لا جدال في أن العالم العربي قد واجه علي الدوام تحديات عديدة، بل ويمكن القول إن هذه التحديات قد أضحت من سمات المنطقة، وعلي الرغم من ذلك فإن الصورة العامة التي بدأت معالمها تتضح تدريجيا مع بداية العام الحالي تبدو أكثر تعقيدا، وعلي الرغم من أن فتح هذا الملف يعني الدخول في عملية معقدة لتوصيف الواقع العربي بكافة أبعاده، فإنه يمكن الإشارة بشكل سريع إلي عدد من النقاط المحورية: 1- تفاقم التحديات "التقليدية"، ويأتي علي رأس قائمتها كيفية التعامل مع ملف السلام العربي-الإسرائيلي، فعلي الرغم من أن هذا التحدي يلازم العرب منذ عقود طويلة، ويتم التأقلم مع تطوراته بشكل أو آخر، فإن الأوضاع كما تبدو في بداية العام تشير إلي أن التعاطي مع هذا التحدي بشكل جاد أضحي ضروريا بل ومصيريا، فخلال هذا العام تقترب خطة رئيس الوزراء الفلسطيني والخاصة بالانتهاء من وضع أسس الدولة الفلسطينية من نهايتها، وكذلك تنتهي فترة العام التي وضعتها إدارة الرئيس أوباما للوصول إلي تسوية القضية الفلسطينية علي النحو الذي تم الإعلان عنه في مؤتمر واشنطن في سبتمبر 2010، وعلي الرغم من أنها لن تكون المرة الأولي التي لا يتم فيها الالتزام بالمواعيد المحددة، فإن التأخير في الوفاء بها هذه المرة قد يفتح الباب أمام التصعيد، خاصة مع استمرار الجانب الإسرائيلي في تنفيذ سياساته المحددة لتكريس الأوضاع علي أرض الواقع استباقا بهدف تفريغ أي ضغوط مستقبلية عليه من مضمونها. 2- استمرار الخلافات "المستحدثة"، وفي مقدمتها ملف الخلافات الفلسطينية-الفلسطينية الذي فرض نفسه علي الساحة مند ما يزيد علي سبعة أعوام وبدا مستعصيا علي الحل نتيجة للعديد من العوامل والاعتبارات الداخلية والإقليمية، وأبرزها الخلاف حول سبل التعاطي مع التحدي التقليدي الذي تفرضه وضعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتأكل، بل وتلاشي، مصداقية خيار المفاوضات نتيجة لافتقاره للحد الأدني من مقومات النجاح. 3- بروز تحديات مصيرية جديدة، وهو ما يقودنا إلي "النموذج السوداني" مع انطلاق الاستفتاء علي مصير الجنوب الذي لم تعلن نتائجه النهائية وقت كتابة هذه السطور- والذي يثير تحديات لا تقتصر فقط علي الدولة السودانية، وإنما تمتد لتشمل "العالم العربي" برمته، ومن بين هذه التساؤلات ما يتصل بعلاقة جنوب السودان إذا ما تأكد خيار الاستقلال- بشماله، وموقعه في النظام السياسي العربي، وطريقة تعاطيه مع القضايا ذات الطابع القومي العربي، وفي مقدمتها التعامل مع إسرائيل. ولا يقتصر "النموذج السوداني" علي وضعية الجنوب، بل تمتد إلي تلك الخاصة بدارفور، فعلي الرغم من أنه لم يتم حتي الآن المطالبة بالانفصال، فإن تبعات ما يجري في الجنوب قد تلقي بظلالها علي مستقبل الغرب، في ضوء عدم تبلور ملامح تسوية مقبولة ومرضية حول هذا الإقليم بالرغم من تعدد المبادرات وتتابع اللقاءات والمساعي علي مستويات عديدة. ومما لا شك فيه أن خيار الانفصال يحمل في طياته مخاطر العدوي التي قد تصيب مناطق أخري في العالم العربي بما يعنيه ذلك من إضافة عامل جديد من عوامل الضعف والتوتر. 4- تزايد حدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، حيث تتوالي مظاهر الاحتجاجات علي ارتفاع الأسعار والمطالبات بحقوق اقتصادية واجتماعية عديدة، وفي مقدمتها الحق في العمل، في العديد من دول المنطقة سواء في الأردن أو ليبيا أو الجزائر، لتبلغ ذروتها في "النموذج التونسي" بتطوراته المتلاحقة التي اتخذت أبعادا سياسية ينتظر الجميع معرفة فصولها الأخيرة، بل ويتم التساؤل عن مدي إمكانية "تصدير" النموذج إلي أجزاء أخري من العالم العربي. 5- وضع المنطقة العربية في رأس أولويات الأنشطة الإرهابية، التي وجدت في أزمات الثقة بين المواطن والدولة، أو بين المواطن و"الآخر"، تربة خصبة لفتح جبهات جديدة يمكن أن تنشط فيها، بما يعنيه ذلك من خلق حالة من الإرباك العربي من جانب، وفتح الباب مجددا أمام التدخلات الخارجية في شئونه الداخلية. وإذا كان ما تقدم يمثل جانبا من ملامح صورة الواقع العربي في بداية عقد جديد، يظل التساؤل الرئيسي قائما: إلي أي مدي سيستمر أسلوب انتظار وقوع الأزمات للتعامل معها، ومتي سيتبني العالم العربي استراتيجيات التنبؤ بالأزمات ووضع استراتيجيات فعالة تجذب المواطن وتحظي بتعاونه سواء كان ذلك في إطار "المواطنة" علي مستوي الدول، أو "العروبة" علي امتداد الإقليم.