منذ تفجر ملف الخلافات الفلسطينية بشكل عام، وبين القطبين الرئيسيين علي الساحة بشكل خاص، كان من الطبيعي أن تتعالي الأصوات وتتضافر الجهود لإعادة اللحمة بين عناصر ومكونات الشعب الفلسطيني عبر المصالحة بين فصائله المؤثرة، إلا أنه في الوقت الذي مضت فيه إسرائيل - بحكوماتها المتعاقبة - إلي ترسيخ أقدامها علي الأرض وفرض معطيات جديدة جغرافية وديموغرافية، سواء اتخذ ذلك شكل تشييد جدار الفصل العازل الذي توارت خلفه القدسالشرقية، أو بناء مستوطنات تحولت مع مرور الوقت إلي كتل ضخمة تقف كعائق مادي وملموس أمام حلم تحقيق الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافياً، انزلقت القوي الفلسطينية في صراعات مريرة بعضها بالتصريحات والخطب، والبعض الآخر بالرصاص والاعتقال. وبالرغم من المحطات المتتالية علي طريق تحقيق المصالحة الفلسطينية، بدءاً بمؤتمر القاهرة عام 2005 ، ومروراً باتفاق مكة عام 2006 ، وانتهاء بالجهود التي بذلتها مصر علي مدار ثمانية أشهر،و بدا من الواضح أن المصالحة المنشودة هي أشبه بالسراب كلما اعتقد المرء أنه اقترب منه، بدا وكأنه يتباعد. وإزاء ما مرت به الجهود المصرية المتواصلة للوصول إلي تحقيق هذا الهدف من انتكاسة حقيقية في الأيام الماضية، من خلال التأجيل الفعلي لجلسة التوقيع علي وثيقة مصالحة تمت صياغتها بعد عناء شديد، يصبح من الضروري التوقف أمام أسباب استعصاء معضلة المصالحة علي الحل، وعلي الرغم من أن الموضوع يطول الحديث فيه، فإنه يمكن طرح بعض النقاط المحورية في عجالة سريعة. - إذا كانت المصالحة تعني، في أبسط تعريفاتها، طي صفحة الماضي وتعبيد الطريق لانطلاقة جديدة لتحقيق أهداف مشتركة فإنه فيما يخص الشأن الفلسطيني، يصعب الحديث عن ذلك، حيث يتعلق الأمر بصفحات متتالية جاءت كل منها لتضاف إلي الأخري لتمثل في النهاية سلسلة من الملفات ظهر الواحد تلو الآخر، تزيد المشهد تعقيداً مما يصعب من عملية توحيد الجميع تحت سقف واحد، وتبدو المفارقة في حقيقة أن جميع الفصائل تتحدث عن الثوابت الوطنية ويختلفون حول الشكل النهائي الذي يمكن أن تكون عليه هذه الثوابت في إطار التسوية النهائية، وحتي مقترب التعامل مع الموقف. - يتمثل العنصر الحاسم في أي مصالحة بين الأشقاء في توافر النوايا الحسنة وليس في العبارات التوفيقية التي تتطلب الجهد والوقت والترغيب والترهيب للوصول إليها، وفي هذا الصدد يمكن القول أن طول فترة الحوار وتتابع جلساته بل وتأجيل انعقاد بعضها علي خلفية قضايا فرضت نفسها علي الحوار، وما رافقها من اتهامات متبادلة وحجج وحجج مضادة، أعطت مؤشرات واضحة علي أن عنصر النوايا غير متوافر بالقدر الذي يضمن الوصول إلي مصالحة حقيقية، وإنما فقط بما قد يسمح - إذا تم تجاوز العقبات الوقتية بتحقيق هدنة يمكن توظيفها للوصول إلي مرحلة الحسم لصالح فريق ضد الآخر من خلال انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة. - إن المصالحة الحقيقية لا يمكن لها أن تتم علي خلفية من اتهامات ترقي إلي مستوي التخوين أو النعت بالانتهازية السياسية وهو الوضع الذي تبلور بشكل واضح في الأسبوعين الأخيرين، في ظل الأجواء المسمومة التي سادت بعد تأجيل مجلس حقوق الإنسان التصويت علي قرار يعتمد توصيات لجنة تقصي الحقائق التي تم تشكيلها للبحث في الانتهاكات والجرائم التي تم ارتكابها خلال عملية الرصاص المصبوب علي غزة نهاية العام الماضي، والتساؤلات والاتهامات والمهاترات التي رافقت ذلك حول سبب التأجيل وحقيقة دور السلطة الفلسطينية في ذلك ودوافعها. - إن المتابعة الدقيقة لما يجري علي أرض الواقع، وتحليل مضمون كل من خطاب رئيس السلطة ورئيس حركة فتح من جانب، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس من جانب آخر ، يوم 11 الجاري، والمواقف والتصريحات المختلفة التي تزامنت معهما، تشير بوضوح إلي أنه سيكون من الصعب الوصول إلي مصالحة حقيقية تصمد علي الأرض حتي ولو لبضعة أشهر يتم خلالها تنظيم انتخابات، دون حسم ما أصبح معروفاً بمسمي جولدستون جيت والذي تم توصيفه من طرف علي أنه ذريعة لنسف المصالحة في حين رأي فيه البعض الآخر القشة التي قصمت ظهر البعير. - إن ملف المصالحة الفلسطينية لا يمكن بأي حال من الأحوال التعامل معه بمعزل عن ملف السلام مع إسرائيل، فإذا كان الهدف من المصالحة هو إعادة ترتيب البيت الفلسطيني لخوض غمار معركة السلام بأدوات متفق عليها، فإن الحراك الهادف إلي تحريك جهود السلام، بما يواجهه من عقبات وتحديات متجددة ومتعاظمة، ينعكس بشكل تلقائي - سلباً حتي الآن - علي مسار المصالحة. - تعمل إسرائيل، العامل المشترك التي تتقاطع فيه عمليتا المصالحة والسلام، جاهدة علي إعاقة كل من المسارين، وكان استثمارها الواضح للرغبة الأمريكية في إعادة إطلاق عملية السلام أكبر دليل علي ذلك، فمن جانب، سعت إلي إعادة السلطة الفلسطينية مجدداً - بمباركة أمريكية إلي طاولة المفاوضات بما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية علي عملية المصالحة، ومن جانب آخر، استمرت في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية - علي خلاف الرغبة الأمريكية - والمضي قدماً في مشروعاتها الهادفة إلي وضع اللمسات الأخيرة علي تهويد القدس، وإغلاق ملف العودة بشكل نهائي من خلال تمسكها بشرط الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل. وفي ضوء المعطيات السابقة، أصبح من الواضح أن المصالحة، حتي وإن تم التوصل إليها - ستكون هشة في مواجهة المناورات المتوقعة ليس فقط من قبل إسرائيل، ولكن أيضاً من أطراف فلسطينية تنظر إلي الصراع بين الفصائل علي أنه لا يقل أهمية عن الصراع مع إسرائيل، وفي هذا السياق، تبرز أهمية البحث عن حلول بديلة قد يكون من بينها تحرك عربي جماعي علي مستويين. - التلويح بقرار عربي بإجراء الانتخابات في كل من الضفة الغربيةوغزة استناداً إلي ما تضمنته الورقة المصرية من قواعد للعملية الانتخابية ارتضت بها الفصائل، وذلك بعيداً عن مراكز القرار الفلسطينية، وتحت إشراف كامل من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ولعل مجرد طرح هذه الفكرة من قبل القادة العرب قد يؤدي إلي استعادة جميع الأطراف المعنية لعقولها، خاصة أنها طالما طالبت العالم العربي بلعب دور في مواجهة المخططات الإسرائيلية إزاء القضايا الفلسطينية الحساسة. - تحرك جماعي من قبل مجموعة الدول العربية والإسلامية الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان لطلب عقد دورة استثنائية للمجلس لاتخاذ قرار بشأن تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس في يناير 2009 تحت رئاسة القاضي ريتشارد جولدستون.