الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    إسماعيل هنية كشف خيانة الثورة المضادة فباركوا قتله .. عام على اغتيال قائد حماس    الإخوان : وقف نزيف الحرب على غزة لن يمر عبر تل أبيب    سفير مصر باليونان: مشاركة المصريين فى انتخابات الشيوخ تعكس وعيهم بالواجب الوطنى    برئاسة الدكتورة جهاد عامر.. «الجبهة الوطنية» تعلن تشكيل الأمانة المركزية للتعليم الفني    رسميا الآن بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 2 أغسطس 2025    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدتين في الضفة الغربية    روسيا ومدغشقر تبحثان إمكانية إطلاق رحلات جوية بمشاركة شركات طيران إقليمية    أخبار × 24 ساعة.. وظائف فى البوسنة والهرسك بمرتبات تصل ل50 ألف جنيه    ماسك يؤكد وجود شخصيات ديمقراطية بارزة في "قائمة إبستين"    كواليس من محاكمة صدام حسين.. ممثل الدفاع: طلب جورج بوش وتوني بلير لهذا السبب    عبدالمنعم سعيد: الدمار الممنهج في غزة يكشف عن نية واضحة لتغيير هوية القطاع    رسميًا.. لاعب الأهلي ينتقل إلى النجم الساحلي التونسي    الصفاقسي التونسي يكشف موعد الإعلان عن علي معلول وموقفهم من المثلوثي    نجم الزمالك السابق: فترة الإعداد «مثالية».. والصفقات جيدة وتحتاج إلى وقت    خناقة مرتقبة بين ممدوح عباس وجون إدوارد.. نجم الزمالك السابق يكشف    ستوري نجوم كرة القدم.. صلاح يودع لويس دياز.. ومحمد هاني يُشيد بأداء كريم فهمي    اتفاق مبدئي بين الزمالك وشارلروا البلجيكي لضم عدي الدباغ    بيراميدز يستهدف صفقة محلية سوبر (تفاصيل)    ارتفاع عدد مصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم شهير فى سوهاج إلى 12 شخصا (صور)    10 مصابين إثر انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج    زفاف إلى الجنة، عريس الحامول يلحق ب"عروسه" ووالدتها في حادث كفر الشيخ المروع    مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة في سيوة    علا شوشة تكشف تفاصيل مشاجرة أم مكة بقناة الشمس    بالأسماء.. ننشر حركة مأموري الأقسام ومراكز الشرطة بالقليوبية    «الجو هيقلب».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: أمطار وانخفاض درجات الحرارة    عمرو دياب يفاجئ جمهوره بمدفع "تي شيرتات" فى ختام حفله بمهرجان العلمين.. صور    إسلام الكتاتني: الإخوان الإرهابية كتبت شهادة وفاتها بالتظاهر أمام سفارة مصر في تل أبيب    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    حدث بالفن| كارثة بسبب حفل محمد رمضان ومطرب يلغي حفله في الساحل حدادًا على المتوفي    "ظهور نجم الأهلي".. 10 صور من احتفال زوجة عماد متعب بعيد ميلاد ابنتهما    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    حسام موافي يوجه رسالة لشاب أدمن الحشيش بعد وفاة والده    وصول دفعة أطباء جديدة من عدة محافظات إلى مستشفى العريش العام    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    ترامب: نشرنا غواصتين نوويتين عقب تصريحات ميدفيديف "لإنقاذ الناس"    مركز رصد الزلازل الأوروبي: زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب شمال شرق أفغانستان    2 جنيه زيادة فى أسعار «كوكاكولا مصر».. وتجار: «بيعوضوا الخسائر»    منطقة بورسعيد تستضيف اختبارات المرحلة الثانية بمشروع تنمية المواهب "FIFA TDS"    تشييع جثمان فقيد القليوبية بعد مصرعه فى «حفل محمد رمضان»    الشيخ محمد أبو بكر بعد القبض على «أم مكة» و«أم سجدة»: ربنا استجاب دعائى    وزير النقل يتفقد مواقع الخط الأول للقطار الكهربائى السريع «السخنة- العلمين- مطروح»    انتخابات الشيوخ 2025| استمرار التصويت للمصريين بالخارج داخل 14 بلد وغلق الباب في باقي الدول    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    محافظ الإسكندرية يتابع مؤشرات حملة 100 يوم صحة على نطاق الثغر    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    الأسهم الأوروبية تتكبد خسائر أسبوعية بعد أسوأ جلسة منذ أبريل    فريق بحثي بمركز بحوث الصحراء يتابع مشروع زراعة عباد الشمس الزيتي بطور سيناء    مصر تتعاون مع شركات عالمية ومحلية لتنفيذ مشروع المسح الجوي للمعادن    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    إدارة مكافحة الآفات بالزراعة تنفذ 158 حملة مرور ميداني خلال يوليو    من تطوير الكوربة لافتتاح مجزر الحمام.. أبرز فعاليات التنمية المحلية في أسبوع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصين وانفصال جنوب السودان

