من أمراض الخلل العقلي والنفسي المعروفة والموثقة علميا هي هيستريا الفرد وهيستريا التجمعات، كما هو أيضا معروف في الطب النفسي أغلب الأشخاص العاديين وتحت ضغوط نفسية كبيرة كأم تفقد فجأة ابنتها الصغيرة في حادث أليم تصاب مثل هذه الأم بحالة من الهيجان المصحوب بالصراخ والبكاء وشد شعر الرأس وإلقاء الجسم علي الأرض إلي آخره من مظاهر فقدان السيطرة علي النفس والوعي والتفكير المنظم المنطقي، وهذا هو الهيستريا الفردية.. الهيستريا علي مستوي الفرد الواحد ليس موضوع المقالة ولكنها المدخل لفهم هيستريا التجمعات وهي ظاهرة كلاسيكية مرضية معروفة منذ زمن طويل لعلماء الاجتماع وأطباء النفس. ظاهرة الهيستريا الجماعية مثل ما كان يحدث في خطب الديكتاتور الإيطالي «بنيتو موسيليني» وكذلك خطب الديكتاتور الألماني «أدولف هتلر» يمكن شرحها بطريقة علمية مستخدما الميكانيكا غير الخطية التي تخصصت فيها كما قد يعلم القارئ. هناك تجربة معروفة باسم العالم الهولندي «هويجن» وهي تتكون من بندولين مثل بندول الساعات التي كانت توضع في القصور في سالف الزمان إذا كان أحد البندولين يتحرك من اليسار إلي اليمين بينما يتحرك البندول الآخر من اليمن إلي اليسار دون أي توافق فإن الذي يحدث عندما نقرب الساعات بعضها إلي بعض هو شيء فعلا لافت للنظر. عندما تقترب الساعتان أي البندولين بما فيه الكفاية تتوافق الحركات علي الرغم من أنفصالها. هذا هو ما يسمي في علوم الميكانيكا غير الخطية بالانجليزية «فازلوكنج» أو «أغلاق الفترة» بترجمتي الركيكة. من الممكن أن نستخدم عشرات بل مئات من البندولات بهذه الطريقة ونحصل علي نفس النتيجة وهي حركة متوافقة مثل «مشية الأوزة» للجيش الألماني النازي. تصور الآن أن هناك بندولا يتحرك حركة عشوائية ويقترب منه بندول آخر يتحرك حركة منتظمة في هذه الحالة يمكن أن نتصور أن البندول الأقوي سوف يمتص الأضعف إلي حركته وأغلب الظن سوف يتحركان كلاهما حركة عشوائية الأدهي من ذلك أن الوضع الطبيعي لحركة لها آلاف من البندولات هي الحركة العشوائية، وهذه هي نظرية أول من وضعها كان المهندس وعالم الرياضيات الفرنسي المعاصر «دافدرول» وقد استخدمت أنا وكذلك عالم الرياضيات الصيني «جي هوان هي» هذه النظرية في تطبيقات لها علاقة بنظرية الكم والطاقات العليا ولها علاقة وثيقة بنظريتي عن فراغ الزمان الكنتوري. إذن من الواضح أن التجمعات الكبيرة تميل إلي حركة توافقية أو عشوائية وهذا ما نلاحظه في الهتافات المتوافقة والتي تتكرر بشكل كبير شبه ميكانيكي وكذلك في الفوضي التي يمكن أن تحدث فجأة في مثل هذه التجمعات الحقيقية وكما هو واضح بشكل مبسط في تجربة «هويجن» يكفي شخصا أو شخصين في حالة تهيج نفسي أن يسببوا حالة شبه «هيسترية» في مجموعة كبيرة بطريقة أشبه بحرائق الغابات. وهي ظاهرة تدرس أيضا عن طريق الميكانيكا غير الخطية وعلم الشواش لأهميتها في دول تكثر بها ظاهرة حرائق الغابات مثل كندا وأمريكا وبعض مناطق فرنسا وفي الثمانينيات من القرن الماضي. شاهدت بنفسي في جنوبفرنسا علي الساحل الأزرق «كوت دازور» مثل هذه الحرائق، لهذه الأسباب ولميولي الشخصية وتكوني النفسي أحاول دائما أن أتجنب التجمعات، وعلي سبيل المثال ورغم ولعي بكرة القدم منذ أيام اتصالي بصالح سليم وأخوته في النادي الأهلي فأنا لا أحضر المباريات واكتفي بشاشة التليفزيون.. أرجو ألا يفهم ما في هذه المقالة علي أنه نقد لثورة شباب التحرير لأنها ثورة بيضاء سوف تخلد في التاريخ وتدرس في جامعات العالم، الحقيقة هي قد تكون ثورة أهم كثيرا من الثورة الفرنسية وبدون شك أفيد كثيرا من الثورة الروسية وأيضا الثورة الإيرانية.. في كثير من الأحيان لابد أن ينسي الفرد أنه فرد وأن ينضم إلي ذوية لتكوين مجموعة قوية بهدف واحد ويتنازل عن أنفراديته الشخصية لتحقيق مطالب شعب وتحرير وطن. لقد كتبت هذا العمود فقط لأوضح الأخطار الممكنة والسلبيات في الاندماج فيما قد يصل إلي هيستريا جماعية وهو ما لن يحدث أبدا في مصر الحضارة والتي بدأت الولاياتالمتحدة تنظر إليها كمثال يحتذي به وربما نقل تمثال الحرية من مدخل نيويورك إلي مدخل الإسكندرية كهدية من الشعب الأمريكي للشعب المصري حيث إن التمثال كان هدية من الشعب الفرنسي للشعب الأمريكي. ويا حبذا لو تغيرت هدية الشعب الأمريكي إلي الشعب المصري إلي هدية من أمريكا إلي الشعب العربي الفلسطيني الذي يطالب بحريته وكرامته منذ أكثر من ستة عقود.