العباسى الأول، فى حين يعرض الجزء الثالث للفرق الدينية كالمعتزلة والشيعة والمرجئة والخوارج ويقدم عرضاً مختصراً لتاريخ هذه الفرق السياسى وطابع أدبهم الفني. وفى هذا الكتاب، يعمل أحمد أمين على تحليل العقلية العربية فى الصدر الأول من العصر العباسي، إذ إنه يرى أن تاريخ أمة ما هو تاريخ عقلها فى نشوئه وارتقائه وتاريخ دينها وما دخله من آراء ومذاهب، لذا نراه يتناول وبشكل مفصل الحياة الاجتماعية فى العصر العباسى الأول وثقافات ذلك العصر كالثقافة الفارسية والهندية والثقافة اليونانية والرومانية، والثقافة العربية، ثم الثقافات الدينية. الجزء الأول من الكتاب يضم أبواباً جديدة لم يلتفت إليها أحد من قبل، أو على الأقل لم يبحثها أحد بهذه الطريقة، حيث تناول المؤلف قضايا الصراع بين العرب والموالين والعصبية القبلية، وأشكال الصراع وغاياته التى ينتهى إليها، كما يتحدث عن الشعوبية ومعناها ومؤداها، وتاريخ نشأتها، ثم يتناول ما أثمرت من جهد أدبى وعنف سياسي، ليفرغ بعد ذلك إلى الحديث عن الرقيق، وأثره فى الآداب والفنون، واختلاف أنواع الرقيق، وميزة كل نوع وذلك قبل أن يقارب بين الحرائر والإماء. ولا يغفل أحمد أمين، الحديث عن الظواهر الجديدة التى طرأت على الحياة الإسلامية، فهو إذ يقارن بين الأمويين والعباسيين، ويوضح كيف تدرج اللهو بتدرج العصور، إذ كان ضئيلاً فى العصر الأموي، ثم استشرى واستطال فى العصور التالية، ويضرب لذلك الأمثال مما يروى عن الخلفاء العباسيين كالسفاح والمنصور والمهدى والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق، كما يحلل دواعى الزندقة، يبين أسباب انتشارها وآثارها على حياة الفكر. كما يتحدث المؤلف بإسهاب عن خصائص الثقافات الأجنبية من فارسية وهندية ويونانية ورومانية وعربية وجعل لكل ثقافة من هذه الثقافات من يمثلها أحسن تمثيل فابن المقفع يمثل الثقافة الفارسية، وحنين بن إسحاق ممثلاً للثقافة اليونانية، واختار (المبرد) ممثلاً للثقافة العربية وهكذا. وهو فى كل هذا يقف موقف المستوعب لكل العناصر الرئيسية فى هذه الثقافات. وفى الجزء الثاني، يبين أحمد أمين ما انتهى إليه العلم فى العصر العباسى من رقى وتقدم، موضحاً أسباب ذلك من خلال تناوله لحرية الرأى فى هذا العصر، وعن معاهد العلم كالمكاتب والمساجد ومجالس المناظرة والمكتبات وبيت الحكمة، ليختم كل ذلك بالحديث عن أثر المراكز العلمية للحياة العقلية فى عواصم الإسلام بالعصر العباسي، ويتحدث عن الحديث والتفسير بدقة متناهية عارضاً لكتب الأحاديث المشتهرة ولمسألة الخلاف بين المحدثين والمتكلمين، كما أفاض الحديث فى التفسير ودرس التشريع الإسلامى دراسة موسعة، فقارن بين المدارس الفقهية بأسلوب بديع منسق، كما بحث علوم الأدب بحثاً هادئاً عميقاً واهتدى إلى حقائق لم يلحظها أحد قبله. وفى الجزء الثالث من هذا الكتاب يجد القارئ مسائل علم الكلام مبسوطة أمامه دون تعقيد يذكر، فكأنها مسائل علم الفقه، إذ عمد المؤلف إلى تذليل الآراء وتيسيرها ومناقشتها، فهو يعرض لآراء المعتزلة والشيعة والمرجئة والخوارج ويبين كل ذلك بأسلوب شيق ومبسط للغاية.