من المعروف أن الصينيين، عبر مؤسساتهم العامة والخاصة، قد انتشروا في السنوات القليلة الماضية في جميع أرجاء المعمورة، استحواذا علي مكامن النفط والغاز والمعادن، وهيمنة علي الأسواق، واستثمارا في مختلف الحقول «يبلغ إجمالي استثماراتهم الخارجية نحو 178 بليون دولار». ومن المعروف أيضًا أنهم ركزوا أنظارهم منذ زمن بعيد علي القارة الإفريقية السمراء. وفي الأخيرة منحوا السودان أهمية قصوي، ولا سيما بعد انسحاب شركات النفط الغربية منها في منتصف التسعينيات، حيث دفعت بكين بشريكتيهما النفطيتين العملاقتين «إس إن بي سي وسينوبيك» للاستثمار في أعمال التنقيب والاستغلال للنفط والغاز في السودان، وهو ما جعل الشركة الأولي تمتلك حصة الأسد في أكبر مجموعتين للطاقة في البلاد، أو نحو 60% من أصل 480 ألف برميل من الخام ينتجه السودان يوميا. إلي ذلك، فإن الشركة ذاتها منخرطة في مشروع لمد خطوط أنابيب نفطية بطول 1500 كيلو متر ما بين حقول النفط في الجنوب «حيث يوجد 85% من احتياطات البلاد المكتشفة» وميناء «بورسودان» علي البحر الأحمر في الشمال.
وهكذا نظرت الصين دوما إلي استثماراتها في السودان من خلال شركة «إس إن بي سي»، أنها أحد أكثر استثماراتها الخارجية نجاحا ومردودا. ومن هنا يمكن القول إن تقسيم السودان وانفصال جنوبه في كيان مستقل يحمل معه تعقيدات ومشاكل كثيرة لبكين لجهة كيفية إدارة الأصول الصينية المسجلة باسم شركتها النفطية الكبري، وكيفية تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع حكومة الخرطوم، حيث إن هناك عددا لا يستهان به من عقود الامتياز التي وقعتها الأخيرة، والتي يفترض الآن إعادة التفاوض حولها، علما بأن الأمر يعتمد بشكل كبير علي مواقف «الحركة الشعبية لتحرير السودان» التي يُعرف عن زعيمها الحالي «سيلفاكير» ارتباطه بعلاقات وثيقة مع زعماء الحزب الشيوعي الحاكم في بكين، وزيارته لهم أكثر من مرة. هذه العلاقات التي يعتبرها الصينيون بمثابة حجر الزاوية في بناء وتعزيز نفوذهم وحضورهم في الدولة الإفريقية الجديدة، خصوصا أن حضورهم الملموس في الأخيرة يقتصر حتي الآن علي الاستثمارات النفطية، وفندق من الدرجة الثانية، وقنصلية صغيرة في «جوبا» تم افتتاحها في سبتمبر 2008، فيما طموحاتهم تتجاوز النفط إلي الاستثمار في البني التحتية وربط الدولة الناشئة بشبكة مواصلات حديثة مع كينيا، وإقامة موانئ جديدة للتصدير، وغير ذلك من المشاريع التي توطد أقدامهم وتضمن لهم الاستقرار.
ويخشي الصينيون من فرضية أن يتجدد القتال بين شمال السودان وجنوبه لأي سبب، خصوصا مع وجود ملفات لم تحسم حتي الآن كملفي الحدود النهائية وتقسيم عوائد النفط. ذلك أن مثل هذا السيناريو، يعني ببساطة سيطرة أحد أطراف الصراع بالقوة علي الحقول النفطية الموجودة في عهدة الصينيين، وتعرض حياة أكثر من 24 ألف عامل وموظف وخبير صيني للتهديد. بل حتي لو لم يتجدد القتال، فإن بكين تخشي من احتمالات قيام الخرطوم بممارسة ضغوط علي الحكومة الوليدة في «جوبا» كي ترضخ الأخيرة لمطالبها. والضغوط هنا قد تأتي في صورة قرار من الشمال بوقف تدفق النفط وتصديره إلي الخارج من مينائه الرئيسي علي البحر الأحمر، خصوصا أن 98% من دخل الجنوب يأتي من النفط. وفي هذه الحالة سوف يكون الضرر الأكبر من نصيب الجنوبيين والصينيين، علي اعتبار أن الشماليين يمكنهم مواصلة حياتهم اعتمادا علي المصادر الطبيعية الأخري، كما كان حالهم دوما.
