يمكن استعراض بعض أسباب الاحتقان الذي يسود أمزجة الأطراف المعنية في هذا التحليل وكيف بدأ الأمر وتراكمت بداخله المشاكل حتي وصلت إلي ما شاهدناه في الأيام القليلة الماضية حيث استجدت هناك أمور أدت إلي التباعد بين المسلمين والأقباط، بل وأوصلتنا جميعا إلي حالة الاحتقان التي نعيش فيها والتي تفتق منها كل الحوادث المؤسفة وآخرها من أطلق النار علي ركاب القطار، وفي كل مرة يقال أنه مختل عقليا حتي قبل أن يصل إليه رجال الشرطة!، ولم تكن المرة الأولي التي فيها هذا التبرير المؤسف. من تلك الأمور علي سبيل المثال التدين الشكلي الظاهري الذي زاد بدون القضاء علي الفساد بين الناس والذي تحدث عنه الكثيرون من أصحاب الرأي ويبدأ بما يسمي المظهر الاسلامي للرجال مثل وضع الساعة في اليد اليمني ولبس الطاقية البيضاء وارتداء النمط الاسيوي للسروال والقميص ثم للنساء من بداية وضع الطرحة فوق شعر المرأة ثم زادت قطعة القماش في المساحة كي تتحول إلي ما يسمي بالخمار ثم بعدها تحولت إلي النقاب وباللون الأسود وملحقات هذا الزي الغريب الذي يصيب العين لمن ترتدية وليراجعنا في هذا أطباء العيون وأساتذة علوم الاجتماع من بين أواسط المسلمين وليس من أهل التعصب مع ضيق الأفق أو استجداء التدين المتطرف، وانتشار ما يسمي بالحجاب بين الفتيات علي خلفية الأزياء الأكثر تلوينا أو الأشد إبهارا مع الوجود الكامل لمستحضرات التجميل. أيضا زادت كمية الوعظ الديني المتشدد في وسائل المواصلات وفي كل مكان رغم كثرة عدد المساجد والزوايا وعدد محطات الإذاعة وقنوات أصحاب اللحي البيضاء والسوداء علي مدار الساعة، وظهور الدعاة الجدد من غير أهل الأزهر وبائعي اللغة العامية والتفسير الفوري للقرآن تماما مثل القهوة الفورية في محطات الوقود!، ويقع معظم هؤلاء في المحظور من حيث اختيار الأحاديث الضعيفة والمهجورة كي يستقطبون بها عامة الناس والتي تحض علي الاستعلاء علي غير المسلم بل واستحلال ماله وعرضه كما حدث في جرائم اقتحام محل الذهب في فترة سابقة وبعض الحوادث المشينة لبناء الوطن في مناطق ينمو فيها الجهل والتطرف، أيضا ارتبطت العشوائيات بالزوايا الصغيرة والدعاة من حملة شهادة الميلاد فقط، يبدأ برفع الأذان ثم إمامة بضعة مصلين ثم اعتلاء المنبر ثم اهانة اللغة العربية وصحيح الدين!!. هناك عدة تساؤلات من وجهة نظر وطنية محايدة أولها : هل من الممكن بناء زوايا صغيرة في كل حارة أو شارع مساحتها لا تتعدي بضعة أمتار تحت مبني سكني كي يحصل علي رخصة بناء بالمخالفة أو مواد بناء مدعومة بحجة بناء مسجد فوقه أدوار بالمخالفة وأسعار من نار وتساعده المحليات علي ذلك إما بالتغاضي أو بالتقاضي ويأتي صاحب العقار وهو نفسه صاحب الزاوية بلوحة رخامية عليها بيانات من بناه ومن افتتحه ثم يؤجر أحد الأدعياء كي يعتلي المنبر ليقول كلامًا محرضا لطرف ومستفزا للطرف الآخر عبر عدة ميكروفونات أعلي المساكن المجاورة ويجلس المصلون علي أرضية الشوارع حول تلك الزاوية لا يفقهون شيئا من تداخل أصوات الزوايا المجاورة، في المقابل مازال البعض يتحاور بشأن قانون موحد لبناء أماكن العبادة وقانون آخر للأذان الموحد وقانون ثالث للمواطنة ويحتار العاقل في فهم تلك القوانين التي لم تصدر بعد وما زالت في طور الإعداد ثم العرض ثم الطرح ثم التصويت ثم العمل به عند اللزوم!، كل خطوة تستغرق عدة دورات برلمانية كي تتحرك قليلا!، كما زادت حالات الخلط بين الدين والدنيا في مجال الصحة والتعليم وأصبحت المساجد والكنائس تقدم الخدمات العلاجية والدروس الخصوصية بل والمعفاة من الضرائب مما ساعد علي الفصل بين القوات التابعة للجانبين بشكل لم نعهده من قبل، تلك الخدمات ظاهرها الرحمة وباطنها التمييز بين أبناء الوطن الواحد! كل هذا أدي إلي التباعد بين ماهو مسلم وغير المسلم وصرنا نعاني من الفصل العنصري بين أبناء الوطن ليس فقط في الشكل ولكن في المضمون ولقد حدث هذا بالتوازي بين الأقباط والمسلمين ، فلقد زادت كمية المعروض من الرموز والصور واللافتات بل والأسماء التي تدل علي هوية أصحابها بشكل مبالغ فيه، وكلنا يتذكر ماحدث من انفلات في وضع علامات التمييز علي السيارات والتي أدت لتدخل رجال المرور في منعها حرصا علي المشاعر الوطنية للمصريين، تماما مثل استبعاد ذوي الكفاءة من الوظائف العليا مثل رئاسة الجامعة أو مجالس المدن وحتي بعض الوزارات، كانت رئاسة الوزارة أو مجلس النواب من نصيب أحد الأقباط شيئا عاديا فيما مضي وقتما كان الطربوش يعلو جبهة النخبة المصرية!!، قطعا هناك حلول ومقترحات لتخفيف حدة هذا الاحتقان وفي هذا الشأن لنا حديث قادم. كاتب وأستاذ جامعي