بعيدا عن الأحكام العاطفية التي تسيطر علينا جميعا جراء هذا الحادث الإرهاب المؤسف لكنيسة القديسين بالإسكندرية لا بد أن نبحث عن الأسباب الخفية التي أدت إلى وقع هذا الحادث، والذي أودى بحياة أكثر من 25 قتيلا و92 جريحا، وأعاد مصر إلى نقطة الصفر في مواجهة الإرهاب، التي الظاهرة التي طالما فخرت مصر ونظامها الحكام بالقضاء عليها في مهدها دون أن تتفاقم وتتطور إلى ما هو أسوأ كما هو الحال في دول أخرى، بالإضافة إلى إذكاء نار الفتنة الطائفة ووضعها في أهبة الاستعداد. فالبحث عن الأسباب الحقيقية لإستهداف كنيسة القديسين ضرورة يحتمها الأمن القومي للبلاد، لتنجو من فتنة طائفة كامنة ليس في حاجة إلى شرارة لتشعلها. فبالرغم أن معظم القوى السياسة والدينية وعلى رأسها الرئيس مبارك أشار إلى وجود أدي خارجية وراء هذا الحادث في إشارة إلى إسرائيل وتنظيم القاعدة وكان تنظيم القاعدة بالعراق في نوفمبر الماضي قد هدد باستهداف الكنائس في مصر بعد ما أعلن مسئوليته عن تفجير كنيسة سيدة النجاة، إلا أن هذا ليس هو السبب الوحيد أو الرئيسي، بل إن الأيدي الخارجية سعت إلى تصعيد أمر واقع لا إلى خلقه وإيجاده أو قل هي السبب الظاهر لا الخفي. وهو ما أشار إليه رئيس الوفد حين قال في تصريحات له "إن مثل هذا التفجير لم يكن ليحدث ٍلولا وجود حالة الاحتقان الطائفي وحالة التربص بين المصريين ، والتي زكتها بعض التصريحات غير المسئولة" وهو ما أشار إليه بيان مجلس قساوسة الإسكندرية بشكل أو آخر حين قال : "إن ما حدث يشكل تصعيدا خطيرا للأحداث الطائفية الموجهة ضد الأقباط." وقد كان ذريعة تنظيم القاعدة باستهداف الكنائس بمصر واحدة من صور الاحتقان الطائفي والتي أطلق عليها القاعدة "أسيرات مسلمات في أديرة" في إشارة إلى وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة ومسيحيات أخريات تردد أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية استردتهن بعد دخولهن الإسلام. وقضية المسيحيات اللائي أسلمن ثم سلمتهن الحكومة إلى الكنيسة هي واحدة من عدة مواقف طائفية حدثت في الفترة الأخيرة أدت إلى تصعيد حالة الاحتقان والتربص بين (المسلمين والأقباط)، فمن الأمور التي أدت تزكية الاحتقان الطائفي ما تم نشره عن ضبط سفينة تحمل أسلحة أو أسلحة وذخائر لنجل وكيل مطرانية بورسعيد مرورا بحديث الأنبا بيشوي أسقف دمياط وكفر الشيخ والبراري والذي أكد فيه أن الأقباط أصل البلد، وأن المسلمين ضيوف "نحن نتعامل بمحبة مع ضيوف حلوا علينا ونزلوا في بلدنا واعتبرناهم إخواننا «كمان عايزين يحكموا كنايسنا» أنا لا أرضى بأي شيء يمس المسلمين، ونحن كمسيحيين نصل إلى حد الاستشهاد إذا أراد أحد أن يمس رسالتنا المسيحية"، كان هذا أشهر المواقف التي أدت إلى المزيد من الشحن الطائفي. هذه المواقف وغيرها أدت إلى بث روح الكراهية والعداء بين عنصري الأمة بل كانت السبب الرئيسي لخروج مظاهرات ووقفات احتجاجية للإسلاميين، ولو أول مرة نجد السلفية تتخذ من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية وسيلة للتعبير وتحقيق مطالبها. إلا أن الاحتقان الطائفي والتربص بين متشددي الأقباط والمسلمين أمر وارد وقد حدث كثيرا ولكن كانت الدولة وهيبتها كافيه على وأد أي فتنة في مهدها، ولكن يبدو أن السبب الحقيقي في خروج الأمور عن حدها، حتى أدت إلى عودت الإرهاب مرة ثانية يكمن في ضعف هيبة الدولة ونظامها الحاكم، مما جعل القوى القبطية والإسلامية والسياسية تسعى لتحقيق مآربها أو بعضها على الأقل، وهذا وضح جليا عندما رفض البابا صراحة تنفيذ حكم قضائي نهائي يسمح للأقباط المطلقين بالزواج.
دائما ما كان الأقباط بمصر يعالجون الأمور الحساسة والتي تمس مشاعر جماهير المسلمين مع الحكومة بالحكمة أو قل بالسرية بعيدا عن الإعلام وأضوائه، ولكن يبدو أن الإعلام في ظل القنوات المفتوح والتي جعلت من مقارنة بل مهاجمة الأديان مادة خصبة كان هو السبب الخفي وراء هذه الأحداث المؤسفة، ولقد كانت لتصريحات ومواقف الرموز الدينية أكبر الأثر في انقطاع شعرة معاوية بين حكومة ضعيفة وكنيسة جريحة.