ويقودنا الحديث عن تداعيات تقسيم السودان علي الصين إلي ملامسة جانب آخر من الموضوع هو موقف بكين الرسمي منه. فبكين، علي الرغم من مصالحها المتشعبة في السودان، واهتمامها البالغ بمجريات الأحداث في هذا البلد الكبير، إلا أنها لم تلزم نفسها بموقف صريح وواضح حول مسألة انفصال الجنوب عن الشمال. وبهذا بدت للمراقبين كقوة عالمية مترددة، تخشي من عواقب الانتصار لجهة ضد أخري، مفضلة الانتظار حتي الدقائق الأخيرة لظهور نتائج تصويت أبناء الجنوب علي حق تقرير المصير.
ويعزي الكثيرون أسباب التردد الصيني إلي معضلة متفاقمة في أروقة صنع القرار في بكين، هي كيفية المواءمة بين ما تفرضه مصالح البلاد الاقتصادية والاستراتيجية المتنامية من مسئوليات، وبين المبادئ المتجذرة في السياسة الخارجية، وعلي رأسها «مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للبلاد الأخري». هذا المبدأ الذي سنه رئيسة الحكومة الأسبق «شو إين لاي» ضمن مبادئة الخمسة للتعايش السلمي، وذلك بهدف احترام سيادة الدول المستقلة حديثا وترغيبها في التعاون مع بكين، وأيضًا تجسيدا لحساسية الأخيرة المفرطة من تدخل الآخرين في شئونها علي نحو ما حدث في تايوان والتبت.
ورغم أن هذا المبدأ تعرض لخروقات صارخة في الستينيات والسبعينيات، حينما قامت بكين بدعم حركات التمرد والثورة في إفريقيا وآسيا، إلا أنه أعيدت صياغته، وصار محورًا للسياسة الخارجية الصينية الجديدة في الحقبة التالية لعام 1978 أي حينما بدأت الدبلوماسية الصينية رحلتها باتجاه الواقعية والبراجماتية، والابتعاد عن تصدير النظريات والشعارات الجوفاء. وكان مما تم التركيز عليه وقتذاك أن عدم التدخل في الشئون الداخلية لبعض الدول الأجنبية التي كانت للصين فيها روابط محدودة في الماضي، لا يمكن تبريره اليوم، وقد صارت الصين قطبا عالميا له مصالحه المتشعبة، خصوصا أن هناك دولا تتربص بتلك المصالح الصينية وعلي استعداد للحلول مكانها.
وهكذا رأينا منذ بدايات العقد الأخير من القرن العشرين تناميا مطردا في عدد الشركات الصينية الخاصة وتلك المملوكة للدولة لجهة الانتشار في العالم، بل رافقت ذلك نقاشات عاصفة في دوائر صنع القرار حول كيفية تأمين وحماية المصالح والأصول الصينية في الخارج في حالة اندلاع حروب أهلية أو قلاقل. وكان الاهتمام الأكبر في هذه النقاشات من نصيب كيفية ضمان سلامة أرواح الآلاف من الصينيين العاملين في الخارج وكيفية إعادتهم إلي الوطن، خصوصا أن أكثر من حالة خطف أو قتل لمواطنين صينيين وقعت في الدول المضطربة. إلي ذلك ارتفعت أصوات عديدة تطالب للمرة الأولي بضرورة أن تلعب بكين دورًا ضاغطا في رسم السياسات الداخلية للدول التي لها فيها مصالح استراتيجية، حتي إن استدعي الأمر التلويح بالقوة العسكرية، ويمكن القول إن الترجمة العملية لهذه الأحاديث تجلت في مشاركة البحرية الصينية في عمليات ضرب ومطاردة واعتقال القراصنة الصوماليين علي سواحل القرن الإفريقي. بل تجلت قبل ذلك في قيام بكين بدور محوري في إقناع الرئيس السوداني عمر البشير بالموافقة علي تواجد قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في دارفور. ويقال في هذا السياق إن بكين لم تقدم علي الخطوة الأخيرة إلا بعدما كثرت الانتقادات ضدها في الأدبيات الغربية حول دعمها لحكومة الخرطوم في حرب الأخيرة ضد متمردي دارفور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.