لا يمكن توقع هذا المقال الذي نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية، تحت عنوان: (مصر ضد التطرف)، إلا من شخصية لها هذا الوزن وتلك القيمة.. أعني كاتب المقال العميق: الدكتور بطرس بطرس غالي.. الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان. يجوز جدًا أن نثني علي ما تطرق إليه الدكتور بطرس حول القيم الإيجابية والثروة العظيمة في تراث مصر بشأن التعايش بين أبنائها من المسلمين والأقباط.. ويجوز جدًا أن نقف عند ما كتبه عن النضال المشترك بين المصريين.. وعند أن مصر لا تعرف الحي المسلم والجيتو المسيحي.. وعند ترسيخه لمواصفات الدولة المدنية التي يعود تأسيسها في مصر إلي مطلع القرن التاسع عشر.. وتراث التسامح بين المصريين منذ 1500 سنة. لكنني أتوقف عند ما أعتقد أنه يستوجب التوقف.. وأخص ختام المقال الذي قال فيه بوعي سياسي ورؤية عميقة حكمًا لم يقترب منه أحد من قبل.. حيث ذكر: (التسامح المصري أصبح موضع اختبار في الداخل بسبب موجة التوتر المتصاعدة من الإرهاب في الخارج).. كما قال: (يحدوني الأمل أن المصريين سوف يتحدون لدحر التطرف الديني فهذه معركة لن تحتمل مصر ولا الشرق الأوسط خسارتها). هذان المعنيان.. بليغان: الأول جعل فيه الدكتور بطرس اختبار الداخل عائدًا في الأساس إلي إرهاب الخارج.. والثاني حول فيه الأمر المصري إلي مسألة إقليمية.. لا تعني مصر وحدها من حيث التأثير.. وإنما سيكون لها تبعاتها الخطيرة إقليميا.. مع الوضع في الاعتبار أن المواجهة هي مسئولية الداخل المصري. بخلاف هذه الإشارة لابد من التعمق في مجموعة المطالب التي دونها الدكتور بطرس غالي، بصفته رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، في مقاله المتميز والتاريخي.. وهي هنا أرصدها كما يلي: - الحل الوحيد تعزيز شعور المصريين بالمواطنة. - إزالة الحواجز المتبقية علي بناء وترميم الكنائس والإسراع بتوقيع قانون بناء دور العبادة الموحد الذي اقترحه المجلس القومي لحقوق الإنسان. - زيادة التنوع داخل الحكومة من شأنه أن يعلي قيمة التعددية الدينية لدي الجمهور. - علي الأحزاب ترشيح مزيد من الأقباط للمناصب التي ينبغي شغلها بالانتخاب. - ينبغي علي مصر أن تؤسس سياسة لعدم التسامح مع العنف الطائفي إذ يمكن للنائب العام أن ينشئ وحدة خاصة لأفعال العنف الطائفي والتمييز. - فهم أفضل للثقافة المسيحية القبطية من خلال دورات عن التاريخ القبطي في مدارسنا. وبالإجمال فإن ما يطالب به الدكتور بطرس غالي جدير بالمناقشة المفتوحة.. والمساندة غير المقيدة.. باعتبارها مطالب مدنية وحقوقية وهادفة إلي تحقيق التغلب علي مشكلات.. ومواجهة أوضاع تحصن مصر ضد الإرهاب.. وترسخ مفهوم وقيم وممارسة التسامح قولاً وعملاً. لقد لاحظت دقة الدكتور بطرس غالي في تعبير (إزالة الحواجز المتبقية).. أو لعله يقصد الإجراءات المتبقية.. ما يعني أنه يقول إن هناك شوطًا كبيرًا قد انقطع في مسألة بناء الكنائس وترميمها.. وحتي لو كنت أتحفظ شخصيًا علي موضوع قانون دور العبادة الموحد.. وأجد في القرار الجمهوري المتوقع بخصوص بناء الكنائس بديلاً أفضل من الناحية السياسية والقانونية والمرحلية.. فإن بقية مطالب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان جديرة بالانتباه والتعمق. موضوع وحدة خاصة تتبع النائب العام لمنع التمييز الطائفي وتتعامل مع جرائم العنف المؤدي إلي الطائفية هو حل لافت قانونيًا.. ويجعل الأمر في إطاره القانوني اللائق.. ويؤكد علي أنه لا حاجة إلي مزيد من قوانين في هذا الاتجاه.. وأعتقد في هذا السياق أن علي جهات الاختصاص أن تتعامل بعين الفهم مع ما تقدم به الدكتور بطرس.. انطلاقًا من أنها مطالب غير طائفية.. وتنطوي علي رغبة حقيقية في ترسيخ المواطنة.. وألا نركن فقط إلي الكلام الجميل الذي كتبه عن بلدنا في جريدة أمريكية مرموقة وذائعة الصيت.. ففي المقال ما لابد من الوقوف عنده. تعاملوا فورًا مع ما جاء في المقال.. ولا تتركوا أثره بدون رد فعل.. فهذا يعطي المضمون الأشمل للمقال قيمة أكبر وأوسع تأثيرًا. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]