مصر الآن علي أعتاب عصر جديد وضع الشباب بذرته الأولي وينتظر الشعب النبتة التي ستسفر عنها هذه البذرة .. التي ستطرح لنا مصراً جديدة . هل المطلوب في شكل الدولة القادم أن تكون «مدنية» أم «علمانية» أم ستكون دولة «دينية» طرحنا هذا السؤال علي عدد من المثقفين فطالبوا أن تكون الدولة مدنية.. في توضيح وتحليل لأفضلية الدولة المدنية يقول الكاتب محمود رحيم: "أولا مطلب مدنية الدولة هو مطلب "قديم جدا" يجمع عليه معظم المثقفين سواء الليبراليين أو اليساريين لتجنب الاحتقان الطائفي وشعور الأقباط بالأقلية، فمدنية الدولة تعني في الجانب الآخر أنها دولة غير عسكرية، خاصة أن مصر طوال الوقت كانت عسكرية، لكن الظرف الراهن وبالتالي سقوط الدستور هو ما شجع علي إحياء الطلب مرة اخري. وتابع:المستشار طارق البشري شخصية محترمة وله تاريخ معروف حيث كان نائب رئيس مجلس الدولة ومؤرخاً أيضا، حسب كتاباته وتصريحاته ليس هناك ما يدل علي حساسيته ضد الأقباط إنما الحساسية يستشعرها بعض الأقباط لأن له مرجعيات اسلامية، كما أن هذه اللجنة منوطة في الأساس بتعديل الدستور وليس إقامة دستور من جديد، فما نقوم به هو محاولة استباقية للأحداث قد يستجيب الجيش للمطلب العام وهو تغيير الدستور كاملا وغالبية المثقفين يطلبون هذا ويتم الاسترشاد بمباديء الشريعة". في استنكار واضح للدولة الدينية يري القاص أحمد الخميسي: "طبعا مبدأ دولة "إسلامية" صعب، وبشكل شخصي غير مقبول لأنه ينطوي علي تجاهل ليس لحقيقة 15 مليون قبطي..إنما لتجاهل تاريخ مصر بأكمله فالتاريخ الثقافي هو إسلامي قبطي والذي تشكل من إدوار الخراط ونجيب محفوظ لويس عوض وكثيرين. وأضاف :ممكن يخرج من اللجنة الحالية دستورا "معقولا" إنما ليست هذه هي المشكلة، فالبشري هو شخصية واسعة الأفق رغم مرجعيته الإسلامية، إنما تشكيل اللجنة بأمر من المجلس العسكري وبعيدا عن التشاور عن القوي الشعبية هو المرفوض وهو ما كان سائدًا من قبل ، هذا اسلوب مرفوض حتي لو أثمرت اللجنة عن تعديلات مقبولة تخص الترشح والمدة والصلاحيات، وما الي ذلك لكنها لم تقترب من المادة الثانية رغم انها لم تكن في دستور 23 ولم ينتقص ذلك من شأن الإسلام، لكن أظن هذه التعديلات ستكون خطوة للأمام لأنها مطالب واضحة جدا في الشارع المصري وهي الصلاحيات المحدودة للرئيس والمدة القصيرة" . في تأكيد آخر لمطلب المدنية واسترشاد وتحليل تاريخي يقول الباحث أحمد سعيد: "المدنية هي كلمة ملتبسة إلي الآن في الشارع المصري نظرا لغياب المصطلحات ومفهوم السياسة، فالمدني ليس مجرد حاكم عسكري فمن الممكن أن يكون حاكما عسكريا ولكنه مدني، فالمدنية هي تحديد دور المؤسسة الدينية والدين في الدولة فهل هو مرجعية للسياسات التشريعية وحركة المجتمع من القوانين الوضعية والنموذج لذلك دولة محمد علي التي فصلت بين التعليم الأزهري والمدني والتي حددت دور الدين والمؤسسة الدينية، فلماذا لم يجعل الدين مصدرا للتشريع، أيضا ثورة 1919 أين كان دور الدين وموقعه والوزارة الأولي لنوبار باشا الذي كان مسيحيا كاثوليكيا أرمنيا! حتي دستور 1954 لم يكن للدين دورا ولم يكن هناك إشكاليات، فكثرة التأويلات الدينية وتعددها تحدث نوع من الفوضي التشريعية فأي مذهب نتبعه ونرتضيه؟! فما حدث من البابا مؤخرا في رفض الحكم القضائي بالطلاق هو تحد لحكم مدني بمصدر ديني، ففي ظل الليبرالية القادمة ستصبح المواطنة هي الأساس لذا وجب توضيح وضع المؤسسة الدينية والدين، فالعلمنة أو المدنية لا يلغي الدين مثل النموذج الأمريكي الذي يحترم الدين والعقائد الأخري إنما الدين ليس مصدر التشريع، فالدعوة لعدم المساس بالمادة الثانية هو نوع من الإرهاب، أيضا النموذج التركي هو حزب محافظ لكنه علماني أيضا ويسمح بحرية الاعتقاد ويحترم الأقليات الدينية". في نظرة مختلفة للوضع الحالي يقول الكاتب الصحفي سعد هجرس: "بالقطع أنا من أنصار الدولة المدنية الحديثة التي تقوم علي الفصل الكامل بين الدين والسياسة وهو ما يتناقض مع اقامة الدولة الدينية، وبالتالي فأولئك الذين يرون الانتصار للخيار العلماني يرفضون مبدأ الدولة الدينية، لكن يجب مراعاة مواءمة الفترة الانتقالية الحالية بحيث لايحدث صدع في معسكر الثورة. وتابع :عن لجنة التعديل الدستوري الحالية.. هذا التمثيل المبالغ فيه بالنسبة للإخوان مبعث للقلق وأرجو من اللجنة أن تضع الصالح العام في المقام الأول، إنما تشكيل اللجنة أثار القلق بشكل عام لدي العلمانيين والأقباط، إنما أنا أعول علي المستشار البشري بتاريخه الوطني القديم أن يبدد هذا القلق..علي كل حال نحن نتحدث عن تعديلات فقط الآن لأن البلاد تحتاج لدستور أشمل وعلينا أن نمر في هذه المرحلة بسلام. لذا أنا من أنصار تأجيل النزاع للمادة الثانية من الدستور لحين تغيير الدستور كاملا، فالتعديل الآن بهذه الفترة الانتقالية بشأن قوانين الانتخاب كاف، وإرجاء الحديث عن الدين والفصل بينه وبين الدولة لحين إقامة دستور شامل للبلاد". تكشف الدكتورة شهيدة الباز المستشارة الدولية في الاقتصاد السياسي للتنمية والخبيرة الناشطة في مجال المرأة والطفولة عن حقيقة أخري في النظام العلماني : " أولا أنا مؤمنة من زمن أن تكون الدولة مدنية...لماذا؟..أولا مصر بها ديانات أخري غير الإسلام وهذه الديانات مختلطة لأنها تأخذ من ثقافة المجتمع، فالأديان قواعدها تتغير حسب تغيرات المجتمع والحضارة ..لكن هناك "سقفا" أو حدودًا متروكة لله عز وجل لا يتخطاها الفقهاء، لذا أرفض دمج الدين مع السياسة التي ليس لها "سقف" لأنها مدنية لذا سيفقد الدين احترامه، فالمدنية تكفل حماية الدين من ألعاب السياسة، وكل "مواطن" سيحترم بغض النظر عن دينه والذي سيمارسه بحرية، لذا يجب ان تقوم الدولة علي مبدأ "المواطنة" والتي من أهمها حرية ممارسة الدين، فالدولة المدنية تقوم علي مبادئ المواطنة وادارة المجتمع والمؤسسات المدنية لأنه في الفترة الماضية كانت هناك لعبة "الفتنة الطائفية" التي كادت أن تخل بوحدتنا التي يجب ان نحافظ عليها وعلي التفكير في التأكيد عليها وتدعيمها، فالمادة الثانية من الدستور يجب أن تلغي فلقد وضعها السادات لضرب العلمانيين آنذاك...