الحمد لله العالى الوهاب، اصطفى الأمة المسلمة لوراثة الكتاب «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا»، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس بما تحمل من رسالة، وما تقوم به من وظيفة، وما تؤديه من أمانة، وما تقيمه من موازين العدل والرحمة فى حياة الناس، وتقوم سلوكهم بشرع الله - عز وجل لأنها الأمة الوسط بما تمتلك من قيم الوحى السماوى السليم. والصلاة والسلام على الرسول النبى الأسوة الحسنة، الذى جاء للعالمين «شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا». فقد كرم القرآن الكريم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تكريما منفرداً لم يسبق ولن يلحق، ومن ذلك أن الله - عز وجل - خاطبه وأخبر عنه بالنبوة والرسالة فقط ما عدا عدة مواطن أهمها: 1- فى وصفه ووصف أصحابه: قال تعالى: «محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم». 2- فى بعض ما يسرى عليه يسرى على البشر: قال سبحانه وتعالى: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل». 3- مهمة إبلاغ الرسالة للعالمين: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين». 4- التبشير به من قبل من سبقوه من الأنبياء: قال عز وجل: «وإذ قال عيسى ابن مريم يا بنى إسرائيل إنى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى من التوراة ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد». 5- خاطبه ربه بقوله: (يا أيها النبى)، (يا أيها الرسول) ولم يقل يا محمد. لقد اجتمعت فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم أبرز الصفات التى وجدت فى الأنبياء والرسل عليهم السلام من قبله. فيه صبر نوح - عليه السلام - وطول نفسه، ومع ذلك لما تمادت قريش فى ايذائه وذهب إلى أهل الطائف يدعو أهلها إلى الإسلام استقبلوه بالشتائم والسخائم، فلم يدع عليهم بشر، بل توجه بضراعة وشكاية إلى من لا تخفى عليه خافية: «اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربى لا إله إلا أنت، إلى من تكلنى؟ إلى قريب يتجهمنى، أم إلى عدو ملكته أمرى، إن لم يكن بك سخط على فلا أبالى غير أن عافيتك هى أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الكريم، الذى أضاءت له السموات والأرض وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن يحل على غضبك أو ينزل على سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم». وقال صلى الله عليه وسلم لملك الجبال بعدها: «اللهم أهد قومى فإنهم لا يعلمون، عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به». أشبه إبراهيم - عليه السلام - فى وضوح رؤيته ورفض المساومة وأنصاف الحلول «والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه». وقال تعالى: «قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون». فيه عزيمة موسى - عليه السلام - فى شدته على أعداء الحق «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، وأنى رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله». فيه رقة عيسى - عليه السلام - «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». وتفرد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعالمية الرسالة: «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون»، و«وأرسلناك للناس رسولا». واتسم صلى الله عليه وسلم بحمله وابلاغه بالإسلام الدين الحق الذى ينظم الحياة كلها، فالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاق. فالعقيدة هى الجانب العقلى: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير». والشريعة هى الجانب العملى الذى يشتمل على العبادات والمعاملات كلها بصورها وأشكالها «ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها». والأخلاق هى الجانب الوجدانى من السلوك والتكاليف: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وتعد السيرة العطرة لحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المثل الأكمل فى فهم وتطبيق مكونات الدين الحق: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً».