على بعد أمتار من ميدان التحرير وفى قلب وسط البلد استخدمت مساحة مهجورة أمام أتيليه القاهرة كجراج، وليوم واحد لم يكن الجراج جراجا، خلى من السيارات وزينت جدرانه المتهالكة جرافيتى رسم خصيصا ليناسب أجواء هذه الاحتفالية. الصحفية والمراسلة السويدية ميا جروندال اختارت مكانا أقرب إلى روح الشارع للاحتفال بصدور أحدث كتبها عن الجامعة الأمريكيةبالقاهرة «جرافيتى الثورة». تحول المكان إلى قطعة من ميدان التحرير، نموذج مصغر لشوارع الثورة. هناك شارك عازفون ومغنو راب بالحفلة وامتزجت الموسيقى مع لوحات الحوائط. شباب الجرافيتى وفنانيه جلسوا القرفصاء بجوار الصحفية التى جلست على كرسى هى وعماد أبو غازى الذى أدار حوارا سريعا مع ميا لتقديم كتابها إلى الجمهور الحاشد وأغلبهم أجانب وفنانين شباب ونشطاء الذين فاض الجراج بهم فأصبح ملائما لهذا الجو أن تتابع إحداهن فقرات الحفلة خارج الجراج على موتوسيكل.
الجرافيتى أعلن عن نفسه فى هذه الحفلة كأسلوب حياة، بالأساس كان الجرافيتى هو «ثورة ستايل» بامتياز. الطابع الذى غلب على المكان كان متحررا من أية تقاليد ربما حتى رسمية عماد أبو غازى وأسئلته العادية لميا لم تفسد هذا التحرر، ميا مثلا فضلت ترك الإجابة عن بعض الأسئلة للفنانين الخمسة الذين حضروا حفل الجراج وشاركوا ميا المنصة، وهم مجموعة ضئيلة ممن تبرو أصواتهم وأحلامهم بخصوص مستقبل الثورة وصورا لأعمالهم على جدران الشوارع وفى الميدان داخل كتابها. ميا قالت: «جرافيتى غزة كان إحدى وسائل المقاومة، أما جرافيتى الثورة يريد أن يقول الثورة مستمرة، الجرافيتى فن قديم قدم الإنسانية، وكان صوت فنانى الجرافيتى واضحا فى ألوانهم الصارخة يقول: نحن هنا، نحن موجودون أخيرا».
الشباب ومعظمهم من فنون جميلة اختاروا الحديث ببساطة وتلقائية، عرفوا بأنفسهم، بعضهم فضل أن ينادى على زملائه ليشاركوه الحديث، آية طارق أصغر فنانى الجرافيتى من الإسكندرية، عرفت بزميليها وأحدهما مصور فوتوغرافى وقالت ببساطة أن المشروع الأساسى لأعمالهم هو «آرت إستابليشمينت» أو التأسيس للفن فى أى مكان وبأى صوره: «ننزل نصور ونرسم ونعرض فى الشوارع».
عمر أبو بكر أكثرهم شهرة لربما لأنه معيدا بكلية فنون جميلة جامعة جنوب الوادى وله خبرة فى جرافيتى الأقصر، أبو بكر فى الجراج قال أنه لم يعد بعد الثورة استاذا جامعيا، هجر الجامعة أو بمعنى أصح الوظيفة الحكومية: «أغلبنا فعل هذا عقب الثورة حتى من منا كان صحفيا، كلنا أعلنا الشارع مكانا لنا ولائقا بوجودنا». أبو بكر قال أيضا أن الجرافيتى ثورة وأن الشعب المصرى كله شارك فى ملحمة الثورة على الجدران. وهو يعتقد أن بداية جرافيتى الثورة الحقيقى كان مع أول عبارة كتبت على أول دبابة نزلت الميدان: يسقط الكلب مبارك. وفى حماسة ختم حديثه بأن رسوم المقابر والمعابد لايمكن بأيةحال مقارتتها بجرافيتى الثورة: «الأقرب إليها رسوم على أوانى الفخار للسخرية من الحاكم؛ الجرافيتى فن التمرد ورسوم المعابد زمان كأن تطلب اليوم من محمد حسان أن يكتب الثورة المصرية».
تحقيق أحلام الناس بضيافة فنية على الحيطان، هكذا ترى ليلى ماجد فن الجرافيتي، ليلى التى فضلت الجلوس على المسرح البسيط المنصوب بالجراج ضامة رجيليها شاركت فى الشهور التى تلت الثورة فى مشروع «بدون جدار» وقالت الأمر لا يحتاج أن تتقن الرسم أو أن تكون رساما محترفا، بقدر ما يتطلب أن يكون لديك شيئا تقوله.
أسامة عبد المنعم الذى رسم على جدران شوارع إمبابة والفجالة، قدم مجموعة «كتائب الموناليزا» التى بدأت الجرافيتى فى الأحياء الشعبية خاصة أرض اللواء.
الموناليزا رسموا على جزء كبير من إحدى حوائط الجراج شخصيات نجيب محفوظ فى «بين القصرين» وتظهر أمينة وبناتها بشكل أوضح من سى السيد وابنه ياسين وأى نماذج ذكورية أخرى فى تصدى تمردى واضح ضد السيادية الذكورية، واستعانوا فى الجرافيتى ببعض العبارات التى وردت على ليان الأبطال ومنها سبع تيام حرية وبضاعة اتلفها الهوى. واحد من كتائب الموناليزا قال أن الجرافيتى هو حكاوى التاس على الجدران وصحيفة الثورة الأكثر صدقا. بينما استنكرت رضوى فودة ناشطة ومصممة أغلفة وفنانة جرافيتى ما طالبوه بها المسئولون فى مهرجان الجرافيتى الذى أقيم فى 2010 بالابتعاد فى رسمها عن السياسة والدين، معتبرة أن الجرافيتى ليس جرافيتى من دون هذين العنصرين.