حين كنت أدرس الحقوق التشريع له خمس مصادر واضحة منها "الاسلام" وهو الخيار الأخير الذي يلجأ إليه المشرع، فالإسلام فيه القواعد الأصولية التي تفسر الاسلام بشكل تحرري جدا مثل " تتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان "، "المصلحة اساس التشريع" و " لا ضرر ولا ضرار"، عموما أنا ارفض فكرة الدولة الدينية وللأسف البعض يفهمون بجهل شديد ان العلمانية تعني الكفر وهو ليس صحيحا". وأضافت شهيدة: الحقيقة أنا لا أعلم لماذا تغيرت اللجنة الأولي للتعديل، إنما حينما علمت بتولي المستشار البشري لرئاستها وأنا أعرفه معرفة شخصية وأعلم أنه في الفترة الأخيرة كانت له توجهات إسلامية، إلا أنني أثق في نزاهته وشرفه وحياده كقاضي وقدرته علي الموضوعية، مما يجعله يدرك تماما الإختلاف حول نقطة تناول الدين، لذا فهو حريص جدا علي ألا يصبغ التعديلات باية صبغة تقترب من هذه النقطة الخلافية، ففي إطار التعديل الدستوري وليس التغيير الدستوري أنا أطمئن إلي البشري. أما عن وجود الإخواني فأظن أن المجلس العسكري أراد أن يطمئن المجتمع إلي تمثيل كافة التيارات المختلفة فهناك أيضا قبطي ضمن لجنة التعديل، فآليات مدنية الدولة معروفة. بلهجته الصعيدية التي تميل للهجة المدينة يؤكد الروائي هدرا جرجس علي المدنية ولأسباب عديدة.." أي شخص متفتح سيطالب بالدولة المدنية فانا مع الليبرالية بكل ظروفها ففي ظلها استطيع القيام بواجباتي واحصل علي حريتي، بلدنا فيها مشكلة ان كلا منا ينظر للدين بمنظوره، فالمسلمون والمسيحيون نظرتهم لدينهم مختلفة من حيث التشدد والاعتدال والتطرف وهناك خلافات علي الحجاب والنقاب وفي الفترة الأخيرة ظهرت فتاوي متضاربة ومسيئة مثل إرضاع الكبير وما إلي ذلك، فالدين هو اعتقاد روحي ويحمل الكثير من التأويلات كما ان مصر يستحيل أن تكون كالنموذج الإيراني، فحتي علي مر التاريخ مصر فرض عليها في بعض العصور تيارات دينية معينة لكن طبيعة المجتمع المصري رفضت ذلك فلم تقبل توحيد اخناتون لأكثر من 17 عاما، كذلك الأزهر الشريف كان في الأساس منبراً للشيعة حولته مصر في العصر الأيوبي إلي منارة السنة في العالم الإسلامي لرفضها المذهب الشيعي. وتابع: الإسلام المصري مختلف عن كافة العالم الإسلامي وكذلك المسيحية المصرية تختلف عن كافة المسيحية في العالم فعند دخول الاسلام لمصر حدث تزاوج مميز ومختلف بينه وبين القبطية، فالأضرحة والشموع للسيدة زينب هي في الأصل قبطية، كذلك كلمات " شلاه يا ست " وغيرها من التراث الشعبي هي في الأساس قبطية. وأكد أن الشعب يدرك تماما كيف يميز بين المصالح السياسية والدينية، كما أن هناك سؤالا سيطرح نفسه وهو اي اتجاه ديني سيغلب؟! هل هو المتطرف أم المتشدد أم المعتدل، الشخصية المصرية لن تقبل بغير المدنية، فالدين هو علاقة روحية بين الفرد وربه ولايجوز ان تنزل للممارسة اليومية ولدينا نماذج استغلت اسم الدين في الممارسة الحياتية وكان نوع من الاحتيال مثل الريان والسعد وغيرهما، فالمدنية تسمح بحرية الممارسة الدينية أكثر وبالتالي سيكون الدين أكثر ازدهارا نتيجة لحرية التعبير، وسيكون هناك تطور أفضل كثيرا أنا متأكد من هذا، فالمدنية تكفل الحرية الدينية".